خبراء: ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا ينذر بأزمة اقتصادية عميقة

حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد البريطاني سيكون من أكثر الاقتصادات تعرضًا للضرر في حال استمرار التوترات التجارية العالمية، مؤكدًا أن ارتفاع تكاليف المعيشة، لا سيما فواتير الطاقة، أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًّا للنمو والاستقرار الاقتصادي في المملكة المتحدة.
وفي تقريره الأخير الصادر من واشنطن، خفّض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد البريطاني للعام الجاري بنسبة الثلث، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه “مستويات عالية للغاية من عدم اليقين في السياسات”، وأن الضرر الاقتصادي سيتفاقم حتى في حال التوصل إلى خفض دائم في الرسوم الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة على الواردات الأجنبية.
بريطانيا ضمن قائمة المتضررين الكبار
توقّع صندوق النقد أن يسجل الاقتصاد البريطاني نموًّا لا يتجاوز 1.1 في المئة هذا العام، انخفاضًا من 1.6 في المئة في توقعاته السابقة، فيما يُتوقع أن يرتفع النمو إلى 1.4 في المئة في العام المقبل، وهو أيضًا أقل بـ0.1 نقطة مئوية عن تقديرات يناير الماضي.
وأوضح الصندوق أن الرسوم الأمريكية، ولا سيما تلك المفروضة على صادرات السيارات والصلب والألمنيوم، تشكّل عبئًا إضافيًّا على الاقتصاد البريطاني، الذي يعتمد كثيرًا على التجارة الخارجية، إذ يبلغ حجم التجارة نسبة 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير إلى أن الأسواق البريطانية تراجعت بشدة في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما أسماه “يوم التحرير” التجاري، إذ شهدت المؤشرات البريطانية والأمريكية أحد أكبر الانخفاضات اليومية منذ الوباء.
رفع صندوق النقد توقعاته لمعدل التضخم في بريطانيا إلى 3.1 في المئة خلال عام 2025، بزيادة قدرها 0.7 نقطة مئوية عن التقديرات السابقة، متجاوزًا بذلك الهدف الرسمي لبنك إنجلترا البالغ 2 في المئة.
وربط التقرير بين هذه الزيادة وبين ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف المرافق التي بدأ تطبيقها في إبريل، ما جعل المملكة المتحدة من أكثر الدول الصناعية تأثرًا بموجة التضخم الجديدة.
وقال التقرير: إن “ضعف الاستهلاك الخاص في ظل تضخم مرتفع وأسعار منظمة للطاقة” أدى إلى تراجع واضح في الأداء الاقتصادي، مشيرًا إلى أن عبء فواتير الكهرباء والغاز أضحى عاملًا محوريًّا في تباطؤ النمو.
ريفز تسعى لتخفيف الأثر.. والنتائج محدودة
تزامن صدور التقرير مع استعداد وزيرة الخزانة البريطانية رايتشل ريفز للقاء نظيرها الأمريكي سكوت بيسنت خلال اجتماعات صندوق النقد في واشنطن، في محاولة لخفض الرسوم الأمريكية على السلع البريطانية.
وصرحت ريفز بأن “هذا التقرير يُظهر أن المملكة المتحدة لا تزال الأسرع نموًّا في مجموعة السبع الأوروبية”، مؤكدة أن الحكومة “تعمل على تنفيذ إصلاحات هيكلية ستدعم النمو الطويل الأجل عبر خطة شاملة للتغيير”.
إلا أن الصندوق قلل من تأثير أي اتفاق تجاري محتمل مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن تقديرات حكومية سابقة أظهرت أن اتفاقًا كهذا لن يضيف أكثر من 0.16 في المئة للنمو البريطاني على مدى 15 عامًا.
أشار خبراء اقتصاديون في *سكاي نيوز* إلى أن كثيرًا من المشكلات التي تواجه الاقتصاد البريطاني “محلية الصنع”، موضحين أن الرسوم الأمريكية ليست إلا جزءًا من الصورة الكلية.
وكتب كبير مراسلي الاقتصاد، جربريت ناروان، أن “بريطانيا من أكثر الاقتصادات حساسية للتقلبات العالمية، لكن العديد من أزماتها اليوم نابعة من الداخل”، مشيرًا إلى أن “ارتفاع تكلفة المعيشة، خصوصًا أسعار الطاقة، وتباطؤ الاستثمار، وتراجع الإنتاج” هي عوامل داخلية تؤجج الأزمة.
وحذّر من أن انخفاض ثقة المستثمرين في أداء الاقتصاد البريطاني أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي، ما قد يُجبر الحكومة على تقليص الإنفاق أو زيادة الضرائب للامتثال للقيود المالية، وهو ما من شأنه أن يعمّق الأزمة.
بحسَب صندوق النقد، إذا عادت إدارة ترامب إلى نهجها الحمائي بالكامل، فإن النمو العالمي سيتراجع من 3.3 في المئة إلى 2.8 في المئة في 2025، قبل أن يرتفع مجددًا إلى 3 في المئة في عام 2026. وقد شمل الخفض معظم الاقتصادات الكبرى: الولايات المتحدة (1.8 في المئة)، والمكسيك (1.7 في المئة)، والصين وكندا (0.6 في المئة)، واليابان (0.5 في المئة).
وأكد التقرير أن أي مكاسب تحققها الدول من خفض الرسوم ستتلاشى؛ بسبب تراجع النمو في الصين والولايات المتحدة، اللتين تمثلان معًا 43 في المئة من الاقتصاد العالمي، ما يؤثر على سلاسل التوريد الدولية ويقوّض الانتعاش الاقتصادي في الدول الأخرى.
أزمة تتجاوز السياسة.. وتتطلب تدخلًا بنيويًّا
في ظل هذا المشهد المتداخل، يرى مراقبون أن الحكومة البريطانية مطالبة بتجاوز مرحلة البحث عن حلول تجارية قصيرة الأمد، والبدء فورًا بمعالجة جذور الأزمة محليًّا، من خلال تحفيز الاستهلاك، وتوسيع برامج الدعم المعيشي، وتشجيع الاستثمار في قطاعات الإنتاج والطاقة.
فالخروج من نفق الأزمة لا يتطلب خفض رسوم جمركية أو تهدئة الأسواق فقط، بل رؤية اقتصادية متكاملة تعالج تضخم الداخل قبل أن تلوم حرب التجارة في الخارج.
المصدر: سكاي نيوز
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇