تقرير جديد يكشف معاناة الفلسطينيين في بريطانيا بعد الإبادة في غزة
أصدرت اللجنة الفلسطينية البريطانية (BPC) في أكتوبر 2025 دراسة رائدة بعنوان “تقييم الاحتياجات المدنية للفلسطينيين في بريطانيا”، بدعم من هيئة لندن الكبرى ومؤسسة جوزيف رونتري الخيرية.
يُعدّ هذا التقرير أول دراسة شاملة تتناول الاحتياجات المدنية والاجتماعية والنفسية للفلسطينيين المقيمين في بريطانيا، جامعًا بين الصرامة الأكاديمية والنداء الإنساني العاجل.
ويُبرز التقرير كيف أثّرت الإبادة الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر 2023 على الجالية الفلسطينية في بريطانيا، مؤكدًا أن الفلسطينيين واجهوا ضغوطًا غير مسبوقة على المستويات النفسية والاجتماعية والقانونية. كما يربط التقرير هذه المعاناة بـ”التواطؤ البريطاني الدبلوماسي والعسكري والإعلامي” مع العدوان الإسرائيلي.
منهجية البحث

استند التقرير إلى ثلاثة مصادر رئيسية للبيانات:
- مشاورات سرّية مع منظمات غير حكومية ومؤسسات دينية وهيئات دعم المهاجرين في بريطانيا.
- استبيان إلكتروني مجهول الهوية شارك فيه 66 فلسطينيًا من مختلف أنحاء بريطانيا، بنسبة متوازنة بين الجنسين والمناطق، وكان نحو نصفهم من أصول غزاوية أو مقدسية.
- تسع مقابلات معمّقة باللغة العربية مع مقيمين جدد وقدامى.
جمع الباحثون بين البيانات الكمية والشهادات الشخصية لرسم صورة شاملة عن واقع الفلسطينيين في المنفى، مع التركيز على الوافدين الجدد بعد أكتوبر 2023 الذين يُقدّر عددهم بنحو 700 شخص دخلوا البلاد بتأشيرات لجوء أو عمل أو دراسة أو علاج، ويعيش العديد منهم في أوضاع مالية وقانونية هشة.
أولويات ونتائج رئيسية
حدّد التقرير خمس أولويات كبرى للفلسطينيين في بريطانيا، تعكس أبعاد التهميش البنيوي التي يواجهونها:
- الدعم القانوني والهجرة
- فرص العمل والتعليم
- الصحة النفسية والدعم العلاجي
- مواجهة العنصرية والعداء
- بناء الحياة المجتمعية الفلسطينية
1. الدعم القانوني والهجرة
اعتبر 62٪ من المشاركين أن الحاجة إلى استشارات قانونية ميسّرة وموثوقة هي الأولوية الأهم.
ويواجه الفلسطينيون تحديات استثنائية داخل نظام اللجوء البريطاني بسبب انعدام الجنسية، وتعقيد الوثائق، والاستثناءات المتكررة بموجب المادة 1D من اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
أشار المشاركون إلى فترات انتظار طويلة ونصائح قانونية متناقضة وعداء صريح من بعض المحامين، إلى جانب تكاليف مالية باهظة مثل رسوم التأشيرات والخدمات الصحية (NHS) ونقص المساعدة القانونية.
ووصف بعضهم محاولات ترحيل تعسفية واحتجازًا قسريًا تعرضوا له.
كما يخشى الكثيرون أن تؤدي التعبيرات عن التضامن مع غزة إلى الإضرار بطلبات لجوئهم أو وظائفهم، حيث وثّق التقرير حالات تحقيقات وفصل من العمل بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أن الخوف من فقدان الروابط مع الوطن والأهل يضيف عبئًا نفسيًا قاسيًا على هؤلاء اللاجئين.
2. فرص العمل والتعليم

تأتي فرص العمل والتعليم في المرتبة الثانية من حيث الأولوية.
أكد أكثر من 70٪ من المشاركين أن أعمالهم أو دراستهم تأثرت سلبًا منذ أكتوبر 2023، نتيجة التمييز والعزلة والمضايقات في أماكن العمل والجامعات.
روى بعضهم تعرضهم لعقوبات بسبب التعبير عن آرائهم حول غزة، بينما هددت بعض الجامعات طلابها وأساتذتها المطالبين بوقف إطلاق النار.
وأشار التقرير إلى أن سياسات التنوع والشمول في المؤسسات البريطانية لا تعترف بالفلسطينيين كفئة محمية أو حتى معترف بها رسميًا.
كما كشف التقرير عن جهل واسع بحقوق العمال الفلسطينيين، خاصة بين طالبي اللجوء والوافدين الجدد الذين يعتمدون على الشائعات والمعلومات المتداولة بدلًا من المعرفة القانونية.
وطالب التقرير المؤسسات التعليمية والعمالية بإطلاق حملات توعية وورش تدريبية تعزز فهم الهوية الفلسطينية وتوفر دعمًا مهنيًا وثقافيًا مناسبًا.
3. الصحة النفسية والدعم العلاجي
احتلت الصحة النفسية المرتبة الثالثة في أولويات الجالية، حيث أبلغ 80٪ من المشاركين عن معاناتهم من قلق واكتئاب شديدين.
ويؤكد التقرير أن الصدمة الفلسطينية جماعية ومتجذرة في عقود من التهجير والعنف المستمر.
أشار المشاركون إلى شعور دائم بالحزن و”ذنب الناجين” والخوف على أسرهم في غزة، وتحدث كثيرون عن نوبات هلع وأرق واكتئاب نتيجة الأخبار أو انقطاع الاتصال بأحبائهم.
إلا أن الخدمات النفسية المتاحة تكاد تكون معدومة. فالانتظار في NHS طويل، والعلاج غالبًا غير ملائم ثقافيًا أو سياسيًا.
وقدّم لبعض المرضى تطبيقات إلكترونية أو أدوية بديلة عن العلاج الفعلي، فيما واجه آخرون جهلًا وعداءً من بعض الأطباء تجاه واقعهم الفلسطيني.
وأكد التقرير الحاجة إلى معالجين ناطقين بالعربية وذوي وعي سياسي وثقافي بالسياق الفلسطيني. كما حذّر من أن العلاج الحالي قد يؤدي إلى إعادة الصدمة إذا تجاهل الجذور السياسية للنفسية الفلسطينية.
وفي المقابل، برز التضامن المجتمعي كعامل أساسي في التماسك، إذ قال أكثر من ثلثي المشاركين إن دعم الأصدقاء والعائلة والمجموعات المحلية هو مصدر قوتهم الأساسي.
4. تصاعد العنصرية والعداء
منذ بدء العدوان على غزة، شهد الفلسطينيون في بريطانيا تصاعدًا مقلقًا في موجات العنصرية والإسلاموفوبيا.
يسرد التقرير وقائع عديدة تشمل الإهانات اللفظية، والعقوبات المهنية، وحملات التشهير التي وصفتهم بـ”المتعاطفين مع الإرهاب”.
النساء المحجبات كن الأكثر استهدافًا، حيث تعرّض بعضهن للتحقيق بسبب آرائهن السياسية أو للتهديد على الإنترنت.
كما تم نشر معلومات شخصية لعدد من الطلبة والناشطين على مواقع الجامعات.
ودعا التقرير إلى حملات توعية وطنية عاجلة لمكافحة التمييز وحماية حرية التعبير في الجامعات وأماكن العمل.
5. بناء الحياة المجتمعية الفلسطينية

أشار التقرير إلى أن الفلسطينيين في بريطانيا يفتقرون إلى المساحات الاجتماعية المستقلة خارج إطار المظاهرات أو المدن الكبرى كـ لندن.
وطالب بإنشاء مراكز مجتمعية يقودها الفلسطينيون أنفسهم لتنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية مثل الطبخ الجماعي، والمشي، وبرامج الشباب.
كما دعا إلى دعم منظمات الضغط السياسي الفلسطينية التي تمكّن الجالية من تمثيل نفسها والدفاع عن قضاياها.
وأكد أن هذه المبادرات يجب أن تكون “بقيادة الفلسطينيين ولأجلهم” لضمان الكرامة والثقة.
ونوّه التقرير إلى ضرورة شمول المناطق النائية مثل اسكتلندا وأيرلندا الشمالية وشمال إنجلترا في البرامج المجتمعية، حيث يعاني الفلسطينيون هناك من عزلة لغوية ومؤسساتية.
العمل الإنساني العاجل (2024–2025)
ردًا على تصاعد الأزمة بعد العدوان على غزة، أطلقت اللجنة الفلسطينية البريطانية وشركاؤها برنامج استجابة إنسانية سريعة في أغسطس 2024 شمل:
- تعيين موظف مختص في منظمة Migrants Organise بلندن لدعم أكثر من 80 فلسطينيًا في قضايا الهجرة والسكن والرعاية الاجتماعية.
- التعاون مع 17 مكتب محاماة لتوسيع نطاق المساعدة القانونية ونشر إرشادات ثنائية اللغة حول حقوق لمّ الشمل العائلي.
- مشروع تجريبي للصحة النفسية بالتعاون مع شبكة الصحة النفسية الفلسطينية في بريطانيا، لتقديم ورش عمل وجلسات علاجية.
- فعاليات ترحيبية في لندن ومانشستر شارك فيها نحو 200 شخص، تضمنت أنشطة ثقافية واستشارات قانونية.
ورغم محدودية الموارد، أثبتت هذه المبادرات أن الدعم المجتمعي الموجه والمستقل قادر على تحقيق نتائج ملموسة.
التوصيات

قسّم التقرير توصياته إلى محورين رئيسيين:
أولًا: للمؤسسات العامة البريطانية
- ضمان حرية التعبير للفلسطينيين في العمل والجامعات دون تهديد أو رقابة.
- تطبيق قانون المساواة لعام 2010 لحماية الفلسطينيين من التمييز وضمان تمثيلهم في الحياة المدنية.
- إطلاق برامج تدريبية لموظفي المؤسسات تتناول التاريخ والهوية الفلسطينية بدقة وإنصاف.
- تخصيص تمويل حكومي لدعم السكن والمساعدة القانونية والرعاية للوافدين الجدد، وإنشاء بوابة إلكترونية ثنائية اللغة للخدمات الفلسطينية.
- وقف التطبيع الرسمي مع الدبلوماسية الإسرائيلية طالما استمرت جرائم الحرب ضد المدنيين.
ثانيًا: للمجتمع المدني والمنظمات الفلسطينية
- إعطاء الأولوية للوافدين الجدد من غزة وطالبي اللجوء الأكثر احتياجًا.
- توفير موارد قانونية واجتماعية بالعربية لضمان الوصول العادل للمعلومات.
- تدريب المعالجين على التعامل مع الصدمات الجماعية ضمن سياق ثقافي وسياسي مناسب.
- تعزيز المؤسسات الفلسطينية المستقلة من خلال الاستثمار في المراكز المجتمعية، وبرامج الشباب، والجهود الحقوقية.
وتؤكد منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن نتائج هذا التقرير تمثل صرخة ضمير يجب أن تلتفت إليها المؤسسات البريطانية والمجتمع الدولي على حد سواء.
وترى المنصة أن ما ورد في الدراسة يعكس تقصيرًا واضحًا في حماية الفلسطينيين المقيمين في بريطانيا من التمييز والإقصاء، فضلًا عن إهمالٍ مؤسسيٍ لمعاناتهم النفسية والاجتماعية منذ بدء العدوان على غزة.
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
