تقرير: بريطانيا تتواطأ مع إسرائيل بمشاركة معلومات من طلعات استطلاعية فوق غزة

خلود العيط May 23, 2025

في تطور يكشف تناقضًا لافتًا في مواقف الحكومة البريطانية، أظهر تقرير صحفي أن بريطانيا تواصل تزويد الجيش الإسرائيلي بمعلومات استخبارية جُمعت عبر طلعات استطلاعية فوق قطاع غزة، رغم إدانتها العلنية لسياسات تل أبيب، ووصفها حكومة بنيامين نتنياهو بأنها “متطرفة” و”وحشية”.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة (The National)، حلّقت طائرة التجسس البريطانية (Shadow R1) -برمز (RFR7144)- فوق غزة بعد إقلاعها من قاعدة “أكروتيري” التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص، وذلك بعد ساعات فقط من تصريحات لوزير الخارجية ديفيد لامي وصف فيها العمليات الإسرائيلية في القطاع بأنها “وحشية” و”مروعة”.

بريطانيا متواطئة في الإبادة الجماعية في غزة

ورغم إعلان الحكومة البريطانية وقف محادثاتها التجارية مع إسرائيل، أكدت رسميًّا أنها ما زالت تشارك المعلومات الاستخبارية مع الجيش الإسرائيلي، شريطة أن تكون مرتبطة بمحاولات تحرير الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس داخل القطاع.

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع: “منذ ديسمبر 2023، تُجري القوات الجوية الملكية طلعات استطلاعية غير مسلّحة فوق غزة بهدف وحيد هو تحديد مواقع الأسرى. الحكومة البريطانية تتحكم في المعلومات التي تُنقَل إلى السلطات الإسرائيلية، ولا يُرسَل إلا ما يتعلق بجهود الإنقاذ”.

وكانت مجلة (UK Defence Journal) قد أفادت بأن سلاح الجو الملكي نفّذ أكثر من 250 طلعة استطلاعية فوق غزة منذ الثالث من ديسمبر 2023، مشيرة إلى أن طائرة أخرى من الطراز نفسه، وتحمل الرمز (RFR7145)، كانت على رأس هذه المهمات.

صمت رسمي وتضارب في السياسات

ورفضت وزارة الخارجية البريطانية التعليق على استمرار التعاون العسكري مع إسرائيل رغم تصريحات لامي، التي وصف فيها حكومة نتنياهو بأنها تمثل “تطرفًا خطيرًا ومثيرًا للاشمئزاز ويستحق أشد الإدانات”.

وفي تناقض صارخ مع هذه التصريحات، أكد لامي أن بلاده لا تزال ترسل قطع غيار لطائرات “إف-35” الحربية التي تستخدمها إسرائيل في غاراتها على القطاع، موضحًا أن: “الأسلحة لا تُمنَح لإسرائيل لاستخدامها في غزة في الوقت الحالي… باستثناء ما يتعلق بطائرات (F-35)”.

ودافع رئيس الوزراء كير ستارمر عن استمرار تصدير هذه المُعَدات خلال جلسة في البرلمان، مشيرًا إلى أن وقفها بالكامل “قد يُهدّد العمليات العسكرية البريطانية في مناطق أخرى”.

وكشفت أرقام حكومية أن حكومة حزب العمال وافقت على تصدير مُعَدات عسكرية إلى إسرائيل بقيمة تقارب 130 مليون باوند خلال الربع الأخير من عام 2024، وذلك رغم تعليق 30 من أصل 350 ترخيص تصدير سلاح إلى إسرائيل.

ويُعَدّ هذا الرقم أعلى من إجمالي صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل خلال فترة حكم حزب المحافظين من 2020 إلى 2023. إلا أن وزير الخارجية قلّل من أهمية هذه الأرقام، واصفًا إياها بأنها “مجرد عناوين جذابة”!

هل تقوّض بريطانيا مصداقيتها الدولية بتواطُئِها مع إسرائيل؟

يطرح الكشف عن استمرار التعاون الاستخباري والعسكري بين بريطانيا وإسرائيل، رغم الخطاب العلني الشديد اللهجة من حكومة حزب العمال، تساؤلات جدية عن مصداقية لندن في مواقفها الخارجية، وبخاصة فيما يتعلق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.

ففي الوقت الذي تصف فيه الحكومة البريطانية، بلسان وزير خارجيتها، سياسات تل أبيب في غزة والضفة الغربية بأنها “وحشية ومتطرفة”، وتوقف المحادثات التجارية معها، تستمر في تزويد جيشها بمعلومات استخبارية بالغة الدقة، وتُبقي على تصدير مكونات لطائرات مقاتلة تُستخدم في الحرب على القطاع المحاصر.

هذا التناقض، الذي بات محط انتقاد من منظمات حقوقية وسياسيين في الداخل البريطاني وخارجه، يضع الحكومة في موضع المساءلة: هل الأولوية للمصالح الاستراتيجية والتنسيق العسكري، أم للمبادئ المعلنة بشأن حقوق الإنسان ورفض الاحتلال والعنف ضد المدنيين؟

كما يُخشى أن يؤدي هذا التواطؤ الصامت -الذي يتم عبر “استثناءات تقنية” ومبررات تتعلق بالأسرى- إلى تقويض الدور البريطاني في الوساطات الدولية، ويُضعف موقفها في ساحات دبلوماسية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث يُتوقع من لندن أن تتبنى سياسات واضحة ومستقرة، لا أن تجمع بين الإدانة والمساعدة في آنٍ واحد.

ومع تزايد الضغط الشعبي والبرلماني، قد تجد حكومة كير ستارمر نفسها أمام ضرورة إعادة تقييم هذه السياسة المزدوجة، إن أرادت الحفاظ على سمعة بريطانيا بوصفها قوةً عالمية تحترم القانون الدولي، لا حليفًا صامتًا يغضّ الطرف حين يتعلّق الأمر بإسرائيل.