تريدون حظر النقاب في بريطانيا؟ تحدثوا إلى نساء مثلنا أولًا

عندما سألت النائبة عن حزب “ريفورم” سارة بوتشين، رئيس الوزراء كير ستارمر مؤخرًا عمّا إذا كان ينبغي لبريطانيا أن تحذو حذو فرنسا وبلجيكا والدنمارك في حظر البرقع، التفتت والدتي، التي كانت تتابع المقطع بجواري، وقالت متسائلة: “ما الذي قالته؟ برغر؟”.
لم يكن الأمر مجرد خطأ في السمع.
بل كان تذكيرًا بأن الساسة في هذا البلد يعتبرون أنفسهم مخولين لمناقشة ملابسنا، وديننا، وحريتنا، ومع ذلك لا يجيدون حتى نطق كلمة “برقع” بشكل صحيح. فهم يتحدثون عن ما ترتديه النساء المسلمات، لكنهم يعجزون عن نطق الاسم الصحيح. فالكلمة ليست “برغر”، وليست “برك-آه”، بل تُنطق “بوركا”.
أبسط ما يمكن للساسة فعله، قبل سن القوانين التي تمس حياتنا، هو أن ينطقوا الاسم بشكل صحيح.
قد يجادل البعض بأن بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة قد حظرت البرقع، ما يجعل ذلك موقفًا مشروعًا. فقد فرضت المغرب وتونس ودول أخرى قيودًا عليه، غالبًا باسم التحديث أو الوحدة الوطنية أو الأمن.
لكن الاستبداد لا يمكن الخلط بينه وبين التحرير.
فالنتيجة واحدة: مصادرة حرية النساء، وترك الدولة لتقرر كيف يجب أن نبدو في الأماكن العامة. هذا ليس تمكينًا، بل سيطرة مغلفة بشعارات الإصلاح.
في عام 2015، تقدم رجل أبيض نحوي وسألني: “ما لون شعرك تحت الحجاب؟”.
أجبته: “إنه وردي”، لكنني لم أسأله عن لون شعره قبل أن يصاب بالصلع.
ذلك الموقف ظل عالقًا بذهني لأنه كشف كيف يشعر البعض بأن لهم الحق في التدخل في حياة النساء المسلمات.
لاحقًا، كتبت كتابًا عن تلك التجربة بعنوان “شعري وردي تحت هذا الحجاب”، تناولت فيه قراري بارتداء الحجاب، والأسئلة والأحكام المسبقة والمضايقات التي واجهتها. فالبرقع، شأنه شأن الحجاب، أصبح رمزًا يُسقط عليه الآخرون مخاوفهم وخيالاتهم وإحباطاتهم.
لكن خلف كل نقاب إنسان يفكر ويختار ويعيش حياته.
وعندما تقترح شخصيات سياسية مثل سارة بوتشين حظر البرقع، فإن الأمر لا يقتصر على خطأ لفظي، بل هو محاولة للحديث باسم نساء مثلي دون أن يسألن عن آرائهن.
نساء مثلي، نحن ناخبات وكاتبات وحاملات للمناصب العامة وبانيات للمجتمع. لا يمكن محو هويتنا بالقوانين، ولن تُسكت أصواتنا، لا عبر السياسات ولا عبر التحيز ولا عبر الخوف.
هذا تمييز، ويحدث في بلد تشير فيه الإحصاءات إلى أن 61% من الشابات من الأقليات العرقية أفدن بتعرضهن للتمييز في العمل.
النقاش حول الإسلام وعدم المساواة والاندماج يتغير بتغير العناوين الإخبارية، والتصريحات السياسية، والأزمات، وأعمال العنف. وفي هذا السياق، اضطرت النساء المسلمات للنضال من أجل انتزاع مكانهن في المجتمع.
كيف يمكن أن نتحدث عن الاندماج في عصر “بريكست” بينما تُوصم النساء المسلمات بأنهن “خاضعات”، ويشعر بعض الرجال البيض بجرأة لتمزيق النقاب من رؤوسنا في الأماكن العامة؟
كيف يمكن تحقيق الاندماج في ظل نمو الفقر والحرمان وتعاطي المخدرات واستغلال الفتيات المسلمات؟
وكيف يمكن مواجهة الإسلاموفوبيا القائمة على النوع الاجتماعي والتي تتزايد بذريعة التماسك الوطني؟
علينا أن نسأل أنفسنا عن معنى الحجاب والبرقع – ليس فقط بالنسبة للنساء المسلمات، بل أيضًا لأولئك الذين يبدون ردود فعل تجاهه.
هل هو تعبير شخصي عن الإيمان والهوية؟
أم رمز سياسي أسيء فهمه؟
أم مرآة تعكس قلق بريطانيا المعاصرة؟
لطالما استغلت القوى اليمينية والقومية مسألة النقاب لتصويره كرمز للاضطهاد أو التحدي، واعتباره شيئًا مخيفًا. أتذكر عندما كنت أعمل في “isle of dogs” بشرق لندن، وكان لحزب “British national” ممثل منتخب في المجلس. كانت مجموعات “كومبات 18” تجوب الشوارع، وقد أُلقي رأس خنزير داخل متجر بقالة لمسلم في وضح النهار.
وفي أحد المجمعات السكنية، اضطررت لمساعدة عائلتين بنغاليتين على الانتقال بعد تعرضهما لمضايقات متكررة. وفي إحدى المرات، انتزع أحد العنصريين حجاب امرأة أثناء اصطحابها أطفالها إلى المدرسة، وصاح: “حقوق للبيض”.
اضطر مركز الشرطة المحلي لتخصيص شرطيات لمرافقة الأطفال إلى حصص تعليم القرآن.
وفي حادثة أخرى، تقدمت امرأة بيضاء بشكوى ضد جارتها المسنة المسلمة لأنها زرعت كزبرة بدلًا من الورود في حديقتها. وعندما سألتها إن كانت الجارة قد خرقت أي قواعد للإيجار أو تسببت في إزعاج، أجابت بالنفي لكنها أصرت قائلة: “عليها أن تتعلم أن تكون مثلنا. بريطانية.”
وعندما أطلق بوريس جونسون تصريحه المثير للجدل عام 2018، واصفًا النساء المنقبات بـ”صناديق البريد”، تساءلت بعض المسلمات المسنات إن كان يملك مشطًا، وأكدن أنهن على استعداد لإرسال واحد له إذا لم يكن يملكه. وفي نفس عطلة نهاية الأسبوع، كنت أسافر مع مجموعة من النساء عندما سمح لنا رجل بالصعود إلى القطار أولًا. وكانت امرأة ترتدي النقاب آخر من صعد، وحين دخلت عبر الأبواب، قال الرجل ساخرًا: “انتظروا، لقد نسيتِن صندوق البريد.” لقد ظن أنه يمزح، فقط لأنه اقتبس عبارة من رئيس الوزراء السابق.
هذا هو الواقع الذي تواجهه النساء المسلمات: بريطانيا التي يُحكم فيها على نباتاتنا، وملابسنا، ولغاتنا، وحتى وجودنا نفسه.
ومع ذلك، نظل حاضرات كطبيبات، وممرضات، ومعلمات، ورئيسات شركات، وناشطات، وفنانات، ومهندسات، وصحفيات، وعالمات، وأكاديميات، ومستشارات، ومقدمات رعاية، ومنظمات مجتمعية. لأننا نؤمن ببريطانيا التي تثق بأن النساء المسلمات قادرات على تحديد طريقة ظهورنا دون تشكيك، ودون عقاب، ودون محو.
المصدر : Yahoo News
إقرأ أيضًا :
- طالبة تطلق حملة لارتداء الحجاب في حصص الرياضة في المدارس البريطانية
- محكمة العدل الأوروبية تجيز منع ارتداء الحجاب في أماكن العمل
- بعد جدل حظر النقاب: ضياء يوسف يعود لحزب الإصلاح اليميني المتطرف خلال 48 ساعة
الرابط المختصر هنا ⬇