العرب في بريطانيا | تراجع غير مسبوق في جرائم القتل بالعاصمة لندن

1447 جمادى الأولى 4 | 26 أكتوبر 2025

تراجع غير مسبوق في جرائم القتل بالعاصمة لندن

تراجع غير مسبوق في جرائم القتل بالعاصمة لندن
خلود العيط October 16, 2025

في وقتٍ تزدحم فيه وسائل الإعلام البريطانية بصور حوادث الطعن وشجارات العصابات، وتغذّي منصات التواصل الاجتماعي شعورًا عامًّا بأن العنف في ازدياد، تكشف البيانات الرسمية عن حقيقة مغايرة تمامًا: العاصمة لندن تشهد اليوم أدنى مستوى من جرائم القتل منذ أكثر من أربعين عامًا، وربما منذ منتصف القرن الماضي.

فبينما يظن كثيرون أن الجريمة “تخرج عن السيطرة”، تؤكد إحصاءات الشرطة وهيئة الخدمات الصحية البريطانية (NHS) أن معدلات القتل والعنف في انخفاضٍ مطّرد، وأن العاصمة البريطانية أصبحت أكثر أمانًا مما يظن سكانها.

لندن أكثر أمانًا من أي وقت مضى

وتشير البيانات الشهرية التي بدأ نشرها عام 2003 إلى أن عدد جرائم القتل في لندن اليوم هو الأدنى منذ بدء التسجيل الرسمي، إذ لم يتجاوز 90 جريمة خلال عام كامل، مقارنة بـ216 جريمة عام 2003، أي بانخفاض يفوق النصف رغم زيادة عدد السكان بنحو مليونَي نسمة خلال الفترة نفسها.

ويرى محللون أن هذا الانخفاض يمثل إنجازًا كبيرًا في مجال السلامة العامة، ولا سيما في مدينة يبلغ عدد سكانها نحو عشرة ملايين نسمة، وتُعَدّ من أكثر العواصم تنوعًا وكثافة سكانية في أوروبا.

رحلة في أرشيف الجرائم في بريطانيا

لا تعود بداية القصة إلى عام 2003 فقط، بل إلى أكثر من قرن من الزمن، حين كانت الشرطة البريطانية توثّق جرائم القتل يدويًّا في سجلات (MEPO 20) بين عامي 1891 و1966.
وتُظهر مراجعة تلك السجلات أن العاصمة شهدت في منتصف القرن العشرين ما بين 120 و160 جريمة قتل سنويًّا، وهو رقم مشابه للمعدلات الحالية -بل أعلى منها- رغم أن عدد السكان آنذاك كان أقل بكثير.

أما في العقود اللاحقة، فقد سجلت جرائم القتل ارتفاعًا تدريجيًّا خلال السبعينيات والثمانينيات، متأثرة بانتشار المخدرات وتغير البنية الاجتماعية، ثم بلغت ذروتها مطلع الألفية الجديدة، قبل أن تبدأ رحلة التراجع الحاد منذ عام 2012.

وبعد عام 1966، توقفت الشرطة عن حفظ السجلات الورقية، وانتقلت وزارة الداخلية إلى إصدار إحصاءات سنوية مفصّلة تتضمن جميع أشكال “القتل العمد وغير العمد”.
ومن خلال دمج هذه الإحصاءات مع مؤشر جرائم القتل في وزارة الداخلية وبيانات مكتب الإحصاء الوطني (ONS)، يمكن تتبع منحنى الجريمة في لندن منذ أكثر من مئة عام، وهو منحنى يظهر بوضوح أن معدلات القتل في تراجع مستمر منذ بداية القرن الحادي والعشرين.

ورغم هذا التراجع اللافت، لا تزال الصورة الذهنية السائدة في بريطانيا تصوّر العاصمة كمدينة “غارقة في العنف”، وهو ما يعزوه خبراء إلى التركيز الإعلامي على جرائم الطعن والمواجهات الفردية.
لكن بيانات (NHS) عن المصابين بجروح ناتجة عن الطعن تؤكد انخفاضًا حادًّا منذ عام 2018، كما تُظهر نتائج مسح الجريمة في إنجلترا وويلز أن لندن اليوم أقل خطورة من كثير من مناطق البلاد الأخرى.

ويرى مراقبون أن هذا التباين بين الواقع والإدراك الشعبي يغذّي خطابًا سياسيًّا متشددًا يدعو إلى تشديد العقوبات وزيادة السجون، في حين أن الحقائق تشير إلى تحسن طويل الأمد في أمن العاصمة.

ما الذي جعل لندن أكثر أمانًا؟

تعود أسباب هذا التراجع التاريخي في معدلات القتل إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، من أبرزها:
• تطور أدوات التحقيق الجنائي بفضل تحليل الحمض النووي وكاميرات المراقبة والتقنيات الرقمية.
• تحسّن الرعاية الصحية الطارئة التي أنقذت كثيرًا من ضحايا الطعن والإصابات الخطيرة.
• تغير البنية الديموغرافية مع تقلص الفئة العمرية الأكثر تورطًا في الجرائم.
• زيادة مستوى المعيشة والتحضر في مناطق كانت تُعَدّ سابقًا بؤرًا للجريمة.

ويؤكد خبراء أن التقدم في علم الأدلة الجنائية جعل من الصعب على الجناة الإفلات من العدالة، ما أسهم في ردع جرائم القتل والعنف المسلح على حد سواء.

وتشير مراجعة السجلات القديمة إلى أن لندن في القرن السابع عشر كانت واحدة من أخطر مدن أوروبا، إذ كان معدل القتل يفوق المعدل الحالي بنحو عشرين ضعفًا.
أما اليوم، فيبلغ معدل جرائم القتل في العاصمة البريطانية أقل من حالة واحدة لكل مئة ألف نسمة، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ المدينة الحديث، ويضعها ضمن أكثر المدن الكبرى أمانًا في العالم.

ورغم وجود فترات متقطعة من ارتفاع الجريمة، كما حدث عام 2018، فإن الاتجاه العام واضح: القتل في تراجع مستمر، والعاصمة البريطانية تمضي نحو مزيد من الأمان والاستقرار.

ترى منصة العرب في بريطانيا أن هذا التراجع الكبير في معدلات القتل بالعاصمة لندن يستحق أن يُسلّط عليه الضوء بعيدًا عن الخطاب الإعلامي المبالغ في تصوير الجريمة، ولا سيما أن الأرقام الرسمية تعكس نجاحًا ملموسًا في سياسات الأمن والعدالة الجنائية.

وتؤكد المنصة أن من الضروري مواصلة تحليل هذه البيانات بشفافية، مع دعم المبادرات الاجتماعية والتعليمية التي تقلل من دوافع العنف بدلًا من الاكتفاء بالحلول العقابية، منبّهة إلى أن الأمن الحقيقي لا يُقاس بعدد الدوريات أو الكاميرات، بل بمدى شعور المجتمع بالأمان والثقة بعدالة الدولة.

المصدر: Frasernelson


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
8:38 pm, Oct 26, 2025
temperature icon 9°C
overcast clouds
90 %
1004 mb
16 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 8 km
Sunrise 6:43 am
Sunset 4:45 pm

آخر فيديوهات القناة