تحذير طبي : مرض الكلى المزمن في ازدياد والعديد لا يعلمون بإصابتهم

يشكل مرض الكلى المزمن تهديدًا صامتًا على الصحة، إذ لا يدرك 9 من كل 10 أشخاص أنهم مصابون إلا بعد وصول المرض لمراحل متقدمة. فما أسباب هذا الانتشار المتزايد؟ وما العلاجات الجديدة التي تمنح الأمل للمرضى؟

عند بلوغه 37 عامًا، وجد أليكس سيمونز نفسه في غرفة الطوارئ يعاني من تشنجات وصداع نصفي وإحساس بشد في المعدة. وكان سيمونز، مدرب شخصي مقيم في بيتسبرغ، قد شعر بالإرهاق لمدة شهر قبل دخوله المستشفى، لكنه اعتقد أنها مجرد أعراض فيروسية عابرة.

تفاقمت حالته سريعًا حتى لم يعد بالإمكان تجاهل الأعراض، وعند قياس ضغط دمه كان الرقم 260/150، ما صدم الأطباء نظرًا لشبابه ولياقته البدنية الممتازة.

اتضح لاحقًا أن سيمونز كان يعاني من مرض الكلى المزمن المتقدم، الذي تطور بسرعة إلى فشل كلوي. ويقول سيمونز: “بقيت في المستشفى لمدة أسبوعين، وغادرت المستشفى وأنا أجرِي جلسات الغسيل الكلوي”.

مرض الكلى المزمن يتصاعد عالميًا وسط ابتكارات علاجية واعدة للكشف المبكر

يُقدَّر عدد المصابين بمرض الكلى المزمن بنحو 700 مليون شخص حول العالم، منهم 35.5 مليون شخص في الولايات المتحدة، أي ما يمثل 15% من السكان. ومع ذلك، لا يكتشف معظم المرضى إصابتهم إلا في مراحل متقدمة، إذ يوضح سمير باريك، أخصائي أمراض الكلى في مركز يو تي ساوثويسترن الطبي : “لا يوجد ألم في الكلى يصاحب المرض، لذا لا تعرف أنك مصاب”.

وتتصاعد معدلات الإصابة عالميًا، ما يثير القلق نظرًا للعلاقة الوثيقة بين أمراض الكلى وأمراض القلب، المسبب الأول للوفاة عالميًا.

لكن هناك جانب إيجابي: ظهرت مجموعة من العلاجات الحديثة لمعظم أشكال مرض الكلى المزمن، ما يمنح المرضى خيارات فعالة إذا تم اكتشاف المرض مبكرًا. ويقول باريك: “إنها فترة مليئة بالابتكار، ليس فقط للأشكال الشائعة من مرض الكلى المزمن، بل أيضًا لأمراض الكلى ذات الأصول الأقل شيوعًا”.

أسباب مرض الكلى المزمن

تقوم الكلى بترشيح الدم وإزالة السموم والحفاظ على المركبات المفيدة فيه، كما تنظم كمية السوائل في الجسم وتساهم في إنتاج خلايا الدم والسيطرة على ضغط الدم.

ويضيف باريك: “الكلى عبارة عن شبكة من الأوعية الدموية الصغيرة التي تشكل فلاتر مجهرية. المشكلة أن هذه الفلاتر لا يمكن استبدالها، بمعنى أن ‘الفلاتر التي وُلدت بها يجب أن تدوم طوال حياتك'”. وإذا تضررت الأوعية الدموية، تفقد الكلى قدرتها على العمل بشكل صحيح.

تشمل الأسباب الشائعة للضرر : داء السكري، ارتفاع ضغط الدم، السمنة، وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة أو اعتلال كبيبات الكلى IgA (مرض بيرجر). كما يمكن أن تضر بعض الأدوية، مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية ومضادات الحموضة، بالكلى عند الاستخدام الطويل. ويزداد الخطر إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بأمراض الكلى.

ارتفاع معدل الإصابة

يوجد أكثر من 600 مليون شخص حول العالم مصابون بمرض الكلى، بزيادة 90% منذ عام 1990. وتتفاوت نسب الإصابة بحسب الدول، حيث ترتفع في الأماكن التي تعاني من محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية.

وترتبط الزيادة بعدة عوامل، أبرزها انتشار الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري من النوع 2. كما يساهم التعرض للسموم البيئية والإفراط في استخدام بعض الأدوية في ارتفاع معدلات الإصابة. ويشير يوشوايم جانكوفسكي، باحث في جامعة ماستريخت، إلى أن “جزء كبير من الزيادة يفسر بعوامل الخطر، لكن هناك أسباب أخرى غير معروفة”، مضيفًا أن التغير المناخي والفجوات في الرعاية الصحية قد تلعب دورًا أيضًا.

الخطر الصحي للمرض غير المشخص

أكبر خطر صحي مرتبط بمرض الكلى المزمن هو الوفاة بأمراض القلب. ويؤكد براد روفين، أخصائي أمراض الكلى في The Ohio State University Wexner Medical Campus : “المرضى المصابون بمرض الكلى المزمن لديهم خطر متزايد لجميع أشكال أمراض القلب والأوعية الدموية. العلاقة واضحة جدًا”.

ورغم تحسن معدلات الوفاة بأمراض القلب خلال العقود الأخيرة، إلا أن هذه الأمراض لا تزال السبب الأول للوفاة عالميًا، ويرجح الخبراء أن السبب يعود جزئيًا إلى مرض الكلى المزمن غير المشخص. ويضيف جانكوفسكي: “معدل الوفيات القلبية الوعائية لدى السكان لم ينخفض، بل استقر نسبيًا. نعتقد أن أمراض القلب غالبًا ما تكون نتيجة لأمراض الكلى”.

ويأتي ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، وتلف الأعصاب كأعراض شائعة، مع ما يترتب عليها من شعور بالمرض المستمر، كما توضح ستيفاني كورونا، المصابة بـ مرض الكلى المتعدد الكيسات وفي مرحلة الفشل الكلوي النهائي.

وتوضح كاثرين توتل، أخصائية أمراض الكلى في University of Washington Providence Medical Research Center: “الكلى هي مركز التوازن الداخلي للجسم. عندما تتوقف الكلى عن العمل، ينهار كل شيء”.

الكشف المبكر عن مرض الكلى

يُنصح الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر بإجراء فحوصات دورية ومتابعة الحالات الصحية المؤثرة على الكلى.

أهم الفحوص:

• اختبار البول للكشف عن بروتين الألبومين.
• اختبار الدم لقياس الكرياتينين، لتقدير كفاءة ترشيح الدم.

ويؤكد باريك: “لا تخف من معرفة أرقامك. اكتشاف مرض الكلى مبكرًا يحدث فرقًا كبيرًا”.

عصر جديد من الابتكار في علاج الكلى

قبل عقود قليلة، كانت خيارات العلاج محدودة بـ الغسيل الكلوي أو زراعة الكلى. لكن شهدت السنوات الأخيرة طفرة في العلاجات:

• علاج مرض الكلى المتعدد الكيسات الوراثي.
• علاجات موجهة للأمراض المناعية الذاتية التي تضر بالكلى.
• أدوية السكري الحديثة التي تحافظ على وظائف الكلى وتقليل خطر أمراض القلب، مثل GLP-1 receptor agonists (Ozempic و Wegovy) و SGLT2 inhibitors.

ويشير باريك: “ما هو مفيد للكلى مفيد للقلب، والعكس صحيح. يمكن لهذه العلاجات إبطاء تقدم المرض لعقود، وحماية المرضى من الفشل الكلوي النهائي أو الموت الناتج عن النوبات القلبية أو السكتات الدماغية”.

نجا سيمونز بعد حصوله على كلية جديدة من شقيقته، وهو اليوم ناشط في رفع الوعي حول المرض. ونصيحته: متابعة الفحوصات الدورية حتى لو كنت بصحة جيدة. يقول: “احرص على إجراء تحاليلك بشكل منتظم”.

من الضروري تعزيز الوعي الصحي بين الشباب والكبار حول مرض الكلى المزمن، وتشجيعهم على إجراء فحوصات دورية منتظمة خصوصًا لمن لديهم عوامل خطر. يُنصح بالانتباه إلى ضغط الدم، مستويات السكر، وحماية الكلى من الأدوية الضارة عند الاستخدام الطويل.

كما يُعد التعرف على العلاجات الجديدة المتاحة واستشارة الأطباء بشأنها خطوة أساسية للحد من مضاعفات المرض، وتقليل الاعتماد على العلاجات الطارئة مثل الغسيل الكلوي أو زراعة الكلى. الوصول المبكر للمعلومات الطبية الدقيقة هو عنصر حاسم للحفاظ على الصحة وتقليل المخاطر المستقبلية.

المصدر : National Geographic

إقرأ أيضًا :

• تراجع حاد في تأشيرات عمل الممرضين ومقدمي الرعاية الأجانب في بريطانيا
• تحذير عاجل من الصحة الوطنية NHS لكل من يتناول الإيبوبروفين
• رغم الإضرابات.. دعوات للاستمرار في التوجه لخدمات الصحة البريطانية NHS