العرب في بريطانيا | بين الشعارات والواقع.. هل يستطيع ستارمر الاعترا...

1447 جمادى الأولى 5 | 27 أكتوبر 2025

بين الشعارات والواقع.. هل يستطيع ستارمر الاعتراف بفلسطين في ظل آلة الاحتلال؟

ديمة خالد September 20, 2025

من المنتظر أن يعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الاثنين المقبل، اعتراف بريطانيا الرسمي بدولة فلسطين، وذلك خلال مؤتمر دولي رفيع المستوى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

هذه الخطوة التي تصفها أوساط سياسية بأنها “تاريخية” تأتي بعد أكثر من قرن على إصدار لندن لإعلان بلفور عام 1917 الذي مهد الطريق لقيام إسرائيل. ويأمل ستارمر أن يشكل هذا الاعتراف علامة فارقة تُظهر استقلال القرار البريطاني عن الموقف الأمريكي، وتعيد لبريطانيا دورها الرمزي في الملف الفلسطيني.

رمزية الاعتراف وحدود الفعل السياسي

بين الشعارات والواقع.. هل يستطيع ستارمر الاعتراف بفلسطين في ظل آلة الاحتلال؟
كير ستارمر (الأناضول/ Tayfun Salci)

من المؤكد أن اعتراف بريطانيا سيقابل بتصفيق في قاعة الأمم المتحدة، خصوصًا من دول الجنوب العالمي التي طالما استقبلت خطابات لندن ببرود. كما أن الإعلان سيعيد التأكيد على التزام لندن بـ”حل الدولتين” باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

لكن ما وراء التصفيق، تظهر معضلة كبرى: هل لا يزال حل الدولتين ممكنًا؟ كثير من الخبراء والمحللين يرون أن هذا الحل أصبح شبه مستحيل، بعدما مزق الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية بمستوطناته وجدرانه، وحوّل القدس إلى مدينة منقسمة، ودمّر مساحات واسعة من غزة.

فالضفة الغربية، التي لا تتجاوز مساحتها 2200 ميل مربع، تم تقسيمها منذ حرب 1967 إلى مناطق (أ، ب، ج)، أكبرها – وتشكل 60% من المساحة – تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل. أما السلطة الفلسطينية فلا تدير سوى جيوب متقطعة لا ترقى إلى مقومات دولة.

وخلال العقود الماضية، زرعت إسرائيل أكثر من 140 مستوطنة في الضفة الغربية، يسكنها أكثر من نصف مليون مستوطن، ما يجعل أي خريطة لدولة فلسطينية مستقبلية مجزأة ومحصورة بين كتل استيطانية وطرق التفافية.

وتعلن الحكومة الإسرائيلية صراحة أن هدف التوسع الاستيطاني هو منع الدولة الفلسطينية. وقد وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش المصادقة الأخيرة على بناء آلاف الوحدات في منطقة E1 بأنها “خطوة تمحو وهم الدولتين”.

أما القدس الشرقية، التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية، فقد ضُمّت رسميًا لإسرائيل عام 1967، واليوم يسكنها أكثر من 200 ألف مستوطن. ولا أي حكومة إسرائيلية، بغض النظر عن توجهها السياسي، تبدي استعدادًا لتقسيم المدينة.

في المقابل، يرى كثير من الإسرائيليين أن تجربة المفاوضات مع الفلسطينيين لم تجلب السلام. فمنذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، نفذت حركة حماس عمليات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونجحت في فرض انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة عام 2005. كما شاركت فصائل مقاومة أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في شن هجمات وعمليات مقاومة متعددة، اعتبرها الفلسطينيون جزءًا من معركة التحرر الوطني، بينما رآها الإسرائيليون تهديدًا وجوديًا عزز من مخاوفهم الأمنية ورفضهم لأي انسحاب إضافي من الأراضي المحتلة.

اعتراف رمزي وعدوان ممتد

بين الشعارات والواقع.. هل يستطيع ستارمر الاعتراف بفلسطين في ظل آلة الاحتلال؟
العدوان الإسرائيلي على غزة

ويرى دبلوماسيون مثل الأمريكي آرون ديفيد ميلر أن الشروط الأساسية لأي حل – قيادة قوية لدى الطرفين، اتفاق على الهدف النهائي، وسيط دولي فاعل، ودعم عربي موحد – غير متوفرة الآن وربما لن تتوفر في المستقبل المنظور. ومع ذلك، لا يزال البعض يتمسك بخيط الأمل، معتبرين أن بدائل حل الدولتين أسوأ وأكثر خطورة.

لكن الواقع على الأرض يعكس مشهدًا قاتمًا: الضفة محاصرة بالمستوطنات، القدس بعيدة المنال، فيما تعيش غزة على وقع الدمار والتهجير. ويواجه الفلسطينيون يوميًا أشكالًا متعددة من القمع والعنف على يد الاحتلال الإسرائيلي، وسط منظومة قضائية تُظهر انحيازًا صارخًا لصالح المستوطنين. ومؤخرًا، أُطلق سراح مستوطن قتل فلسطيني بدم بارد بعد أن قضى يومًا واحدًا فقط خلف القضبان، في مشهد يلخص حجم التمييز والظلم الذي يعيشه الفلسطينيون.

ما وراء الشعارات

بين الشعارات والواقع.. هل يستطيع ستارمر الاعتراف بفلسطين في ظل آلة الاحتلال؟
العدوان الإسرائيلي على غزة (الأناضول/ Mustafa Hassona)

في هذا السياق، يبدو أن اعتراف ستارمر بفلسطين، مهما كان رمزيًا، لن يغير كثيرًا في موازين الواقع. فآلة الاحتلال الإسرائيلي ماضية في سياساتها، والمجتمع الدولي يكتفي بالشعارات والبيانات.

وبينما سيصفق ممثلو الدول لخطاب بريطانيا في الأمم المتحدة، يبقى السؤال الأعمق: هل تستطيع الرمزية وحدها مواجهة الحقائق الصلبة للاحتلال؟ أم أن مستقبل الأرض المقدسة سيظل مرهونًا بصراع طويل الأمد يتجاوز الشعارات إلى واقع دموي ممتد؟

إن اعتراف بريطانيا المرتقب بدولة فلسطين يمثل خطوة معنوية لها ثقل رمزي، لكنه يظل بعيدًا عن القدرة على تغيير الواقع الميداني الذي تفرضه إسرائيل بقوة السلاح والاستيطان. ورغم أن هذه الخطوة قد تُسهم في إعادة الزخم للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية، فإنها لن تكون كافية ما لم ترافقها ضغوط سياسية واقتصادية حقيقية على الاحتلال لوقف سياساته.

الرمزية مهمة، لكن وحدها لا تصنع دولة.

المصدر: التلغراف


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:35 am, Oct 27, 2025
temperature icon 11°C
scattered clouds
85 %
1002 mb
14 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 40%
Visibility 10 km
Sunrise 6:45 am
Sunset 4:43 pm

آخر فيديوهات القناة