بعد حرب غزة: هل آن أوان تأسيس حركة سياسية إسلامية بريطانية مستقلة؟

منذ قدوم أجيال المسلمين الأولى إلى بريطانيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ارتبطت أصواتهم بالتيار العمالي. فقد ساهموا في إعادة بناء البلاد، من المصانع إلى قطاع الصحة والنقل. ومع ذلك، بدأت علاقة الثقة مع حزب العمال تتصدع منذ حرب العراق عام 2003، حيث وجد المسلمون أنفسهم على خلاف جوهري مع الحزب الذي لطالما دعمهم.
ومع صعود جيرمي كوربن إلى قيادة الحزب، عادت بعض الآمال بفضل مواقفه من فلسطين والعدالة الاجتماعية. غير أن هزيمته في انتخابات 2019 أنهت هذا الحلم سريعًا. وجاء عهد كير ستارمر ليكرّس القطيعة؛ إذ اختار الحزب البراغماتية الباردة على حساب المبادئ، وظهر ذلك بوضوح في الموقف من العدوان على غزة.
تآكل الثقة: من اليسار واليمين على حد سواء

لا يقتصر التهميش على المسلمين من قبل اليمين البريطاني الذي استخدمهم كبش فداء في قضايا الهوية والهجرة، بل امتد أيضًا إلى اليسار. ففي حين يُرحب بمشاركتهم إذا تبنّوا القيم الليبرالية السائدة، يُقصون عند التعبير عن مواقف أكثر تحفظًا اجتماعيًا متصلة بالدين أو الأسرة.
هذه المعادلة ظهرت بوضوح عند إطلاق مبادرة “حزبكم” بقيادة كوربن وزهرة سلطانة، والتي أعلنت صراحة أنه “لا مكان للقيم الاجتماعية المحافظة” في صفوفها، ما اعتبره كثير من المسلمين رسالة إقصاء.
جيل شاب يبحث عن بدائل
اليوم، يشكّل المسلمون نحو 6% من سكان بريطانيا، بمتوسط عمر 29 عامًا، أي أصغر بكثير من المعدل الوطني. هذا جيل وُلد هنا، مندمج في الهوية البريطانية، لكنه أقل استعدادًا للتنازل عن قيمه مقابل ولاءات حزبية تقليدية.
انتخابات 2024 شهدت بروز مبادرة “التصويت المسلم” كمحاولة لبلورة قوة سياسية جماعية. لكنها عانت من ضعف التنظيم والانقسام الداخلي، وبقيت أسيرة تحالفاتها مع اليسار. ومع ذلك، أظهرت هذه التجربة استعداد الجيل الجديد للتحرك السياسي والبحث عن أدوات جديدة للتأثير.
من التمثيل إلى الامتلاك السياسي
ما يطالب به الجيل الجديد لا يقتصر على وجود وجوه مسلمة في البرلمان، بل يتجاوز ذلك إلى امتلاك المشروع السياسي نفسه. الهدف هو بناء حركة نابعة من سياق المسلمين البريطانيين، لا ملحقة بأجندات أخرى.
ويبدو أن الطريق يمر عبر ما يمكن تسميته بـ”البراغماتية الأخلاقية”: أي سياسة تجمع بين الالتزام بالمبادئ الإنسانية الأساسية — العدالة، المساواة، الكرامة — وبين البحث عن حلول عملية لأزمات بريطانيا مثل أزمة المعيشة، انهيار قطاع الصحة، وأزمة المناخ.
وحدة الهدف قبل وحدة الرأي
المطلوب ليس حركة متجانسة في كل تفاصيلها، بل مشروع يجمع تحت سقف واحد قوى مختلفة تتفق على الأولويات الكبرى: العدالة الاقتصادية، الرعاية الصحية الشاملة، المساواة العرقية، والخدمات العامة. فالوحدة هنا تعني التوافق على الأساسيات لا التطابق الكامل في كل المواقف.
التحدي والفرصة
تأسيس حركة سياسية مستقلة للمسلمين البريطانيين لن يكون مهمة سهلة، لكنه ليس مستحيلًا. فكما ساهمت هذه الجالية في بناء بريطانيا الحديثة، يمكنها أن تسهم اليوم في إعادة تشكيل سياستها بما يخدم مصلحة الجميع.
المسار الجديد لا يعني التخلي عن المبادئ التقدمية، بل إعادة صياغتها على أساس رؤية المسلمين البريطانيين وتجربتهم الخاصة، بعيدًا عن إملاءات القوى السياسية التقليدية.
وترى منصة العرب في بريطانيا أن ما يعيشه المسلمون البريطانيون اليوم يمثل لحظة فارقة، قد تفتح الباب أمام ولادة مشروع سياسي جديد. وتؤكد المنصة أن أي حركة مستقلة يجب أن تكون مبنية على العدالة، الشمولية، وخدمة جميع مكونات المجتمع البريطاني، لا أن تتحول إلى مشروع انعزالي أو فئوي.
وتشدد المنصة على أن أزمة غزة كشفت عجز الأحزاب الكبرى عن تمثيل صوت المسلمين بصدق، ما يجعل التفكير في بدائل سياسية أكثر إلحاحًا. ومع ذلك، فإن نجاح أي حركة جديدة سيعتمد على قدرتها على الجمع بين القيم الأخلاقية والفعالية السياسية، وتجاوز الانقسامات الداخلية لبناء مشروع يخدم الصالح العام لكل البريطانيين.
المصدر: eaworldview
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇