بريطانيا تعلن الحرب على مواقع إلكترونية أمريكية تروج لمواد مضرة بالمجتمع

دخلت هيئة الاتصالات البريطانية أوفكوم في مواجهة مفتوحة مع مواقع إلكترونية أمريكية مثيرة للجدل، أبرزها 4chanوKiwifarms، بعد أن أعلنت عزمها تطبيق بنود قانون السلامة على الإنترنت الجديد بحق هذه المواقع، الذي يهدف إلى جعل المملكة المتحدة “أكثر دول العالم أمانًا على الشبكة”.
وفي المقابل، رفعت المواقع الأمريكية دعوى قضائية ضد أوفكوم في المحاكم الأمريكية، متهمة الهيئة البريطانية بمحاولة فرض رقابة غير مشروعة على حرية التعبير للأمريكيين. هذه المواجهة القانونية مرشحة لتتحول إلى اختبار دولي غير مسبوق لقدرة بريطانيا على ضبط الفضاء الرقمي في عصر تتجاوز فيه المنصات حدود الدول وسيادتها.
مواقع مثيرة للجدل.. من الثقافة الرقمية إلى ساحات التطرف
موقع 4chan، الذي وُصف سابقًا بـ”بالوعة الإنترنت”، تأسس عام 2003 على يد المراهق الأمريكي كريستوفر بول، ليكون نسخة باللغة الإنجليزية من منتدى ياباني للأنيمي. وقد اشتهر منذ البداية بسياسة المجهولية الكاملة، حيث لا يُسمح للمستخدمين حتى بإنشاء حسابات، ما فتح الباب أمام نقاشات غير مقيّدة تختلط فيها الشتائم والصور الصادمة مع أحاديث يومية عن الألعاب والموسيقى.
ورغم أنه كان مصدرًا لعدد من الظواهر الثقافية الرقمية مثل صور “lolcats” أو خدعة “rickrolling”، فإن الموقع ارتبط أيضًا بملفات أكثر خطورة. فقد ذُكر اسمه مرارًا كمصدر إلهام لمنفذي عمليات إطلاق نار جماعية في الولايات المتحدة، وكان له دور بارز في الترويج لمؤامرة “بيتزاغيت” التي استهدفت سياسيين ديمقراطيين بارزين. وفي عام 2022، اتهم المدعي العام لولاية نيويورك الموقع بالمساهمة في تطرّف منفذ هجوم بوفالو الذي قتل عشرة أشخاص سود في متجر.
كما وُجهت اتهامات للموقع بانتشار صور جنسية مفبركة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمشاهير مثل تايلور سويفت في بدايات عام 2024. أما موقع Kiwifarms، فهو بدوره اشتهر باستهداف الأفراد عبر حملات مضايقة إلكترونية ممنهجة، ما جعله محط انتقادات حقوقية متكررة.
أوفكوم تتحرك.. وغرامات تهدد بالتصعيد
بموجب قانون السلامة على الإنترنت، تفرض أوفكوم على جميع المنصات التي تستهدف أو تصل إلى مستخدمين بريطانيين، حتى وإن كانت أجنبية، التزامات صارمة بتقييم المخاطر المرتبطة بالمحتوى غير القانوني.
لكن 4chan رفض التعاون مع الهيئة وتجاهل طلباتها، ما دفع أوفكوم إلى فتح تحقيق رسمي في يونيو الماضي. وأبلغت الموقع هذا الشهر أنه يواجه غرامة تصل إلى 20 ألف باوند بالإضافة إلى غرامة يومية قدرها 100 باوند في حال استمرار رفضه الامتثال.
محامي الموقع، بريستون بيرن، أكد أن الشركة لن تدفع الغرامات، معتبرًا أن أوفكوم لا تملك أي سلطة قانونية خارج حدود بريطانيا، وأضاف ساخرًا: “لقد خضنا حربًا مع المملكة المتحدة حول هذه المسألة تحديدًا: حرية الأمريكيين في التعبير دون تدخل البرلمان البريطاني. ولن نسمح لهم بفرض سلطتهم اليوم”.
تداعيات سياسية ودبلوماسية
القضية مرشحة لأن تتحول إلى أزمة دبلوماسية بين لندن وواشنطن. فإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبّرت مرارًا عن رفضها لأي تدخل خارجي في شؤون الشركات الأمريكية، ويقول محامي 4chan إن مسؤولين من الإدارة تواصلوا بالفعل معه طلبًا للمعلومات حول القضية.
وفي حال قررت أوفكوم التصعيد وفرض “إجراءات تعطيل الأعمال” عبر مطالبة مزوّدي الإنترنت البريطانيين بحجب الموقع، فقد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة رقابة مباشرة على حرية الإنترنت، ما سيضع الحكومة البريطانية في مواجهة انتقادات دولية وداخلية على حد سواء. أما التراجع عن الحجب فسيضعف صورة المملكة المتحدة كدولة قادرة على فرض قوانينها الرقمية الجديدة.
والمواجهة الحالية بين أوفكوم وهذه المواقع ليست مجرد خلاف قانوني، بل صراع على مستقبل الإنترنت بين مقاربة بريطانية تسعى إلى فرض معايير صارمة لحماية المجتمع من المحتوى الضار، ومقاربة أمريكية تتمسك بحرية التعبير المطلقة حتى لو كان الثمن انتشار خطاب الكراهية والتطرف.
وبينما لا يمكن إنكار خطورة ما تحتويه بعض هذه المنصات من مواد مضرة، يظل التحدي الحقيقي في إيجاد توازن بين حماية المستخدمين والحفاظ على الحريات الرقمية. وإذا لم تُدار هذه الأزمة بحكمة، فقد تتحول إلى سابقة خطيرة تفتح الباب أمام مزيد من الصدامات بين الدول وشركات التكنولوجيا العابرة للحدود.
المصدر: التلغراف
اقرأ أيضًا
الرابط المختصر هنا ⬇