العرب في بريطانيا | بريطانيا تعترف بالدولة الفلسطينية: رمزية تاريخي...

1447 ربيع الثاني 2 | 25 سبتمبر 2025

بريطانيا تعترف بالدولة الفلسطينية: رمزية تاريخية.. وفرصة للمساءلة

مقالArtboard-2-copy-4_2 (7)
عدنان حميدان September 21, 2025

إعلان بريطانيا اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية لحظة تاريخية ذات حمولة رمزية ثقيلة. الدولة التي أصدرت وعد بلفور قبل أكثر من مئة عام، وكانت شريكًا في ولادة مأساة شعبنا، تتقدم اليوم خطوة تعترف فيها بحق الفلسطينيين في دولةٍ ذات سيادة. لا يغيّر هذا الاعتراف الماضي، ولا يمحو الجراح المتراكمة؛ لكنه يقرأ كصفعة معنوية للاحتلال وكسقوط جزئي لستار الصمت الذي لفّ مساحات دولية واسعة طوال عقود.

يجب أن نكون واضحين: هذه ليست نهاية المطاف ولا بديلاً عن المقاومة أو عن نضالنا اليومي. لكنها ليست أيضًا مجرد طقوس دبلوماسية بلا أثر. الاعتراف البريطاني يحمل أبعادًا رمزية وسياسية وقانونية يمكن استثمارها لصالح غزة وفلسطين، إذا ما رُفِقَ بخطوات عملية وحازمة. وإلا فإنه سيبقى فعلاً ناقصًا، مخلّدًا في بيانات العواصم، بلا أثر على أرض الواقع حيث يستمر الحصار والقصف والإبادة.

هناك حقيقة مقلقة لا يمكن تجاهلها: الغرب غالبًا ما يستخدم هذه الخطوات الرمزية لتلطيف صورته وللتملّص من مسؤوليات أعمق. اعتراف بريطانيا يأتي في مشهد دولي يراوغ؛ دول تزود الاحتلال بالسلاح والغطاء السياسي، ثم ترفع لواءً دبلوماسيًا يَظهرها كفاعل إنساني. هذه المحاولة للتبرؤ من الدور في تمكين الإبادة لا تلغي حاجة الفلسطينيين إلى عدالة فعلية، ولا تخفف من واجبنا في كشف هذا التحيّل السياسي.

ومع ذلك، لا يجوز لنا أن نُسقط من الحساب ما فتحه الاعتراف من آفاق جديدة. أولًا، أعاد القرار فلسطين إلى مركز الاهتمام الدولي، وحرج الكثير من الحكومات التي طالما اختارت الصمت أو التواطؤ. ثانيًا، منح هذا الاعتراف أرضية دبلوماسية وقانونية أقوى للفلسطينيين في المحافل الدولية، وفتح الباب أمام تسريع ملفات المساءلة أمام مؤسسات قضائية دولية. ثالثًا، ولعلّه الأهم سياسيًا وعمليًا: هذا الاعتراف يزيد من تكلفة الإفلات من العقاب بالنسبة لمرتكبي الجرائم ويضع ضغوطًا فعلية على شبكات الدعم الدولية للاحتلال.

ومن الزوايا العملية التي لا يمكن التغاضي عنها: يفتح الاعتراف البريطاني بابًا لمساءلة وإجراءات قانونية وسياسية تجاه من يشاركوا في العدوان على شعبنا. مشاركة مواطن بريطاني في قوةٍ تقاتل ضد شعبٍ اعترفت حكومته بدولته تُحوِّل تلك المشاركة، من زاوية سياسية وقانونية، إلى موضوع ذا حساسية خاصة؛ فحديث الاستعراضات القومية أو “التطوع” لا يعفي أحدًا من مسؤولية ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. الاعتراف يعطي ذريعة سياسية وقانونية لمطالبة السلطات بفحص وملاحقة حالات الانخراط التي يُثبت أنها ساهمت في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين. هذا لا يعني مطاردة كل إنسان انخرط في قتال، بل يعني فتح آليات تحقيق ومحاكمات حيث تتوفر أدلة على جرائم، وقطع المسارات التي سمحت بإفلات المجرمين من المساءلة.

إذا أردنا أن يجعل هذا القرار فرقًا حقيقيًا في حياة الناس في غزة، فعلى الحكومة البريطانية أن تصاحب اعترافها بسلسلة إجراءات عملية وواضحة: حظر فوري لتصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، تجميد أو مراجعة اتفاقات التعاون الأمني والاستخباري التي تقوّي آلة الاحتلال، دعم تحقيقات دولية مستقلة في جرائم الحرب، وتوفير حماية إنسانية عاجلة لكسر الحصار والسماح بدخول الإغاثة والدواء والطعام. كما يجب دعم ملف اللاجئين والحق في العودة أو التعويض كجزء لا يتجزأ من أي حل عادل.

نحن فيما بين غواية الرموز ومرارة الحقائق. نرحب باعتراف بريطانيا ونقرّ بحسناته، لكننا نرفض أن يكون الاعتراف بطاقة لإخفاء تورّط أو تفريط. الاعتراف وسيلة، لا غاية؛ وأي غايةٍ لا تنتهي بتحرير الأرض وعودة الكرامة ووقف الإبادة ستبقى ناقصة وخادعة.

أدعو كل من يؤمن بالعدالة أن يطالِبَ الحكومة البريطانية بترجمة كلماتها إلى أفعالٍ تضع نهاية لآلية الإفلات من العقاب، وأن يعمَلَ المجتمع الدولي على تحويل هذا الاعتراف إلى زلزالٍ دبلوماسي يطيح بمنظومة الحماية التي اعتادت عليها إسرائيل. حتى يتحقق ذلك لا نهدأ ولا نغمض أعيننا عن القصف والقتل والتشريد. الاعتراف خطوةٌ مهمة — فلا نُضيّعها، ولا نكتفي بها وحدها.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
2:41 am, Sep 25, 2025
temperature icon 10°C
overcast clouds
78 %
1025 mb
5 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 88%
Visibility 10 km
Sunrise 6:51 am
Sunset 6:52 pm

آخر فيديوهات القناة