العرب في بريطانيا | بأخلاقنا وقوة إرادتنا نواجه العنصرية ونبني مكانتنا

1447 جمادى الأولى 25 | 16 نوفمبر 2025

بأخلاقنا وقوة إرادتنا نواجه العنصرية ونبني مكانتنا

بأخلاقنا وقوة إرادتنا نواجه العنصرية ونبني مكانتنا
ريم العتيبي September 13, 2025

بريطانيا تُعد من أكثر الدول تنوعًا في العالم، إذ يعيش فيها ملايين الأشخاص من خلفيات دينية وثقافية وعرقية مختلفة. هذا التنوع الغني منحها هُوية متعددة الثقافات، لكنه في الوقت نفسه أبرز بعض المشكلات، ومنها العنصرية والإسلاموفوبيا.

العنصرية منبوذة وغير مقبولة في أي مكان وزمان، فقد يُنظَر إلى المسلم وكأنه غريب لأنه فقط يحمل اسمًا عربيًّا أو يمتلك عينَين سوداوَين وبشرة داكنة أو ترتدي زوجته الحجاب، هذا الخوف المصطنع لا يضر المسلمين وحدهم في بريطانيا، بل يؤثر على قيم العدالة والتعايش التي يُفترَض أن تكون من أساسيات المجتمع البريطاني.

جزء من المشكلة يأتي من الإعلام المضلل الذي يربط الإسلام للأسف بالعنف أو التشدد؛ فينشأ حاجز نفسي يجعل بعض الناس يخاف من المسلم قبل أن يتعرف إليه عن قرب، كذلك قد تُستغَل الرموز الوطنية لإذكاء هذه المخاوف.

ومنها رمزية علم سانت جورج الذي وجدته بعد عودتي من السفر بكثرة في أغلب شوارع الحي الذي أسكن فيه، وما لفت انتباهي بشدة أنه لماذا وضع في هذا الوقت بالذات؟!

تفاصيل خروج عشرات الآلاف في مظاهرة ضد العنصرية في لندن

فخلال السنوات الأخيرة برز علم سانت جورج على نحو متزايد في المناسبات الرياضية والوطنية. بالنسبة لكثير من البريطانيين هو مجرد رمز للفخر الوطني والهُوية الثقافية، وهذا حق مشروع، لكن في بعض الحالات استغلت جماعات متطرفة هذا العلم لبث رسائل استفزازية ضد المهاجرين والأقليات. وهنا تكمن الإشكالية، فلا مشكلة في العلم ذاته بل في المعاني التي يحاول بعض الناس إلصاقها به. من المهم التمييز بين الاعتزاز بالهُوية الوطنية المشروعة وبين تحويل الرموز إلى أدوات للعنصرية، وهذا ما يثير الحزن ويؤدي إلى المواجهة.

والمواجهة لا تكون بالصدام أو الانغلاق، بل ببناء الجسور والانفتاح على الآخر مع المحافظة على القيم، فالمسلم هو جار وزميل وطبيب ومعلم. وحين يعيش الناس تجربة مباشرة مع المسلمين تسقط الصور النمطية، وتسقط الأقنعة، وهذا ما حدث فعليًّا مع الكثيرين، فبعد عدة مواقف يصبح المسلم من أقرب المقربين لذاك الذي كان يظنه عدوًّا أو جاهلًا. يجب علينا إبراز محاسن ديننا لا ضعفًا بل قوة وانتصارًا، فالتطوع -مثلًا- في الأعمال الإنسانية يفتح القلوب، ويظهر القيم الإسلامية الحقيقية القائمة على الرحمة.

بادر إلى مساعدة جارك الكفيف ولك أجران: الأول لأنه كفيف وبحاجة للمساعدة، والثاني لأنك تبرز محاسن دينك الحنيف. تنازل عن دورك في طابور معاملة أو ساعد شخصًا كبيرًا في السن على التسوق؛ تطبيقًا لدين الرحمة. تنازل عن مقعدك في الحافلة لسيدة تحمل طفلها أو لمسنة أنهكها التعب. تعامل بلطف؛ فأنت سفير لهذا الدين الذي ظلمه التضليل الإعلامي، لتكن أنت المصحح والمغير. حاور بأدب وعلم وثبات وقوة.

علينا أن نروي قصصنا بأنفسنا بلغة قريبة من القلب بدل أن يُروى عنا بغير حق وبظلم وأحكام خاطئة. علينا أن ننشر المعرفة بشأن الإسلام في المدارس والجامعات بوصفه ثقافة وحضارة حتى نبيّن للعالم حقيقة الإسلام. وينبغي أن نعلم أن القانون البريطاني يحمي الأفراد من التمييز، واستخدام هذا الحق يعزز مكانة المسلمين بوصفهم مواطنين كاملي الحقوق.

بريطانيا تتوحد ضد العنصرية

رغم الصعوبات لا يمكن تجاهل أن بريطانيا تمتلك قوانين صارمة لمناهضة التمييز، وتحث على التنوع والاندماج؛ فالجامعات تحتضن طلابًا من كل الجنسيات، والشركات الكبرى تعزز مشاركة الأقليات، كما أن هناك حركات شعبية واسعة ترفض العنصرية وتدافع عن المهاجرين، أضف إلى ذلك أن الجنسية قد تُمنَح لك بعد العيش فيها خمس سنوات، لكننا لا نستطيع الحصول على هذا الحق ولو عشنا مئة سنة في بعض بلداننا العربية.

لم نجد في حرب غزة أكثر من شوارع لندن احتواءً لمظاهراتنا، وأنا لا أكتب هذا دفاعًا وتملّقًا، ولكني أكتب ما يمليه علي ضميري. لا تبالغوا في الخوف فيتمكنَ الخوف منكم، وترسّخوا الإسلاموفوبيا -بدل إزالتها- وتجعلوا تلك الفئة القليلة هي المنتصرة علينا.

الإسلاموفوبيا والعنصرية لن تزولا بين عشية وضحاها، لكن كل خطوة صغيرة نخطوها بابتسامة، أو مبادرة أو كلمة طيبة تعيننا على تحقيق الكثير. علينا أن نفكر دائمًا بأننا سفراء للإسلام، ونطبق تعاليم الإسلام كما حثنا عليها ديننا الحنيف بكل أدب وقوة وصدق وثبات. يمكن لنا بأفعالنا أن نغير أفكارًا عند بعض الجهلاء بنا، ومع الوقت يتحول الخوف إلى احترام والشك إلى ثقة.

بريطانيا ليست مجرد بلد يتسع للجميع، بل يمكن أن تكون نموذجًا للتعايش إذا فهم كل طرف أن التنوع ليس تهديدًا بل فرصة لبناء مجتمع أكثر قوة وعدلًا وإنسانية، حينها سننتصر بقوة.

اللهم ارزقنا قلوبًا نقية ترى في التنوع نعمة وفي الاختلاف رحمة.

اجعلنا يا رب قدوة حسنة قوية ثابتة، وانصرنا على من عادانا، واجعلنا سفراء لدينك القائم على الرحمة والعدل دائمًا
يا رب العالمين.


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة