انتصار الثورة السورية من منظور نفسي عصبي بعد عام مع د. نهى إدريس
جاء هذا البث المباشر في الذكرى الأولى لانتصار الثورة السورية ليقدّم قراءة نفسية عميقة للحظة تاريخية غير اعتيادية، لحظة لم تكن مجرد فرح، بل امتزجت فيها مشاعر متناقضة عاشها السوريون داخل سوريا وفي المهجر.
بدأت الحلقة بتأكيد الدكتورة نهى أن السوري عاش لعقود طويلة في حالة كبت وخوف مزمن، وأن العقل الباطني اضطر للتكيّف مع الألم والنجاة والبقاء، وهو ما جعل لحظة الانتصار تأتي سريعة وغريبة على جهاز عصبي لم يعتد الأمان.
وخلال الحوار، أوضحت الدكتورة نهى إدريس أن الدماغ الذي عاش سنوات طويلة في وضع “الخطر المستمر” لا يستطيع الانتقال فورًا إلى الإحساس بالأمان؛ لذلك تظهر مشاعر متباينة بين الفرح والحزن والفراغ وحتى الذنب. هذه التناقضات -بحسَب التفسير النفسي العصبي- ليست خللًا ولا ضعفًا، بل استجابة طبيعية لسنوات من الصدمة، إذ يختلف الناس في طريقة معالجة أدمغتهم للتجربة تبعًا لشدة الألم وامتداده الزمني.
كما تطرّق النقاش إلى مفهوم الذاكرة الجمعية، وهي الذاكرة العاطفية المشتركة التي تحملها الشعوب التي عاشت حروبًا طويلة. وبيّنت الضيفة أن المناسبات الوطنية، مثل ذكرى الانتصار، قد تُفعّل هذه الذاكرة بقوة؛ فتعود مشاهد الفقد والقمع والخوف إلى السطح، وأحيانًا تفتح جروحًا نفسية قديمة بدل أن تغلقها. وأكّدت أن هذا التفاعل لا يعني رفض الانتصار، بل يعكس عمق التجربة الإنسانية التي مرّ بها السوريون، وأن لكل فرد من المجتمع تجربته التي عاشها وعلينا عمومًا فهم مختلف التجارب وتقبلها، وسماع الأفراد ودعمهم وتقبلهم وإدخال العلاج النفسي إذا كان الحزن مُقعِدًا.
وسلطت مروة الضوء على أن الصدمات السورية لم تبدأ فقط مع حكم بشار الأسد، بل تعود إلى عهد حافظ الأسد، مشيرة إلى ما تعرضت له مدن سورية مثل حماة من قمع وظلم تركا أثرًا نفسيًّا عابرًا للأجيال. هذا الامتداد الزمني للصدمة يفسر لماذا لا يستطيع بعض السوريين الاحتفال بسهولة، ولماذا يحتاج الشعور بالأمان إلى وقت أطول.
وفيما يخص السوريين في المهجر، ناقش البث التحولات النفسية في الهُوية والانتماء بعد الانتصار، حيث يظهر صراع داخلي بين الرغبة في العودة والشعور بالواجب تجاه الوطن، وبين الاستقرار الذي بُني في الخارج. وأشارت الدكتورة نهى إلى وجود فروقات واضحة بين الأجيال السورية في المهجر، ولا سيما بين من عاش الصدمة مباشرة ومن وُلد بعدها، وكيف ينعكس ذلك على الإحساس بالانتماء والفرح الوطني، وأن الانتماء لا يكون عند الجميع بالطريقة نفسها؛ لأن لكل منا تجربته التي عاشها، فبعضنا كان الانتماء للوطن بالنسبة إليه شعورًا غير مقبول ومحبب، وبعد الانتصار كان صعبًا تقبُّلُه مقارنة ببعض الفئات التي شعرت أن الانتماء موجود لا محالة.
وتناول الحوار مسألة الشفاء النفسي الجمعي، وأكد أن الانتصار لا يعني الشفاء التلقائي، بل قد يكون بداية لمرحلة الاعتراف بالألم. وحذّرت الضيفة من خطورة تجاهل الألم والتركيز على المستقبل فقط؛ لأن إنكار الألم قد يؤدي إلى ترسيخ الصدمة بدل معالجتها. الشفاء -كما تبيّن- يبدأ بالسماح للمشاعر بالظهور، وبإيجاد مساحات آمنة للحديث والدعم.
كما ناقش البث دور مختصي الصحة النفسية في المرحلة القادمة، وأهمية تقديم دعم حقيقي بعيدًا عن التقليل من شأن المعاناة أو فرض التفاؤل القسري. وتطرق إلى الفرق بين الدعم النفسي المسؤول وخطاب “الإيجابية السامة”، مع التأكيد على أن المحتوى النفسي والإعلامي يمكن أن يكون عنصر دعم وتوعية، لكنه لا يغني عن العلاج المتخصص عند الحاجة.
وفي جزء مهم من الحديث، تطرّق الحوار إلى الأطفال والطريقة المثلى لبيان ما حدث لهم بلغة تحميهم من الخوف والصدمة، وكان جواب الدكتورة نهى سريعًا، إذ قالت: إن الأهالي عليهم مسؤولية في عدم نقل أعباء الصدمات غير المعالَجة إلى الجيل القادم، وبناء إحساس بالأمان بدل الخوف.
واختُتم البث برسالة مؤثرة من الدكتورة نهى إدريس إلى الشعب السوري، أكدت فيها أن كل المشاعر التي تظهر في هذه اللحظة مباحة ومشروعة، وأن الشعب السوري يستحق الفرح، ويستحق أن يُخلّد ذكرى انتصار ثورته دون شعور بالذنب. كما نبّهت على أن من يشعر بحزن مُقعِد أو بثقل يمنعه من الإحساس بالفرح والانتماء، من المهم أن يسارع إلى طلب الدعم والعلاج لدى مختصين، حتى يتمكن من التحرر من القيود النفسية، ويعيش فرح بلده وانتماءه إليه بوعي وسلام.
اقرأ أيضًا:
- في ذكرى التحرير.. مجد حماة ووجعُ الفِراق
- سوريو بريطانيا يدعون لاحتفالية كبرى في ذكرى انتصار الثورة
- من أجل حرية الأسرى… 100 ألف يهتفون لفلسطين في شوارع لندن
الرابط المختصر هنا ⬇
