العرب في بريطانيا | «الوهم العقاري».. كيف يخدع البريطانيون أنفسهم ب...

1447 جمادى الثانية 15 | 06 ديسمبر 2025

«الوهم العقاري».. كيف يخدع البريطانيون أنفسهم بشأن قيمة منازلهم؟

دراسة: هل العقار في بريطانيا استثمار أم مخاطرة؟
ديمة خالد October 23, 2025

يشهد سوق العقارات البريطانية اضطرابًا متزايدًا، وسط تصاعد ظاهرة طرح المنازل بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، ما يدفع البائعين في نهاية المطاف إلى خفض الأسعار بشكل حاد أو ترك منازلهم عالقة في السوق لأشهر دون مشترين.

قصة أليكس ماكورميك من جنوب لندن تلخص هذا المشهد. فبعد أن عرضت شقتها المكونة من غرفتين في حي إيست دولويتش بسعر 625 ألف باوند، أملاً في الانتقال إلى وينشستر، لم تتلق سوى عدد محدود من من المهتمين بشراء المنزل، لكن لم يتقدم أحد منهم بعرض شراء. وبعد ثلاثة أشهر اضطرت إلى تبديل وكيلها العقاري وخفض السعر بمقدار 50 ألف باوند. تقول ماكورميك بأسف: «ليتني أجريت تلك المحادثة الصريحة منذ البداية لتحديد قيمة واقعية».

طفرة في المنازل المبالغ في أسعارها

«الوهم العقاري».. كيف يخدع البريطانيون أنفسهم بشأن قيمة منازلهم؟

وبحسب بيانات مؤسسة LonRes، ارتفع عدد المنازل التي طُرحت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية واضطر أصحابها لتخفيضها بنسبة 44% في لندن هذا العام، وهي النسبة الأعلى منذ بدء رصد البيانات عام 2000. وأظهرت أبحاث شركة Savills أن أسعار العقارات الفاخرة تراجعت 4% في وسط لندن و3% في المناطق الإقليمية. أما على مستوى البلاد، فتشير تقارير Hamptons إلى أن عدد المنازل التي بيعت بخسارة هو الأعلى منذ عام 2018.

ولم يعد تصحيح السعر رفاهية؛ فالمنازل التي خُفضت أسعارها تستغرق نحو 64 يومًا إضافيًا للبيع مقارنة بتلك التي حُددت أسعارها بدقة منذ البداية. ويقول المحلل العقاري ديفيد فيل من «هامبتونز» إن المنازل التي يُخفض سعرها «غالبًا ما تكون هي التي لا تُباع إطلاقًا».

«الوهم العقاري».. قناعة نفسية جماعية

ورغم وضوح المؤشرات، يتمسك كثير من البريطانيين بقناعة راسخة بأن قيمة العقارات لا تنخفض أبدًا، وهي فكرة متجذرة في الثقافة الاقتصادية والاجتماعية البريطانية. غير أن هذه القناعة باتت اليوم أكبر عائق أمام إتمام المبيعات.

يقول فيليب هارفي من وكالة «Property Vision» إن البائعين لا يزالون يتصرفون بعقلية ما قبل الأزمة، معتقدين أن طرح السعر الأعلى يمنحهم مساحة تفاوض أفضل. «لكن في السوق الحالية، التسعير المبالغ فيه يعني غالبًا عدم تلقي أي عرض على الإطلاق»، يضيف هارفي.

ومع تراجع عدد المشترين الجادين إلى أربعة فقط مقابل كل منزل جديد في السوق، مقارنة بعشرة خلال ذروة الطلب في عام 2021، بات ميزان القوة يميل بوضوح لصالح المشتري، الذي أصبح أكثر حذرًا وأقل استعدادًا للتفاوض بعد أي خفض في الأسعار.

خسارة غير معترف بها

«الوهم العقاري».. كيف يخدع البريطانيون أنفسهم بشأن قيمة منازلهم؟
(Unsplash)

تُظهر الأبحاث أن ما يسمى بـ«نفور الخسارة» هو العامل النفسي الأكثر تأثيرًا في السوق. فوفق دراسة من جامعة بوسطن، يرفع البائعون الذين يخشون بيع منازلهم بخسارة الأسعار المطلوبة بنسبة تتراوح بين 25 و35% عن قيمتها الواقعية.
ويشرح رواري سكاريسبريك من «Property Vision»: «كل بائع يعتقد أن منزله أغلى من غيره في الشارع نفسه، ولا أحد يرى أن بيته هو الأرخص».

وتُظهر بيانات «سافيلز» أن أسعار العقارات الفاخرة في وسط لندن انخفضت بنحو 22% منذ 2014، ومع ذلك لا يزال كثير من الملاك يرفضون الاعتراف بالخسارة. حتى أولئك الذين جنوا أرباحًا في السابق يقيسون قيمة منازلهم على الأسعار التي بلغت ذروتها قبل سنوات، لا على واقع السوق الحالي.

دور الوكلاء العقاريين

ويحذر خبراء من أن بعض وكلاء العقارات يستغلون هذه التوجهات النفسية لخداع العملاء وتضخيم تقييمات المنازل لجذب ملّاك المنازل.

وفي المقابل، بدأ عدد من الوكلاء المحترفين برفض إدراج المنازل ما لم يلتزم أصحابها بتسعير واقعي. ويقول ستيوارت بيلي من شركة «نايت فرانك» إن عدد العملاء الذين رفض التعامل معهم لهذا السبب تضاعف خلال العام الماضي.

دروس من السوق

ورغم حالة الركود العام، لا تزال بعض المناطق تسجل أداءً قويًا مثل مدينة ريكسهام، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 7% خلال العام حتى يوليو الماضي. ومع ذلك، يؤكد البائعون هناك أن التسعير المعتدل هو الذي يحقق أسرع المبيعات. أحد المنازل في المنطقة طُرح بسعر 235 ألف باوند، وبيع خلال أسبوع بـ253 ألفًا بعد 17 زيارة فقط.

يقول أحد البائعين المحليين: «حتى في سوق نشطة مثل ريكسهام، المبالغة في السعر تجعل الناس يبتعدون».

نصائح لتفادي فخ “الوهم العقاري”

«الوهم العقاري».. كيف يخدع البريطانيون أنفسهم بشأن قيمة منازلهم؟
المنازل (Unsplash)

وينصح الخبراء البائعين بإجراء بحث دقيق قبل طرح العقار في السوق، ومقارنة الأسعار الفعلية للعقارات المماثلة خلال العامين الماضيين. كما يُفضل استشارة أكثر من وكيل عقاري ومطالبتهم بتبرير تقييماتهم بالأرقام لا بالوعود.

ويؤكد خبير التقييم جيرالد فيتزجيرالد أن على البائعين التركيز على عوامل واقعية مثل المساحة والموقع وجودة المدارس المحلية، مع احتساب تكلفة التجديدات المحتملة بدقة، بدلًا من الانجرار وراء التوقعات العاطفية.

أما آيشا أوفوري، وهي مستثمرة عقارية منذ 12 عامًا، فتنصح بعدم الكشف عن معلومات حساسة مثل ضيق الوقت أو الحاجة الملحّة للبيع، لأنها تمنح المشتري قوة تفاوضية إضافية.

بالنسبة إلى أليكس ماكورميك، كلفها التسعير المبالغ فيه أكثر مما كانت تتوقع. فبعد أن ربطت خططها بالانتقال إلى وينشستر بناءً على تقييم وكيلها المتفائل، وجدت نفسها مضطرة للتراجع بعد خفض السعر. تقول: «اضطررنا إلى التخلي عن خططنا لمغادرة لندن، وكان ذلك مؤلمًا».

وماحدث مع ماكورميك ليست استثناءً، بل مثال صارخ على ما يسميه الخبراء «الوهم العقاري» — ذلك الإيمان الأعمى بأن قيمة المنزل لا يمكن أن تنخفض. غير أن واقع السوق البريطاني اليوم يثبت أن هذا الوهم قد يكون مكلفًا، وأن التمسك به يعني ببساطة خسارة الوقت والمال معًا.

المصدر: ft


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة