العرب في بريطانيا | المقاطعة سلاح الشعوب في وجه الاحتلال والتطبيع

1447 محرم 15 | 11 يوليو 2025

المقاطعة سلاح الشعوب في وجه الاحتلال والتطبيع

ريمArtboard 2 copy

في زمن تتسارع فيه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتزداد فيه محاولات تزييف الوعي وتمييع المواقف، تبرز المقاطعة بوصفها أداة مركزية في معركة التحرر لا تقل شأنًا عن الكفاح السياسي والمقاومة الميدانية.

إن دعم القضية الفلسطينية لم يَعُد خيارًا أخلاقيًّا فقط، بل صار واجبًا وطنيًّا وإنسانيًّا، ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل حر. 

من المهم أن ندرك أن فلسطين ليست مجرد ملف سياسي أو فقرة عابرة في نشرات الأخبار، إنها وطن له تاريخ عريق قبل النكبة وقبل الاحتلال، وقبل تحويله إلى قضية تتفاوض عليها الأنظمة.

حين نقول فلسطين قبل القضية فنحن نعيدها إلى جذورها التاريخية والدينية والإنسانية، لا بوصفها أرضًا متنازعًا عليها فقط، بل بوصفها وطنًا محتلًّا لا يسقط حقه بالتقادم. 

ندوة عرب بريطانيا: البرلمان لم يمنع المقاطعة الشعبية للاحتلال

الاحتلال لم يكتفِ باغتصاب الأرض وتشريد سكانها الأصليين، بل سعى إلى أسر العقول وتشويه الوعي برواياته المزيفة عبر التكنولوجيا والمراقبة والإعلام والتعليم، وحتى في السجون الحديثة يحاول العدو تكريس الهزيمة داخل النفوس. هذا ما عبر عنه الأسير الشهيد وليد دقة حين تحدث عن السجون بوصفها وسيلة لصهر الذات، لذلك فإن مناهضة التطبيع هي قبل كل شيء معركة على وعي الأمة، فإما أن نستيقظ، وإما أن نبقى في سجن أعمق وأبشع من مجرد وجودنا خلف القضبان. 

كلنا نعلم أن التطبيع ليس القبول بالعدو فقط، بل تزيين صورته أيضًا. 

التطبيع بكل أشكاله -السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي- ليس سلوكًا عابرًا، بل جريمة تطعن نضال الشعب الفلسطيني في خاصرته. عندما يستضيف إعلامي عربي ممثلًا عن الاحتلال، أو يشارك فنان في مهرجان برعاية صهيونية، أو توقع جامعة عربية على اتفاقية تعاون مع جامعة في تل أبيب، فإن ذلك ليس مجرد تواصل أكاديمي أو ثقافي، بل خيانة مباشرة وعار. 

أخطر ما في التطبيع أنه يُضعف الذاكرة الجمعية، ويفرض العدو بوصفه شريكًا، ويسعى لإعادة صياغة الوعي ليجعل المجرم جارًا وصديقًا. إن المقاطعة هي الحد الأدنى من الكرامة، وأقصى درجات التأثير في هذا الزمان. 

مطالبات حركات المقاطعة هي مطالب لسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وليست مقاطعة لمنتج أو شركة فقط، بل فعل مقاوم يومي يعزل الاحتلال، ويجرده من شرعيته الاقتصادية والسياسية. 

تجربتي مع المقاطعة لكن مع الدعوات الأخيرة إلى تفعيل سلاح المقاطعة، عزمت على تثقيف نفسي واتباع وسائل البحث والتحري لبضع دقائق، ولا أعتبره قرارًا صعبًا البتة، ولا أقول إنني ترددت ولو للحظة واحدة باللحاق بقافلة أصحاب المبدأ "المقاطعين". ولا أخفيكم سرًّا أنه قد راودتني نفسي لبعض أجزاء من الدقيقة، وقالت لي كيف: ستحصلين على بدائل لبعض المنتجات، ولا سيما أن معظم البضائع المعروفة قد قرر أصحابها -مختارين- الانضمام إلى قائمة المنتجات المقاطعة؟! وهنا سوف تصبح عملية البحث والتقصي أكثر تعقيدًا وتستهلك زمنًا طويلًا، فمن ناحية حسابية زمنية سوف أقضي تقريبًا "دقيقة واحدة" للبحث عن كل سلعة في مواقع المقاطعة والتأكد منها، ودقيقة أخرى للبحث عن بديل لها. ويعني هذا أن كل رحلة تسوّق ستستغرق مني نحو 10 دقائق إلى 15 دقيقة أخرى! وهذا بلا ريب سيكون في البداية فقط، إلى أن أتمكن من حفظ أسمائها والعودة إلى روتيني الشرائي. ولكن من ناحية أخرى تنبَّهت إلى مسألة مهمة، وهي أنني كنت أستغرق مثل هذا الوقت -وربما أكثر- قبل المقاطعة وأنا أقارن بين الأسعار وأبحث عن أرخصها ثمنًا وأنسبها للشراء، ومن ثَمّ فلن أحتاج إلى أي وقت إضافي! هذا بالنسبة إلى عامل الزمن، أما من حيث الأسعار فيوجد العديد من المنتجات البديلة بأسعار أرخص، وهذا حل رائع للتوفير في ظل معاناة الجميع من ارتفاع الأسعار المستمر منذ البريكست وحرب روسيا على أوكرانيا. لكن ثَمَّ أمر استوقفني واستغرق الجزء الأخير من الدقيقة التي حدثتكم عنها قبل قليل، وهو جودة البضائع. هل البضائع البديلة ستكون بالجودة نفسها؟ ومثلي كمثل أي أم عربية، قد يكون وجود جميع مواد التنظيف في المنزل أهم من وجود الخضار في المنزل! ودون شك فإن كل واحد من هذه المواد في مخيلتنا يعمل عمل الرجل الخارق "سوبرمان" في إزالة الأوساخ، فلا نتوقع أن يفي أي منتج آخر بالغرض ويكون له المفعول نفسه! فقررت مرغمةً أن أجرِّب أنواعًا أخرى من منتجات "أسدا" أو منتجات "موريسون" أو "ألدي"، وبالفعل حصلت على الجودة نفسها وبسعر أقل! وكنت قد قرأت سابقًا عن تأثير العلامات التجارية المشهورة على المستهلك وطريقة التلاعب بالمشاعر والسلوك لتسويق منتجاتها وزيادة مبيعاتها وضمان استقطاب الزبائن، وهذا هو الأهم. البدائل موجودة بكثرة، وتؤدي الدور نفسه الذي تؤديه المنتجات ذات العلامات التجارية الشهيرة، وليس هذا فحسب بل تكون أرخص ثمنًا، وكل هذا يصب دون شك في مصلحة المقاطعة. أما الواجب الديني والأخلاقي والاجتماعي، الذي يفرض على كل شريف الالتزام بهذه المقاطعة؛ تعبيرًا عن التضامن مع أهلنا الذين يتعرضون للإبادة الجماعية في غزة، فلا حاجة لي بمناقشته.

لقد أثبتت التجارب أن المقاطعة سلاح فعال، سواء في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري أو في تجربة غاندي في الهند. واليوم بعدما رأينا ما يحدث من إبادة قذرة في غزة تبيّن أن المقاطعة ليست خيارًا رمزيًا فحسب، بل أصبحت أضعف الإيمان، ويُقصَد بأضعف الإيمان هنا الحد الأدنى الذي لا يُعذر أحد بتركه. 

التحرر ليس مهمة النخب السياسية وحدها، بل مسؤولية مجتمعية شاملة لا تعذر ولا تستثني أحدًا، وهنا يبرز دور الحراك الطلابي الذي يقود التعبئة في الجامعات لزيادة الوعي وتنظيم الطاقات، فقوة الشعب ليست شعارًا، بل هي التراكم الكمي للوعي والتنظيم والمشاركة. 

العدو يدرك أثر المقاطعة، ويعتبرها خطرًا محدقًا؛ لأنها تهز صورته العالمية، وتؤثر في اقتصاده، وتفقده السيطرة على الرواية. 

المقاطعة موقف والموقف هو بداية الانتصار

دعم فلسطين من ناحيتنا نحن لا يحتاج إلى سلاح، بل إلى وعي وقول الحق ورفض الظلم. المقاطعة ليست فعلًا سياسيًّا فقط، بل هي بيان هُوية، وإعلان أخلاقي، وصوت حر في وجه الخيانة.

شارك في المقاطعة، وقاوم بالتوعية، وارفض التطبيع بكل أشكاله؛ ففلسطين تنتظر صوتك وسلوكك ونبضك الحر.

 


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
4:26 pm, Jul 11, 2025
temperature icon 31°C
clear sky
35 %
1019 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 5%
Visibility 10 km
Sunrise 4:56 am
Sunset 9:15 pm