الفقر بين الأطفال في بريطانيا: 4.5 مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر
كشفت الحكومة البريطانية مؤخرًا عن ملامح استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الفقر بين الأطفال، واضعةً في صدارة أولوياتها إلغاء الحد الأقصى لطفلين في مدفوعات الإعانات الاجتماعية، في محاولة للحد من تفاقم أزمة اجتماعية تُعد من الأكثر إلحاحًا في البلاد. وتأتي هذه الخطوة في وقت تشير فيه الأرقام إلى اتساع رقعة الفقر بين الأطفال وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، وسط تباينات إقليمية وعرقية لافتة.
أرقام مقلقة: ثلث أطفال بريطانيا فقراء

بحلول نهاية عام 2024، كان نحو 4.5 ملايين طفل في بريطانيا، أي ما يعادل 31 في المئة من إجمالي الأطفال، يعيشون في فقر نسبي، أي في أسر يقل دخلها عن 60 في المئة من متوسط الدخل الوطني. وتُظهر البيانات أيضًا أن 18 في المئة من الأطفال ينشؤون في أسر تعاني من انعدام الأمن الغذائي، من دون الحصول المنتظم على طعام صحي ومغذٍّ.
وتتصدر منطقة ليدي ويل في برمنغهام قائمة أكثر المناطق تضررًا، حيث يعيش 62 في المئة من الأطفال في فقر نسبي. وفي مناطق أخرى من ليدز ولندن وبرادفورد ومانشستر وليفربول، يعيش أكثر من نصف الأطفال تحت خط الفقر. وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقرب من نصف الأطفال من أصول آسيوية أو إفريقية يعانون من الفقر، إلى جانب 43 في المئة من الأطفال في الأسر الأحادية الوالد، ما يسلّط الضوء على أبعاد اجتماعية وعرقية معقدة للأزمة.
بريطانيا في السياق الدولي: مسار معاكس

ولا تقتصر ظاهرة فقر الأطفال على بريطانيا وحدها. فقد أظهرت دراسة لليونيسف أن 23 في المئة من الأطفال في 37 دولة ذات دخل مرتفع يعيشون فقراء. غير أن اللافت هو أن معدل الفقر النسبي انخفض في هذه الدول بمتوسط 2.5 في المئة بين عامي 2013 و2023، في حين ارتفع في بريطانيا بنسبة 34 في المئة خلال الفترة نفسها.
في المقابل، تمكنت اسكتلندا من خفض مستويات فقر الأطفال بحلول عام 2025 بفضل سياسات دعم مباشرة، أبرزها الإعانة الشهرية للأطفال بقيمة 27.15 باوند لجميع الأطفال دون سن 16 عامًا، إضافة إلى دعم الأمهات الحوامل وخلال السنة الأولى من عمر الطفل. ومع أن طفلًا من كل خمسة أطفال في اسكتلندا لا يزال يعيش فقيرًا، فإن المستويات بقيت مستقرة نسبيًّا خلال العقد الماضي.
سياسات إنجلترا وتفاقم الأزمة

في إنجلترا، أسهمت سياسات مثل تحديد عدد الأطفال في “معونات الطفل” بطفلين، وسقف إجمالي الإعانات، إلى جانب خفض الإنفاق العام، في زيادة معدلات فقر الأطفال. وتشير تقديرات اليونيسف إلى أن هذه السياسات أدت إلى انخفاض فعلي في الإنفاق الداعم للأطفال بنحو 3.6 مليارات باوند.
هذا وتواجه الأسر عقبات متزايدة تتمثل في ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال، ما يقلل من عودة النساء إلى سوق العمل بعد الإنجاب ويؤثر سلبًا على دخل الأسرة. ومع أن زيادة ساعات الرعاية الممولة حكوميًّا خفّضت التكاليف للأطفال دون السنتين في إنجلترا، فإن التكاليف ارتفعت بالنسبة لأولياء أمور الأطفال الذين هم في سن الثالثة أو الرابعة، ويشمل ذلك ويلز واسكتلندا.
وتعكس شهادات الأطفال التي جمعها مفوض شؤون الأطفال في إنجلترا البعد الإنساني القاسي للأزمة. فقد قالت فتاة في الرابعة عشرة من عمرها إنها تشعر بالقلق الدائم من عدم كفاية الطعام لعائلتها، مؤكدة أنهم يحاولون الادخار قدر الإمكان. فيما عبّر طفل يبلغ 11 عامًا عن رفضه تناول معلبات غذائية فاسدة، قائلًا إنه يدرك فقره لكنه لا يقبل طعامًا غير صالح للأكل.
ما الذي يُجدي نفعًا؟ خطوات حكومية وتأثيرها

تضمنت الميزانية الحكومية الأخيرة خطوة وُصفت بالمهمة عبر رفع الحد الأقصى للإعانات المخصصة لطفلين، وهو ما يُتوقع أن يساهم في إخراج نحو 500 ألف طفل من دائرة الفقر. كما تعهدت الحكومة بتقليص مدة إقامة الأسر في المساكن المؤقتة، وأعلنت أنه ابتداء من عام 2026 ستتاح وجبات مدرسية مجانية لجميع الأطفال في الأسر المستفيدة من معونة اليونيفيرسال كريديت. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن ثلث الأطفال الذين يعيشون في أشد حالات الفقر ينحدرون من أسر مهاجرة لا يحق لها الحصول على إعانات حكومية.
الوجبات المدرسية المجانية… تجربة ناجحة

تُعد تجربة توفير وجبات مدرسية مجانية لجميع الأطفال في لندن من السياسات التي أثبتت فعاليتها. فقد أفاد 60 في المئة من أولياء الأمور بأنهم تمكنوا من إنفاق المزيد على الطعام بفضل هذه الوجبات، فيما قال 84 في المئة: إن المبادرة أسهمت في تحسين الوضع المالي لأسرهم.
ويؤكد مختصون أن مكافحة فقر الأطفال تتطلب استثمارات أوسع في خدمات الدعم المجتمعي، مثل المطابخ المجتمعية ومراكز الدعم المحلي، لمعالجة الأسباب الجذرية للفقر، وعدم الاكتفاء بالحلول الجزئية. كما ينبّهون على ضرورة أن تكون المجتمعات المحلية والأطفال في صلب السياسات المستقبلية.
وترى منصة العرب في بريطانيا أن إلغاء الحد الأقصى لطفلين في الإعانات يمثل خطوة إيجابية طال انتظارها، لكنه يظل غير كافٍ ما لم يُستكمل برؤية شاملة تسد الفجوات الهيكلية في نظام الرعاية الاجتماعية. وتؤكد المنصة أن فقر الأطفال، لا سيما بين أبناء الأسر المهاجرة والأقليات، يشكل عقبة أخلاقية واجتماعية لبريطانيا، ويتطلب سياسات أكثر شمولًا وإنصافًا تضمن حق كل طفل في الغذاء والتعليم والعيش بكرامة، بصرف النظر عن خلفيته أو وضع أسرته.
المصدر: The Conversation
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
