الفرق بين التوكل والتواكل في صناعة التغيير
تتقاذف الرّياحُ هذا العالم من جهةٍ إلى أخرى، وتعلو الأصوات، وتختلط الرّؤى. يبدو من السّهل أن نتوارى خلف العجز، وأن نحتمي بثياب الاستسلام تحت ذرائع القدر…
كثيرون يخلطون بين أن تكون مؤمنًا بقدر الله، وبين أن تكون ساكنًا على حافّة الحياة؛ لا تحاول، لا تُخاطر، لا تقف حتى على قدم الإرادة.
لكن الواقع لا يُكسر بالحلم وحده، إنما بالفعل، بالخطوة الأولى، بتلك القفزة الصغيرة التي تسبق كلّ تحوّلٍ عظيم.
الإنسان لا يُخلق جبانًا، ولا مفطورًا على الهروب من التحدّي، بل الحقيقة أنّ الشجاعة تسكنه بالفطرة. لكنها تُخمد مع الوقت، تحت ثقل العبارات الجاهزة: “هذا قدرك”، “لا تُتعب نفسك”، “دع الأمور كما هي”، وغيرها من التبريرات التي تُجمّل التواكل في أعيننا، وتجعله شبيهًا زائفًا للتوكل. لكن الفرق بينهما جوهريّ، عميق، وخطير.
فالتوكل حركةٌ من الداخل، تتبعها حركةٌ من الخارج؛ ثقةٌ بالله تُترجم إلى سعيٍ، إلى محاولةٍ، إلى إرادةٍ متّقدة. أمّا التواكل، فهو عذرٌ باهتٌ للجمود، قناعٌ يرتديه الخائفون لتبرير سكوتهم، وتهاونهم، وقبولهم بما لا يُحتمل.
اليوم، تُختزل الأحلام في الشاشات، ويُقابل الواقع بالسخرية أو الإنكار. يغدو الإيمان بالقدرة على التغيير عملةً نادرة. ومع ذلك، فإنّ الحياة لا تزال مليئةً بأزرارٍ مخفيّة، كلٌّ منها يفتح بابًا.
ولا أقصد بهذه الأزرار أنها رموز خياليّة، إنما لحظات حقيقية من الجسارة: قرارٌ يُتّخذ، خطوةٌ تُجرّب، كلمةٌ تُقال، موقفٌ يُعلن.
وكل زرّ نضغطه، مهما بدا بسيطًا، يمنحنا فرصةً لنطلّ على مساحة جديدة من إمكانيّاتنا. وهكذا، بابٌ يُفتح، يتبعه باب، ثم آخر، لنجد أنفسنا نبني أساسًا جديدًا في مدينةٍ كانت يومًا ما مجرّد حلم.
لكن الأمر لا يتم دفعةً واحدة، ولا بمعجزة عابرة؛ إنها سلسلة من القفزات الصغيرة التي نرتقي بها تدريجيًا نحو الضّوء.
أحيانًا نرتفع قليلًا، وأحيانًا نتعثّر، لكن الثبات على القفز هو في ذاته دليلٌ على الحياة؛ فالذين يرضون بالقاع لا يكتشفون أبدًا كم هم قادرون على العلو.
الواقع، مهما كان خانقًا، لا يطلب منّا أن نكون خارقين. يكفي أن نمنح ما في جعبتنا من محاولات، وأن نكون صادقين مع أنفسنا بها؛ أن نكفّ عن سؤال الزمن: “متى؟”، ونبدأ بسؤال أنفسنا: “هل فعلتُ ما يكفي؟”
فالزمن لا يفتح الأبواب لمن يقف بعيدًا، والأبواب لا تستجيب إلا لمن يقترب منها، ويضع يده على الزرّ، ثم يضغط بثقة، ولو لم يعرف تمامًا ماذا ينتظره خلف الباب.
في نهاية المطاف، لا أحد يصنع الحلم نيابةً عنّا، ولا أحد يمنحنا المفتاح. لا بدّ أن نمدّ أيدينا، وما من طريق حقيقيّ إلى الأمل إلا عبر التجربة، والانكسار، والتجلّي.
فإذا وجدتَ زرًّا في قلب العتمة… لا تتردّد،
اقترب، واضغط.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
بوركتِ، التوكل الحق ينفع.