الغربة ونعمة الأخوة

أعتقد انه ربما وبدون استثناء أن الجميع يشتكي ويتكلم بل ويئِنّ أحياناً من صعوبة الغربة والإغتراب مما يؤثر على عطائه وتفكيره وقد يقوده إلى أبعد مما نتصور!
وفي أثناء هذا الشعور البائس والذي لابد أن كلاً منا قد مرَّ به بسبب شعوره بالوحدة والغربة وانه لوحده وانه يجابه التحديات والصعوبات من كل حدَب وصَوب لوحده دون سند أو معين إلاّ الله سبحانه وتعالى.
يستعين بالصبر والصلاة والدعاء كذلك.. وهي من أقوى المسببات والمعينات على تخطي الأزمات والعقبات بأقل الأضرار النفسية والعقلية والوجدانية.. وتطبيقا لقوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}: سورة البقرة آية (45).
ولا شك أن الناحية الإيمانية تشحن وتضيئ ما اظلَمَّ وتحالك في نفس الشخص سواء كان ذكرا أم أنثى والتي تدفع آثار تلك الغربة والظروف عن النفس!
إلا أننا نومن أن المرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه وأنه مهما كان قوياً فإن الظروف في كثير من الأحيان أقوى منه مهما بلغ من درجة علمية أو ثقافية أو دينية.
ونجد ذلك جلياً في غربتنا ومهجرنا وبنعمة الأخوَّة والسند التي ترفعنا من بين أمواج وتلاطمات تلك الحياة لتأخذنا عبر سفينة النجاة والأمل والطموح والصبر.
تلك الصحبة الصالحة الطيبة التي لا يغريها متاع الحياة وزيف التسميات.. وأينما بحثت عن جوهر الإنسان وما يحمله من قيم ودين وخير فكان ذلك معيارها ومقياسها.
ولا شك أن الإنسان بيده من يصنع تلك الدائرة المحيطة به والحامية له من الصدمات والمشاركة له في المدلهمات والصانعة له أوقات السعادات.
الغربة ونعمة الأخوة الصالحة

وعلى الجانب نفسه أجد الكثير ممن كتب حول صدمته ومأساته في غربته ممن طعن في ظهره أو خابت آماله. أو على الأقل لم يكافؤوه ولو بشيء جميل مما صنعه معهم وقدّمه لهم، متغافلين عن قوله تعالى {هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ}: سورة الرحمن / (الآية 60).
بل للأسف قوبل بالإساءة والخذلان والابتعاد عند الأزمة التي انتظر ذلك الشخص منهم ولو أقل القليل من الدعم النفسي والمعنوي والوفاء وعدم الغدر.
وربما ما يخطر ببالي هو الجواب الوحيد الذي يكون سبباً لذلك وهو (اختيار النوعية) فلا شك أن جزء من خيباتنا هو نوعية اختيارنا التي لم يجبرنا عليها أحد!
وبالذات في الغربة.. لأن الغربة هي محل اختيار وانتقاء، وتختلف تماماً عن موضوع القرابة والأهل والمصاهرة والجيران الذين لم نختر أياً منهم بل ولدنا وبعضهم موجودون في حياتنا!
لذلك لنعلم أن الدائرة التي نوجد بها أو نميل لها قد تحملنا نتائج غير مرضية أحياناً. وقد تجبرنا توقيتات معينة وأماكن نجد أنفسنا فيها أحياناً على صلة مع طبقة أو نوعية معينة ما نلبث أن نلوم أنفسنا لاحقا على اختيارها كثيراً.
لذلك قيل في الأمثال: “الوحدة خير من جليس السوء والمصلحة كذلك”.
لكن كذلك قيل في الأمثال: “الجنة (الحديقة) بدون ناس ما تِنْدَاس”؛ فلابد شِئنا أم أبينا من إحاطة أنفسنا بأصدقاء أوفياء مخلصين يشاركوننا أفكارنا وطموحاتنا وتحمل العبء في هذه الغربة وفي جوِ الحياة بشكل عام.
وأنا هنا أتحدث بالذات عن الغربة والمغتربين لكن ذلك لا ينفي أبداً تطبيق الموضوع ذاته على من لا زالوا في أوطانهم وبين أهليهم.
وكم تحدَّث وتغنَّى الشعراء والأدباء بالصديق والخل الوفيّ ونعمة وجوده في حياة الشخص فلا نغفل تلك النعمة ببعض الصدمات التي قد واجهها البعض أو ما زال يواجهها غافلاً عن أننا بشرٌ ولسنا ملائكة!
قد يصدر منه مالا يعجب الاخر او لا يستحبه وإن كثيراً من مشكلاتنا تقع بين مقصود لم ينطق ومنطوق لم يقصد!!
وكما قال الشاعر طُرفة بن العبد:
لَعَمرُكَ ما الأَيامُ إِلّا مُعارَةٌ ** فَما اِسطَعتَ مِن مَعروفِها فَتَزَوَّدِ
عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
جاور السعيد تسعد

وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل). يُخالل أي يُصادق ويصاحب.. (رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح).
وفي ذلك تحفيز على تقييم الصداقة والعلاقة ونوع الأخُوة منذ البداية فإن اسمك وشخصك سيكون لا شك ملتصقا بهذا الصديق والقرين والصاحب شئت أم أبيت.
بل حتى منظوره للحياة والسعادة والشقاء ستجد نفسك وقلبك بعد فترة وبدون أن تشعر وقد اصطبغ بصبغته وأخذَ بريحه وأثره.. إن كان مسكاً فحذوتَ منه وكان فحماً وحطباً فأحرق ثيابك!
ولذلك فقد قيل في الأمثال: “جاور السعيد تسعد وجاور الشقي تشقى”. وما قيل ذلك عن عبثٍ إنما من تجارب الأمم والأشخاص وتوالي الأحداث كذلك.
وهذا مصداق حديثه صلى الله عليهِ وسلَّم: (إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً) متفق عليه.
وليس شرطا أن يكون نافخ الكير شخصاً مجرماً أو سيئ المنظر أو ربما قبيحاً أو جاهلاً؛ فقد يكون شخصاً ذا مظهرٍ جذاب وحضور لكنه (مزيِّف) وقد يكون ذا معلومات وثقافة دنيوية لكنه خواء من الداخل! حاملٌ لتوجهات وأفكار سلبية.. مصلحيّ ووقتيّ.. ودوماً يضعُ مصلحته وأنفته في المقدمة.. فإذا ما تعارض مع ما أراده ضرب بكل الوفاء والقيم والدين عرض الحائط. (https://morrisvillecathospital.com/)
وليس هذا ما يؤلمنا، بل ما يؤلم هو الاعتماد النفسي والعاطفي الذي توقعناه فيه!
ولذلك إذا كان حجم التوقعات كبير فسيكون السقوط والصدمة أكبر..
لذلك فالحل هو حسن الظن وخفض سقف التوقعات والتعامل مع الناس على أنهم بشر وليسوا أنبياءَ معصومين. وقبل ذلك كله أخذُ الدين والقيَم بالاعتبار.
حتى وإن تغيّر أو فسَد من حولك..
ولنحتفظ بخيطٍ ودّ مع الجميع..
أدامكم الله بصحة وإيمان وراحة نفس..
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇