العرب في بريطانيا | العنصرية بين جاهلية الأمس وتحديات اليوم: من مظا...

1447 جمادى الثانية 2 | 23 نوفمبر 2025

العنصرية بين جاهلية الأمس وتحديات اليوم: من مظاهرات لندن إلى رسالة الإسلام

العنصرية بين جاهلية الأمس وتحديات اليوم: من مظاهرات لندن إلى رسالة الإسلام

شهدت لندن اليوم مظاهرات لليمين المتطرّف حملت في طياتها خطابًا عنصريًا يستهدف الأقليات والمهاجرين، في مشهد يذكّرنا بأن العنصرية ما زالت جرحًا مفتوحًا في جسد المجتمعات الغربية. هذه الظاهرة ليست مجرد شتائم أو لافتات، بل منظومة متجذّرة تؤثر على حياة البشر نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. فمن يعاني من العنصرية يعيش تحت ضغط دائم من الخوف والإقصاء، وتُغلق أمامه الأبواب في العمل والتعليم والسكن، وتتشكل فجوات حقيقية بين أبناء المجتمع الواحد، بما يزرع بذور الكراهية والانقسام. وفي بريطانيا وحدها وفقاً لموقع وزارة الداخلية البريطانية سُجلت في السنة المنتهية في مارس 2024 أكثر من 140 ألف جريمة كراهية، كان سبعون في المئة منها بدوافع عرقية، فيما شهدت الجرائم بدوافع دينية زيادة بنسبة 25%، خاصة ضد المسلمين واليهود، وهي أرقام رسمية تعكس خطورة الموقف وتكشف كيف أن الظاهرة ليست استثناءً بل باتت نمطًا مقلقًا يتسع مع تصاعد الخطاب الشعبوي المتطرّف.

اليمين المتطرف

هذا الواقع يفرض علينا أن نعود بالذاكرة إلى بيئة أخرى شديدة العنصرية، هي بيئة الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث كان التفاضل قائمًا على القبيلة والنسب واللون، وكان المستضعفون و غير العرب يُعاملون باعتبارهم بشرًا من الدرجة الثانية. غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء برسالة قلبت الموازين، إذ جعل المعيار الوحيد للتفاضل هو التقوى والعمل الصالح. رفع بلال بن رباح، العبد الحبشي الأسود، إلى مقام عالٍ حين جعله مؤذنه الخاص وصوت الإسلام الأول، في وقت كان العرب يستنكفون أن يقف مثل هذا الرجل في موضع شرف. وحين عيّر أبو ذر الغفاري بلال رضي الله عنهما بأمه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، رافضًا أن يُقبل أي أثر من آثار العنصرية في المجتمع الجديد. وفي خطبته الأخيرة أعلنها صريحة: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».

و أما ما هو أكبر من ذلك فكان نموذج المدينة الذي كتب الرسول فيه دستوراً هو الأول من نوعه ، يقول عنه المستشرق الروماني جيورجيو: «يحوي هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، كلها من رأي رسول الله. خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُوّن هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء.»

رموز اليمين المتطرف في بريطانيا

هكذا تحوّل المجتمع الذي كان يقدّس النسب ويزدري الألوان إلى مجتمع يقبل غير العرب وغير المسلمين، حتى صار منهم قادة وسادة، في نموذج إنساني لا تزال البشرية بحاجة إلى استلهامه.

إن المظاهرات العنصرية التي نراها اليوم في لندن وفي غيرها من مدن الغرب تذكّر المسلمين بمسؤولية عظيمة لا تقف عند حدود الدفاع عن النفس وحماية الهوية، بل تتجاوزها إلى حمل الرسالة التي جاء بها رسولنا الكريم، رسالة العدل والمساواة والتسامح. دور المسلم في الغرب ليس الانكفاء ولا الانسحاب، وإنما المشاركة الإيجابية في المجتمع، التصدي لجرائم الكراهية، دعم القوانين التي تحمي الأقليات، وتقديم النموذج العملي للتعايش الكريم مع الجيران والزملاء وأبناء الوطن الواحد. إن الكلمة الطيبة، والسلوك العادل، والانخراط في النشاط المدني والحقوقي، كلها أدوات بيد المسلمين لإثبات أن ما يحملونه ليس عبئًا على المجتمعات، بل رسالة قادرة على أن تساهم في علاج داء خطير مثل العنصرية. فإذا كان اليمين المتطرّف يسعى إلى إشعال الكراهية، فإن على المسلمين أن يقابلوا ذلك بنشر قيم الرحمة، وإذا كانت العنصرية تسعى إلى تقسيم البشر، فعليهم أن يذكّروا الناس أن الله خلقهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا لا ليتنازعوا. تلك هي الرسالة العظيمة التي لا يجوز أن تبقى حبيسة الكتب، بل يجب أن تُترجم إلى واقع يعيشه كل من يخالط المسلم ويتعامل معه في الغرب.


اقرأ أيضًا:

 

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة