السودان: حصار الفاشر يضع مئات الآلاف بين خيار الهروب أو الموت جوعًا

في مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، يعيش مئات الآلاف من المدنيين بين نار القصف والجوع القاتل. قوات الدعم السريع، التي تُتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الماضي، تفرض حصارًا خانقًا على المدينة، ما يدفع سكانها إلى مواجهة خيارين أحلاهما مرّ: الهروب عبر مناطق يسيطر عليها المسلحون أو الموت جوعًا داخل أسوار المدينة.
معاناة يومية تحت القصف والجوع
حفيظة، شابة في الثانية والعشرين فقدت والدتها العام الماضي في قصف استهدف سوقًا مزدحمًا، وجدت نفسها المسؤولة عن رعاية ثلاث شقيقات أصغرها لم تتجاوز الخامسة. منذ أن أُغلقت جامعتها بسبب الحرب، تحولت حياتها إلى صراع يومي بين البحث عن لقمة العيش والعمل في عيادة خيرية وسط مخيم أبو شوك، حيث تنظف جروح الضحايا وتساعد الأطباء بإضاءة هواتفهم أثناء العمليات.
تصف حفيظة واقعها بقولها: “رأيت عشرة أو خمسة عشر شخصًا يُقتلون في لحظة واحدة من القصف. لكن هناك من يموتون بشكل أبطأ… من الجوع”.
المجاعة تضرب المخيمات، وقد سُجّلت وفاة ما لا يقل عن 60 شخصًا بسبب سوء التغذية خلال أسبوع واحد فقط، وسط غياب الكهرباء والمياه النظيفة وانهيار المستشفيات. منظمات الإغاثة الدولية حذرت من “الاستخدام الممنهج للتجويع كسلاح حرب”.
النزوح والمجازفة بالهرب
المشهد لا يختلف كثيرًا بالنسبة لماحسن، وهي أم لأربعة فقدت الاتصال بزوجها منذ اندلاع الحرب. تحكي أنّ بعض الأيام لم تجد ما تطعم به أبناءها سوى أوراق الأشجار أو بقايا علف الحيوانات. ومع تفاقم الوضع، قررت الهروب إلى بلدة طويلة غرب الفاشر، حيث لجأ إليها نحو 380 ألف نازح، رغم أنّها لم تعد أكثر أمانًا بعد تفشي الكوليرا وشح المساعدات.
الخروج من الفاشر محفوف بالمخاطر، إذ يتعرّض الفارّون لاحتمال القتل أو الاستعباد أو الاعتداء الجنسي، وهي جرائم ارتبطت بالحرب منذ بدايتها. ورغم ذلك، يعتبر كثيرون أنّ البقاء يعني موتًا مؤجَّلًا.
صراع دموي وانقسام محتمل للسودان
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، قُتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص ونزح أكثر من عشرة ملايين، في ما تعتبره الأمم المتحدة أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم اليوم. الولايات المتحدة صنّفت أفعال قوات الدعم السريع وحلفائها من الميليشيات العربية في دارفور كجرائم إبادة جماعية تستهدف المكوّنات الإفريقية، وعلى رأسها قبيلة الفور التي تنتمي إليها حفيظة.
السيطرة على الفاشر تُعد حاسمة، إذ يُحذّر محللون من أنّ سقوطها بيد قوات الدعم السريع سيمنحها السيطرة على مساحات شاسعة من دارفور المتاخمة لليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ما يمهد لتقسيم فعلي للسودان.
تحركات دبلوماسية متعثرة
في ظل هذا الواقع، كشفت مصادر حكومية عن اجتماع سري في سويسرا جمع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بمستشار أفريقيا في إدارة ترامب، مسعد بُولُص، لبحث مقترح سلام أمريكي جديد. غير أن المحاولات السابقة للتوسط بين البرهان ونائبه السابق ومنافسه الحالي، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، باءت بالفشل. ويخشى مراقبون أن يظل المدنيون هم الضحية الأبرز لصراع الجنرالات.
ما يجري في الفاشر اليوم يعيد إلى الأذهان أهوال الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور مطلع الألفية. لكنّ الفارق أنّ العالم يراقب الكارثة وهو عاجز أو متواطئ. إنّ استخدام التجويع كسلاح حرب، وترك ملايين المدنيين يواجهون مصيرهم بين قصف وقتل أو هلاك بطيء، يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية لا يمكن السكوت عنها.
منصّة العرب في بريطانيا تؤكد أنّ التضامن مع الشعب السوداني، والضغط على الأطراف الدولية والإقليمية المتورطة، لم يعد خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة عاجلة لوقف نزيف الدم ومنع تقسيم بلد باتت وحدته على المحك.
المصدر: ذا تايمز
إقرأ أيّضا
أبرز عناوين الصحف البريطانية ليوم الإثنين 18 أغسطس 2025
وثائق تكشف: كيف دعمت بريطانيا إسرائيل رغم معرفتها بجرائمها ضد الفلسطينيين؟
كيف تواجه بريطانيا أزمة غير مسبوقة في نقص المياه رغم أجوائها الماطرة؟
الرابط المختصر هنا ⬇