إطلاق سراح أكثر من ألف سجين لمواجهة اكتظاظ السجون في إنجلترا وويلز
أعلنت وزيرة العدل البريطانية شابانا محمود عن الإفراج المبكر عن أكثر من ألف سجين في إنجلترا وويلز، ضمن مساعٍ حكومية عاجلة للتعامل مع أزمة الاكتظاظ المتفاقمة داخل السجون، والتي باتت تهدد بانهيار وشيك في البنية التحتية للمنظومة العقابية.
وبحسب الإجراءات الجديدة، سيُفرَج عن السجناء المحكوم عليهم بعقوبات تتراوح بين سنة وأربع سنوات، والذين أُعيد استدعاؤهم إلى السجن بسبب خرق شروط الإفراج المشروط، بعد 28 يومًا فقط من تاريخ الإيداع. ويُستثنى من القرار أولئك المصنّفون كمصدر خطر مرتفع أو المتورطون في جرائم خطيرة.
وأوضحت وزيرة العدل أن القرار سيُوفّر نحو 1400 مكان داخل السجون، ويمنح الحكومة فرصة لإعادة النظر في بنية النظام الجنائي الذي وصفت وضعه الحالي بـ”الهشّ والآيل للانهيار”.
ويأتي ذلك بعد تحذيرات أطلقها مسؤولون في وزارة العدل من أن البلاد على وشك أن تنفد من الأماكن المتاحة لاحتجاز الذكور البالغين بحلول شهر نوفمبر القادم، في حال عدم اتخاذ تدابير فورية. وقد بلغ عدد نزلاء السجون في إنجلترا وويلز 88,087 شخصًا، من بينهم 13,583 سجينًا أُعيد استدعاؤهم بعد خرق شروط الإفراج دون ارتكاب جرائم جديدة، بفارق 1,355 فقط عن الطاقة التشغيلية القصوى التي لا تتجاوز 89,442.
وكان وزير شؤون السجون قد أكد الأسبوع الماضي أنه لن يُلجأ إلى مزيد من الإفراجات الطارئة، غير أن وزارة العدل عادت لتتبنّى هذا الخيار تحت وطأة ضغط الأرقام المتصاعدة والتهديد الوشيك بانهيار السعة الاستيعابية.
استثمارات ضخمة وبنية مأزومة
ورغم إعلان الحكومة عن استثمار قدره 4.7 مليار باوند لتوسيع القدرة الاستيعابية للسجون خلال السنوات الخمس المقبلة بدءًا من عام 2026، أكدت شابانا محمود أن “بناء المزيد من السجون وحده لن يكفي لتجاوز الأزمة”، داعية إلى حلول بنيوية أعمق.
وقد تقرر الشروع في بناء ثلاث مؤسسات سجنية جديدة خلال العام الحالي، أولها بجوار سجن “غارتري” في مقاطعة ليسترشير. ويُذكر أن سجن “ميلسايك”، الواقع بالقرب من مدينة يورك، دخل حيّز العمل مطلع هذا العام.
لكن الإصلاحات الهيكلية المنتظرة لا يُتوقّع أن تظهر نتائجها قبل ربيع 2026، إذ لا تزال الحكومة بانتظار تقرير مراجعة نظام العقوبات، الذي يقوده الوزير المحافظ السابق ديفيد جوك، والذي يُتوقّع أن يدعو إلى تعزيز العقوبات البديلة وتقليص الاعتماد على السجن في الجرائم غير العنيفة.
لاقى القرار موجة انتقادات داخل الأوساط السياسية والحقوقية، حيث وصف وزير العدل في حكومة الظل، روبرت جينريك، الخطوة بأنها “تخلٍ عن مسؤولية حماية المواطنين”، مضيفًا: “الحكم يعني اتخاذ قرارات، واليوم قررت الوزيرة إطلاق سراح مجرمين انتهكوا شروط الإفراج”.
من جانبه، شدد رئيس نقابة موظفي السجون، مارك فيرهيرست، على أن بناء مؤسسات جديدة لن يعالج جوهر الأزمة، داعيًا إلى توجيه الاستثمارات نحو تحديث البنية الحالية، وتعزيز خدمات المراقبة المجتمعية، وتوفير أسِرّة مخصصة لعلاج المرضى النفسيين، بالإضافة إلى تطبيق عقوبات بديلة تحظى بثقة الجمهور.
مخاوف على الضحايا وسلامتهم
وفي سياق موازٍ، عبّرت مفوضة العنف الأسري في بريطانيا، السيدة نيكول جاكوبس، عن بالغ قلقها من انعكاسات القرار على الضحايا، معتبرة أن الإفراج عن معتدين بعد فترة قصيرة يعيد تعريض الضحايا للخطر بشكل مباشر. وقالت: “لا يُحكم على شخص بالسجن أربع سنوات إلا إذا مثّل تهديدًا خطيرًا على الضحية أو المجتمع. هؤلاء يعرفون أماكن الضحايا، أعمالهم، تفاصيل حياتهم. والأخطر أنهم مستعدون دومًا لخرق أوامر الحماية”.
وفي شهادة أخرى، اعتبرت إحدى الضحايا، التي أعيد الجاني في قضيتها إلى السجن بعد خرق أمر حماية، أن القرار “صادم”، مؤكدة أنه يفتح الباب أمام مجرمين لتفادي العقوبة الفعلية.
مراجعة كبرى على الأبواب
ويُنتظر أن تُنشر خلال الأسابيع المقبلة توصيات مراجعة ديفيد جوك المستقلة حول السياسة العقابية في إنجلترا وويلز، وسط مؤشرات تُشير إلى نية الحكومة تخفيف الاعتماد على السجن وتعزيز البدائل المجتمعية، في مسعى للتعامل مع التحديات المتصاعدة داخل المنظومة العقابية.
ويُذكر أن تجربة مشابهة نُفذت العام الماضي حين أُفرج عن أكثر من 16 ألف سجين في الفترة بين سبتمبر وديسمبر 2024 بعد قضاء 40% فقط من مدة عقوبتهم بدلًا من النسبة المعتادة وهي 50%، ضمن خطة طارئة لمواجهة ضغط السعة القصوى، واستُثني منها المدانون بجرائم عنف أو جنسية أو ذات طابع إرهابي.
المصدر بي بي سي نيوز
الرابط المختصر هنا ⬇