العرب في بريطانيا | الذكاء الاصطناعي يهدد فرص الخريجين ويعيد رسم مس...

1447 ربيع الأول 26 | 19 سبتمبر 2025

الذكاء الاصطناعي يهدد فرص الخريجين ويعيد رسم مستقبل العمل في بريطانيا

WhatsApp Image 2025-07-15 at 10.16.14 (1)
رجاء شعباني July 15, 2025

وسط تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في قطاعات التوظيف، يجد خريجو الجامعات في بريطانيا أنفسهم أمام مفارقة صارخة: شهادات جامعية مكلفة لا تضمن الحدّ الأدنى من فرص العمل، وسوق يُقصيهم قبل أن يُنصت إليهم. فبينما تستمر الجامعات في جذب الطلاب بوعود «المستقبل المهني»، تكشف شهادات الخريجين عن أزمة صامتة تتفاقم: مئات طلبات التوظيف التي لا تجد ردًّا، مقابلات تُلغى، وسير ذاتية تُفلتر آليًا قبل أن تصل إلى عين بشرية. ومع تجاوز بعض الديون الجامعية حاجز 90 ألف باوند، يرتفع صوت جيل بأكمله يتساءل: “هل كنا نشتري حلماً… أم نوقّع على خيبة؟”

شهادات عليا في مهبّ الرفض الآلي

هل الذكاء الاصطناعي يهدد سلامة الأطفال؟ حملة بريطانية تحذر من خطة ميتا الجديدة

سوزي، الحاصلة على شهادة دكتوراه من شيفيلد، بقيت عاطلة عن العمل لتسعة أشهر بعد تخرجها، رغم أنها تقدّمت لأكثر من 700 وظيفة. تقول: “ظننت أن العثور على وظيفة بثلاث شهادات جامعية لن يكون صعبًا، لكنني كنت أُمضي اليوم كاملًا في كتابة السيرة الذاتية وخطاب التقديم، فقط لأتلقى رفضًا خلال دقيقتين برسالة آلية تقول إن وثائقي «تمت مراجعتها بعناية». وأكثر من 70٪ من الطلبات لم يصلني منها أي رد.” ما زاد من تعقيد المشهد هو الذكاء الاصطناعي، الذي لم يكتفِ بإلغاء العديد من وظائف المبتدئين، بل سهّل أيضًا تقديم الآلاف على نفس الوظيفة وبسير ذاتية شبه متطابقة. تقول سوزي: “على لينكد إن، ترى أن المئات قد تقدّموا لنفس الوظيفة خلال ساعة واحدة فقط من نشر الإعلان.” وفي النهاية، عُرضت عليها وظيفة براتب أقل من 30 ألف باوند سنويًا، أي بالكاد أعلى من منحة الدكتوراه التي كانت تتقاضاها.

مارتيانا، 23 عامًا، والحاصلة على ماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة يورك، تقدّمت إلى أكثر من 150 وظيفة منذ مايو، في مجالات مثل التسويق، النشر، الخدمة المدنية، الجمعيات الخيرية، إضافة إلى وظائف في التجزئة والضيافة. لكن الردود كانت إما رفضًا فوريًا أو تجاهلًا تامًا. تقول: “أشعر بالإحباط والغضب… أحد الردود أوضح أن 2000 شخص آخر قد تقدّموا لنفس الوظيفة. لقد قيل لنا إن الدراسة هي الطريق للنجاح، لكنني تخرجت وحاولت التقديم على وظيفة نادل، وقوبلت بالرفض لعدم امتلاكي الخبرة الكافية.” وتتابع: “قالوا لنا: إذا لم تلتحق بالجامعة، ستنتهي في ماكدونالدز. لكنني التحقت، وها أنا لا أُقبل حتى في ماكدونالدز.”

الشهادة لا تكفي: السوق يريد مهارات “الزبائن”

لوسي، 24 عامًا من لينكولنشاير، حاصلة على شهادة في الاتصال البصري، لكنها تعمل حاليًا في الدعم الإداري ومتجر “غريغز”. تقول: “لم أجد عملًا في مجال التصميم، لكن تجربتي في كلية فتحت لي باب مقابلات في مجال التعليم. يبدو أنني كنت سأحقق مستقبلًا أفضل لو بدأت العمل مباشرة بعد الثانوية.” وتضيف أنها حصلت مؤخرًا على وظيفة بدوام كامل في قطاع الرعاية، بأجر لا يتجاوز الحد الأدنى. “هذا أفضل ما أمكنني الحصول عليه.”

فيليمن شورر، أم من لندن، تقول إن ابنها، خريج رياضيات من جامعة مرموقة، تقدّم لنحو 200 وظيفة في خمسة أشهر دون جدوى. وترى أن أدوات التوظيف المدعومة بالذكاء الاصطناعي تجعل من الصعب تمييز المرشحين، خاصة مع اعتماد كثيرين على إنشاء السير الذاتية تلقائيًا. “كل الوثائق متشابهة، وبرامج التصفية الآلية لا تميز بين البشر. النتيجة؟ من لا يملك علاقات شخصية، يُقصى مهما بلغت مؤهلاته.”

أستاذ في كلية إدارة أعمال في السويد يوضح أن الجيل الحالي يعتمد على علاقات رقمية هشّة، ما يجعل اختراق سوق العمل أمرًا بالغ الصعوبة. ويضيف: “الطلبة يستخدمون الذكاء الاصطناعي في إعداد كل واجباتهم، فيتخرجون دون مهارات التفكير والكتابة والتحليل، وهي أمور كانت تُعد بديهية في سوق العمل.” مدير توظيف في شركة استشارية في لندن يصف الوضع بدقة: “ما كان يُعد مهارات أساسية قبل 10 سنوات – كالكتابة الواضحة وتلخيص المستندات – بات اليوم مهارات نادرة. حتى أصحاب الشهادات العليا لا يستطيعون التعبير عن أفكارهم بوضوح.” ويعلّق توم، المدير التنفيذي لشركة لوجستية في جنوب إنجلترا: “الجامعات تُباع كأحلام… لكنها تُخْرج طلابًا يواجهون كوابيس الواقع.”

من الفلسفة إلى خدمة الزبائن: خريجون على الهامش

بريطانيا تخطط لفرض ضريبة 6٪ على الطلاب الأجانب وتقليص مدة الإقامة بعد التخر

سانجاي بال، 26 عامًا من لندن، حاصل على شهادة ضعيفة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد من جامعة Open University، يعمل نادلًا بدخل لا يتجاوز 800 باوند شهريًا على عقد بلا ساعات محددة. يقول: “تقدّمت إلى أكثر من 500 وظيفة. أفهم لماذا تقلّصت وظائف المبتدئين: الشركات تريد خفض التكاليف بالذكاء الاصطناعي. لكن لا بد من حلّ حكومي.” ويضيف: “نحتاج لتشجيع الشباب على التوجّه نحو التعليم المهني، لكن علينا أيضًا دعم الخريجين. وإلا فستكون النتيجة: عزلة، اكتئاب، وجيل بلا أمل.”

أما لويز، 24 عامًا، خريجة ماجستير في الأحياء الدقيقة من أكسفورد، فقد أمضت عامًا كاملًا في العمل الجزئي ومحاولات التقديم، قبل أن تحصل أخيرًا على وظيفة تدريبية لم تُراعِ خلفيتها الأكاديمية. تقول: “الشركة كانت مهتمة بخبرتي في خدمة العملاء، لا بأبحاثي. أكثر ما أخشاه… ألّا أتمكن يومًا من العمل في مجالي. كل ما أريده ببساطة هو استخدام شهادتي.”

تكشف هذه الشهادات عن أزمة منهجية في سوق العمل البريطاني، حيث تُقصى الكفاءات لصالح الخوارزميات، ويُهمّش العقل النقدي لصالح مطابقة الكلمات المفتاحية. إن تسليع التعليم، وتراجع قيمة المهارات البشرية الأساسية، وتحكّم الذكاء الاصطناعي في بوابات الدخول المهني، ليسوا مجرد تطورات تقنية… بل أعراض لخلل عميق في مفهوم العدالة الاجتماعية. فإذا كان التعليم العالي لم يعد ضمانًا، وإن كان الجهد الفردي لا يُكافأ، فإننا أمام معادلة تهدّد شرعية المسار التعليمي برمّته. وما لم تُراجع الدولة سياساتها في التوظيف، وتُعيد الاعتبار للإنسان في وجه الأداة، فإن آلاف الشهادات ستبقى حبرًا على ورق… ومئات الآلاف من الخريجين مجرد أرقام في قوائم الانتظار.

 

المصدر الغارديان


إقرأ أيضا

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
3:11 am, Sep 19, 2025
temperature icon 16°C
few clouds
89 %
1020 mb
3 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 20%
Visibility 10 km
Sunrise 6:41 am
Sunset 7:06 pm

آخر فيديوهات القناة