كيف تموّل بريطانيا الترسانة النووية الإسرائيلية خلال عدوانها على غزة؟

كشفت بيانات حكومية بريطانية حديثة أن شركات بريطانية قدّمت تقنيات متطوّرة إلى إسرائيل لتطوير غواصاتها المزوّدة بأسلحة نووية، وذلك خلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
ورخّصت الحكومة البريطانية عمليات بيع معدّات تكنولوجية بقيمة 7.1 ملايين باوند لصالح برنامج الغواصات الإسرائيلي بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر من العام الماضي، وفق ما أظهره سجل صادرات الأسلحة الذي نشرته الحكومة مؤخرًا.
وبيّنت مذكرة مرفقة بالرخصة أن الصفقة عُقِدت لأغراض “تسويقية”، دون توضيح طبيعة المعدّات المقدّمة أو الجهة المستفيدة منها داخل إسرائيل.
الدعم البريطاني للترسانة النووية الإسرائيلية
هذا وأصدرت لندن ما لا يقل عن 77 رخصة تصدير لقطع خاصة بالغواصات الإسرائيلية، منذ عام 2010، وبلغ إجمالي قيمة هذه الرخص نحو 8.96 ملايين باوند.
وتضمّنت اثنتان من هذه الرخص عقودًا “مفتوحة”، وهو ما يتيح تصدير كميات ومبالغ غير محدودة من المعدّات، حسب ما وثّق موقع “ديكلاسيفايد” البريطاني.
واستثنت بريطانيا هذه الرخص، إلى جانب قطع طائرات “إف-35” الإسرائيلية، من القيود التي فرضتها على صادرات الأسلحة لإسرائيل في أيلول/سبتمبر الماضي، رغم تزايد الضغط الدولي لوقف تزويد تل أبيب بالسلاح أثناء عدوانها العسكري على قطاع غزة.
وأكّدت مصادر دفاعية أن الغواصات الإسرائيلية، والتي تُعدّ جزءًا من القوة الضاربة البحرية لتل أبيب، تشهد عمليات تطوير وتحديث تتزامن مع تعزيز برنامجها النووي، في وقت تُشير فيه التقديرات إلى أن هذه الغواصات باتت قادرة على تنفيذ ضربات نووية من البحر.
وقدّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن إسرائيل تمتلك نحو 90 رأسًا نوويًا، وقد يصل العدد إلى 300.
وبينما تواصل إسرائيل نفيها لامتلاك أي أسلحة نووية، أفاد المعهد بأنها تعمل على تحديث ترسانتها، وتشير الصور والمعلومات إلى أعمال تطوير في مفاعل ديمونا في صحراء النقب، وهو الموقع الرئيس لإنتاج البلوتونيوم.
وأشار المعهد إلى تقارير غير مؤكدة تفيد بأن بعض الغواصات الإسرائيلية، وربما جميعها، أصبحت مزوّدة بصواريخ “بوباين” كروز محلية الصنع والمسلّحة برؤوس نووية، وهو ما يمكّن إسرائيل من تنفيذ ضربات نووية انطلاقًا من البحر.
وذكر المعهد أن نحو 10 رؤوس نووية قد تكون متوفّرة لاستخدامها على متن الغواصات.
وتدير البحرية الإسرائيلية، المتمركزة في قاعدة حيفا البحرية على البحر المتوسط، ست غواصات من طراز “دولفين” ألمانية الصنع.
كما تُستخدم هذه الغواصات في تنفيذ مهام تتعلّق بفرض الحصار البحري على قطاع غزة منذ سنوات.
وكانت إسرائيل قد وقّعت اتفاقًا مع ألمانيا عام 2022 لاستيراد ثلاث غواصات إضافية من طراز “داكار”.
ورجّحت تقارير دولية، بينها تحقيق موسّع لمجلة “دير شبيغل” الألمانية عام 2012، أن الغواصات الإسرائيلية معدّلة لحمل رؤوس نووية، وأشارت المجلة أن خبراء من ألمانيا وإسرائيل أكّدوا تزويد هذه الغواصات بصواريخ نووية.
وأوضحت المجلة أن شركة “رافائيل” الإسرائيلية للأسلحة طوّرت الصواريخ الخاصة بالخيار النووي، وأن مداها يصل إلى نحو 1500 ميل، وقادرة على حمل رؤوس تزن حتى 200 كيلوغرام.
ونقلت المجلة عن هانز روهل، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الألمانية، قوله: “علمت منذ البداية بأن الغواصات معدّة لحمل رؤوس نووية”.
وصرّح لوتار روهل، الأمين العام الأسبق في الوزارة، أنه لم يشكّ يومًا في أن “إسرائيل نشرت أسلحة نووية على هذه الغواصات”.
غواصات هجومية ودعم استخباراتي
هذا وكشفت إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن غواصتها السادسة والأكبر، “دراكون”، التي بُنيت في حوض بناء السفن بمدينة كيل شمال ألمانيا، ومن المتوقع تسليم هذه الغواصة للجيش الإسرائيلي في وقت لاحق من هذا العام.
ووصفت صحيفة “جيروزاليم بوست” هذه الغواصة بأنها تمتلك القدرة على تنفيذ هجمات نووية، فضلًا عن مهام تجسّس بحرية سرّية حول العالم.
وأظهرت التصريحات السياسية عقب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023 أن بعض المسؤولين الإسرائيليين لا يرون في السلاح النووي خيارًا أخيرًا فحسب، بل تحدّث بعضهم علنًا عن إمكانية استخدامه ضد مقاتلي حركة حماس في غزة.
وكان من أبرز هؤلاء وزير التراث السابق عاميحاي إلياهو، الذي أُوقِف لاحقًا عن العمل بعد مطالبته باستخدام السلاح النووي.
هذا ورفضت الحكومة البريطانية على مدار عقود الاعتراف العلني بامتلاك إسرائيل للسلاح النووي، رغم أن لندن نفسها ساعدت تل أبيب على بناء هذا البرنامج منذ بداياته.
وكانت بريطانيا قد صدّرت في أواخر خمسينيات القرن الماضي نحو 20 طنًا مما يُعرف بـ”الماء الثقيل” إلى إسرائيل، وهو مكوّن رئيس لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع القنابل النووية.
وكشف موقع “ديكلاسيفايد” في وقت سابق أن موظفين في وزارة الخارجية والدفاع البريطانية كانوا على قناعة منذ أكثر من 40 عامًا بأن إسرائيل طوّرت بالفعل ترسانة نووية.
وقدّمت بريطانيا دعمًا مباشرًا لتطوير القدرات البحرية الإسرائيلية، إذ حصلت تل أبيب على غواصات من طراز “S” البريطاني في أواخر الخمسينيات. واستخدمت إسرائيل هذه الغواصات في الحروب التي شنّتها لاحتلال جنوب لبنان في العقود التالية.
كما صُمّمت غواصات “غال” الإسرائيلية في حوض “فيكرز” البريطاني بالتعاون مع شركات ألمانية في سبعينيات القرن الماضي.
ويُعتقد أن إسرائيل تخزّن أسلحتها النووية المحمولة جوًّا في قاعدة “تل نوف” الجوية وسط البلاد.
كما أرسل سلاح الجو الإسرائيلي عام 2019 ست طائرات مقاتلة من طراز (F-15) من هذه القاعدة إلى بريطانيا للمشاركة في تدريب مشترك، ووصف مسؤول أميركي سرب المقاتلات بـ”السرب النووي الإسرائيلي”.
وأثار دعم بريطانيا للترسانة النووية الإسرائيلية انتقادات في الأوساط السياسية، لا سيما أن المملكة المتحدة كانت من أبرز المؤيدين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1995، والذي دعا لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
أبرز الشركات البريطانية المصدّرة للأسلحة الإسرائيلية
هذا وأظهرت بيانات الحكومة البريطانية أن خمس شركات بريطانية حصلت على تراخيص لتصدير معدّات عسكرية إلى إسرائيل، وهي: تروفلو مارين (Truflo Marine)، وتومسون فالفز (Thomson Valves) – التابعتان لمجموعة آي إم آي (IMI Group).
بالإضافة إلى شركات مثل: هونيويل كونترول سيستمز (Honeywell Control Systems)، وتينمات (Tenmat)، وهالي هاملتون فالفز (Hale Hamilton Valves)
وتُصنّع هذه الشركات صمامات وأجهزة هيدروليكية وقطعًا إلكترونية تُستخدم في أنظمة الغواصات.
وذكرت شركة آي إم آي (IMI) على موقعها أن صماماتها “توفّر تقنيات متطوّرة لتدفق المياه، وتُعدّ عاملًا حاسمًا في صناعة جميع الأنظمة الحيوية البحرية”.
وأكّدت شركة هالي هاملتون (Hale Hamilton) أن “95 في المئة من أساطيل الغواصات في العالم الغربي مزوّدة بصمامات وقطع من إنتاجها”.
وتُنتج شركة تينمات (Tenmat)، التي تتّخذ من مانشستر مقرًا لها، أنظمة متخصصة في الحماية من الحرائق، بينما تساهم هونيويل كونترول سيستمز (Honeywell Control Systems) – وهي جزء من مجموعة شركات أميركية – في برنامج تصميم غواصات جديدة لأستراليا ضمن إطار تحالف “أوكوس”.
وامتنعت معظم الشركات عن الرد على استفسارات موقع “ديكلاسيفايد” بشأن صادراتها إلى إسرائيل، باستثناء هالي هاملتون (Hale Hamilton)، التي قالت إنها لا تستجيب لاستفسارات وسائل الإعلام.
وتشير تقارير إلى أن شركات بريطانية كبرى مثل: إلبيت سيستمز (Elbit Systems)، بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)، بابكوك (Babcock) تساهم في تصدير معدّات تكنولوجية بحرية إلى إسرائيل.
كما تعمل هذه الشركات على تطوير الغواصات النووية البريطانية بالتعاون مع شركة رولز رويس (Rolls-Royce).
دعوات لوقف تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل
وصفت صوفي بولت، الأمينة العامة لحملة نزع السلاح النووي في بريطانيا، الدعم البريطاني للترسانة النووية الإسرائيلية بـ”المرعب”.
وأضافت بولت في تصريحات لموقع “ديكلاسيفايد”: “في الوقت الذي تقدّم فيه الحكومة البريطانية مساعدات عسكرية لإسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين، فإنها تسهم فعليًا في تطوير ترسانتها النووية الفتّاكة”.
ودعت بولت الحكومة البريطانية إلى وقف هذا “الدعم المتهور” لإسرائيل، مؤكّدةً أنه يشكّل انتهاكًا للقانون الدولي ويهدّد حياة شعوب المنطقة برمّتها، في ظل التوجّهات التوسعية لإسرائيل.
المصدر: Declassified
اقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇