الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر
تزداد المخاوف على حياة مئات الآلاف من المدنيين في مدينة الفاشر شمال السودان، بعد إعلان قوات الدعم السريع (RSF) سيطرتها على المدينة، التي كانت محاصرة لأكثر من عام ضمن الحرب الأهلية المستمرة منذ أبريل 2023. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد القتال وقطع طرق الهروب، ما يهدد بانفجار كارثة إنسانية واسعة.
أعلنت قوات الدعم السريع يوم الأحد أنها استولت على القاعدة العسكرية الرئيسية للجيش السوداني في الفاشر، مؤكدة أنها “مدّت سيطرتها على المدينة من قبضة المرتزقة والميليشيات”.
وردت المقاومة الشعبية، وهي ميليشيا محلية مؤيدة للجيش، بأن الجيش يتمركز في “مواقع أكثر تحصينًا”، وأن السكان ما زالوا “يقاومون في وجه الميليشيات الإرهابية”.
وحذّر توم فليتشر، المسؤول الإنساني بالأمم المتحدة، من تقدم المقاتلين وقطع طرق الهروب، مطالبًا بـ وقف فوري لإطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات آمنة للمدنيين الراغبين في المغادرة. وفي المقابل، أكدت قوات الدعم السريع التزامها بتوفير “ممرات آمنة لجميع من يرغب في الانتقال إلى مواقع أخرى، وحماية جميع الموجودين داخل المدينة”.
حرب السودان تستمر.. الفاشر تحت الحصار
تشهد السودان حربًا أهلية منذ أبريل 2023، بعد تصاعد صراع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع، امتد من العاصمة الخرطوم إلى معظم أنحاء البلاد. وعلى الرغم من استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم في مارس 2025، ما مكّن الكثير من السكان من العودة، استمر القتال في جنوب وغرب البلاد.
وفي مايو 2024، بدأت قوات الدعم السريع حصار الفاشر في دارفور الغربية، حيث أفادت الأمم المتحدة في أغسطس بأن أكثر من 600,000 شخص قد تهجروا، بينما ظل نحو 260,000 عالقين داخل المدينة وقطع عنهم الوصول إلى المساعدات.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي مقاتلي الدعم السريع وهم يحتفلون أمام ثكنات الفاشر التي تركها الجيش، فيما ظهرت مقاطع أخرى، لم يتم التحقق من صحتها بشكل مستقل، لعناصر القوات وهم يوبّخون مجموعة من الرجال المتهمين بالانتماء للجيش، وأخرى تظهر مركبات الدعم السريع وهي تطارد المدنيين الفارين.
ويحدّ انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت عبر أقمار ستارلينك من وصول المعلومات المستقلة من داخل المدينة، بينما أفاد بعض من تمكنوا من مغادرتها لقناة سكاي نيوز بأن قوات الدعم السريع قتلت بعض من حاولوا الفرار.
وفي سياق متصل، أعربت نقابة الصحفيين السودانيين عن قلقها البالغ إزاء اعتقال الصحفي معمر إبراهيم، بعد انتشار مقاطع فيديو تظهره محاطًا بمقاتلي الدعم السريع، مطالبةً بإطلاق سراحه فورًا ودون قيد أو شرط.
سيطرة الدعم السريع على دارفور وارتفاع أعداد الضحايا

إذا تأكدت السيطرة الكاملة لقوات الدعم السريع على الفاشر، فإن هذا يعني سيطرتها على جميع ولايات دارفور الخمس، وهو ما قد يمهّد لما يشبه تقسيم السودان فعليًا. ويقود هذه الميليشيا زعيمها محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، الذي أدى اليمين كرئيس للحكومة الموازية لقوات الدعم السريع في أغسطس الماضي بمدينة نيالا، وزاد من وتيرة الحصار على المدينة. وفي الشهر الجاري، أدت هجمات بطائرات مسيرة ومدفعية إلى استشهاد 60 شخصًا على الأقل في مأوى للنازحين بالفاشر.
واتهمت الحكومة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما نفته أبوظبي. وأشار تقرير تسريبي للأمم المتحدة في أبريل إلى “عدة رحلات جوية من الإمارات” حاولت تجنّب الرصد أثناء نقل أسلحة إلى قواعد في تشاد، حيث رُصد تهريب الأسلحة عبر الحدود إلى دارفور.
السودان تحت صراع الجيش والدعم السريع وتدخلات خارجية

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على خطورة التدخلات الخارجية في الحرب السودانية، محذرًا من أنها “تقوّض جهود الوصول إلى وقف لإطلاق النار وحل سياسي”. وقال: “الوضع لم يعد مشكلة سودانية فقط، فالجيش وقوات الدعم السريع يقاتلان بعضهما البعض بمساندة خارجية.”
واتهمت تقارير الأمم المتحدة كل من الجيش وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، لا سيما ضد المجموعات غير العربية في دارفور، حيث أظهرت عناصر القوات رغبتها في إجبار النساء على إنجاب “أطفال عرب”، بحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة في نوفمبر 2024.
وترجع جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيات الجنجويد العربية، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية بأوامر من الرئيس السابق عمر البشير في دارفور عام 2003، وقد أعلنت الحكومة الأميركية رسميًا في يناير أن القوات ارتكبت إبادة جماعية.
إن الوضع في الفاشر يعكس هشاشة المدنيين أمام الصراعات المسلحة والميليشيات، ويبرز حجم المخاطر التي يواجهها السكان بسبب الحصار وقطع طرق الهروب وغياب شبكات الاتصال المستقلة. السيطرة على المدينة من قبل قوات الدعم السريع تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية، وتفاقم معاناة السكان بشكل كبير.
كما توضح الأحداث مخاطر التدخلات الخارجية في النزاع، إذ تؤدي هذه التدخلات إلى استمرار الحرب وتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين. ويبرز الوضع الحاجة الملحة لتعزيز آليات حماية المدنيين في مناطق النزاع، والفصل بين العمليات العسكرية والنشاط الإنساني لضمان عدم استخدام المدنيين كورقة ضغط أو أهداف مباشرة في النزاعات المسلحة.
الحفاظ على حياة المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية يمثلان اختبارًا حقيقيًا للمجتمع الدولي في قدرته على حماية حقوق الإنسان، ويعكس أهمية الضغط الدولي على جميع الأطراف لوقف العنف وضمان الحماية الآمنة للمدنيين.
المصدر : الجارديان
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇
