الأمل رغم اليأس، والضوء رغم الظلام

في عمق التّجربة الإنسانيّة، يتربّص الألم كظلٍّ لا يغيب، ملازمٍ للوعي منذ لحظة الولادة وحتّى الرّمق الأخير.
الألم أحد أركان الحياة الخفيّة؛ ذاك الّذي يُصقل الأرواح ويهذّب النّفوس، ليكشف لها عن معدنها حين تضيق بها السُّبُل.
كلّنا ذقنا ذلك الطّعم المُرّ، حين تتكاثف خيبات العالم في نقطةٍ واحدة، فتنوء الرّوح تحت ثقل السّؤال: ما الجدوى؟ لماذا نستمرّ، إن كانت الحياة تردّ على أحلامنا بالصّمت، وعلى صلواتنا بالخواء؟ عند تلك الحافّة المظلمة من الشّعور، يولد اليأس كصرخةٍ وجوديّة، كأعمقِ شكلٍ من أشكال الإدراك: أنّ العالم لا يسير وفق رغباتنا، وأنّ العدالة لا تتجلّى بالضّرورة في كلّ آن.
ومع ذلك، يحدث شيءٌ لا يمكن تفسيره بالعقل وحده. ففي ذروة العتمة، حين نظنّ أنّنا على وشك الانطفاء، ينبثق نورٌ صغيرٌ من داخلنا. قد لا يكون هذا النّور مخرجًا فوريًّا أو خلاصًا عجيبًا، لكنّه إشارة، ومضةٌ تقول: “ما زال فيك شيءٌ لم يُهزم بعد”. وربّما هنا تكمن المعجزة الحقيقيّة: أن نستمرّ رغم كلّ ما انكسر، أن ننهض رغم أنّ دواخلنا أنهكتها السّقوطات.
بلحظةٍ، يصبح الألم معلّمًا، وحين نصغي إليه، لنتحوّل ممّا نحن فيه…
في المقابل، الظّلام امتحانٌ لصبرنا على البحث عن النّور، واللّيل مقدّمةٌ لصبحٍ يتأخّر، لكنّه لا يغيب.
فكم من نفوسٍ ظنّت أنّها انتهت، فإذا بها تُبعث من جديدٍ في صورةٍ أقوى، أعمق، أنقى؟ وكم من الأرواح خرجت من اليأس وهي تحمل وهجًا لا يصدر إلّا عن مَن مرّ في الجحيم وعاد بشعلةٍ؟
الضّوء لا قيمة له لمن لم يذق طعم الظّلام، والرّاحة لا تُفهم إلّا ممّن عرف الألم. فليست الحياة في كثرة النّعيم، إنّما في القُدرة على إدراك النّعمة، حتّى لو كانت قطرةً وسط صحراء، أو نجمةً في فضاءٍ دامس.
إنّنا لا نُولد لنعيش في سكينةٍ دائمة، نُولد لنكتشف، في عواصف الحياة، قوّتنا وقدرتنا على النّجاة، وفي عمق الألم، حكايتنا الحقيقيّة.
فربّما، حين نفهم أنّ الألم لا يناقض الحياة، بل يمنحها معناها، نكفّ عن الهرب، ونبدأ الرّحلة: من داخلنا، إلى أنفسنا، نحو النّور.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة