للمرة الأولى.. الأطباء والطبيبات من الأقليات العرقية يشكلون الأغلبية في بريطانيا

أظهرت بيانات حديثة صادرة عن المجلس الطبي العام أن الأطباء والطبيبات من الأقليات العرقية باتوا يشكلون الأغلبية في قطاع الطب في بريطانيا، كما تجاوز عدد الطبيبات عدد الأطباء الذكور لأول مرة.
ويأتي هذا التحول الديموغرافي في ظل تزايد الوعي بأهمية التنوع في المجال الطبي وتأثيره الإيجابي على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.
من تمثيل ضعيف إلى قيادة المشهد الطبي
منذ أن أصبحت إليزابيث جاريت أندرسون أول امرأة بريطانية تحصل على ترخيص لممارسة الطب في عام 1865، خاضت النساء رحلة طويلة للوصول إلى المساواة المهنية مع الرجال في هذا المجال.
واليوم، تؤكد الأرقام الرسمية أن عدد الطبيبات المسجلات لممارسة المهنة بلغ 164,440 طبيبة (50.04%) مقارنة بـ 164,195 طبيبًا (49.96%)، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في التوازن بين الجنسين داخل المهنة.
ولم يقتصر التحول على الجانب الجندري فحسب، بل شمل أيضًا التنوع العرقي، حيث أظهرت البيانات أن الأطباء من خلفيات سوداء وآسيوية وأقليات عرقية أخرى أصبحوا يشكلون الأغلبية في المهنة، وهو ما يعد إنجازًا كبيرًا بالنظر إلى التحديات التي واجهتها هذه الفئات في الماضي، سواء من حيث فرص التعليم أو الترقية داخل القطاع الصحي.
انعكاسات إيجابية على جودة الرعاية الصحية
يرى الخبراء أن هذا التحول الديموغرافي سيساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة، لا سيما في ظل التفاوتات الصحية التي يعاني منها المرضى من الأقليات العرقية والنساء.
فقد أظهرت عدة دراسات أن التنوع في الفرق الطبية يؤدي إلى نتائج علاجية أفضل، حيث يميل المرضى إلى الحصول على رعاية أفضل عندما يكون طبيبهم من خلفية ثقافية أو عرقية مشابهة لهم.
وفي هذا السياق، أكدت البروفيسورة سكارليت ماكنالي، رئيسة اتحاد الطبيبات والجراحة، أن “الفرق الطبية المتنوعة تعمل بشكل أكثر كفاءة، لأنها توفر بيئة تشجع على تبادل الأفكار وطرح الأسئلة وتقديم الاقتراحات”، مشيرة إلى أن وجود عدد أكبر من الطبيبات قد يساهم في تحسين مستوى الرعاية الصحية للنساء.
كما أظهرت دراسة أجريت على أكثر من 1.2 مليون مريض أن المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية على يد طبيبات كانوا أقل عرضة للمضاعفات والحاجة إلى رعاية متابعة مقارنة بأولئك الذين خضعوا للجراحة على يد أطباء رجال.
فيما كشفت دراسة أخرى أن فرق الجراحة التي تضم عددًا أكبر من الطبيبات تحقق نتائج علاجية أفضل.
تحديات مستمرة رغم التقدم
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه النساء والأطباء من الأقليات العرقية في القطاع الطبي.
فعلى سبيل المثال، لا يزال التوازن بين الجنسين غير متحقق في جميع التخصصات الطبية، حيث تمثل النساء 63% من العاملين في تخصص التوليد وأمراض النساء، و61% في طب الأطفال، و58% في الطب العام، إلا أن نسبة الطبيبات في تخصص الجراحة لا تزال منخفضة عند 35%، كما انخفضت نسبة الطبيبات في طب العناية المركزة من 41% في عام 2019 إلى 34% في عام 2023.
وترى البروفيسورة ماكنالي، رئيسة اتحاد الطبيبات والجراحة، أن طبيعة التدريب الطويلة والشاقة في بعض التخصصات، مثل الجراحة، تشكل عائقًا أمام العديد من الطبيبات، خاصة في الفترة التي تتزامن مع رغبتهن في تأسيس عائلة.
وأشارت إلى دراسة أمريكية وجدت أن معدل الإجهاض بين الطبيبات الجراحات يصل إلى 42%، ما يعكس الضغوط الهائلة التي تواجهها النساء في هذا المجال.
وقالت ماكنالي: “نحن نعمل وفق جداول مناوبات قاسية ونتنقل لمسافات طويلة، ما يجعل من الصعب على الطبيبات التوفيق بين حياتهن المهنية والأسرية. لا يزال نموذج تقديم الرعاية الصحية في بريطانيا يعمل وكأنه في الخمسينيات من القرن الماضي، وهناك حاجة ماسة لإدخال إصلاحات تدعم الطبيبات خلال السنوات الحاسمة من حياتهن المهنية”.
التمثيل العرقي لا يعني بالضرورة المساواة في الفرص
ورغم أن البيانات الحديثة أظهرت ارتفاع نسبة الأطباء من الأقليات العرقية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم يحصلون على فرص متكافئة مع زملائهم البيض.
فقد أشار تقرير صادر عن معهد الدراسات المالية إلى أن نسبة الأطباء السود في المناصب الاستشارية لا تزال منخفضة عند 3%، رغم أن نسبتهم في السكان القادرين على العمل تبلغ 5%، كما أن 1% فقط من الأطباء الاستشاريين المدربين في بريطانيا هم من السود.
وفي هذا الصدد، حذر البروفيسور حبيب نقفي، الرئيس التنفيذي لمرصد العرق والصحة التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، من أن زيادة تمثيل الأقليات العرقية بين الأطباء لا تعني بالضرورة تحقيق المساواة الكاملة في الفرص الوظيفية.
وقال: “التنوع لا يعني دائمًا الإدماج، فبينما نشهد تقدمًا في بعض الجوانب، لا يزال الأطباء من بعض الخلفيات العرقية أقل عرضة للترقية، وأكثر عرضة لمواجهة إجراءات تأديبية رسمية، كما أنهم أكثر عرضة للإبلاغ عن تعرضهم للتنمر أو المضايقات”.
مستقبل القطاع الطبي في ظل التحولات الديموغرافية
مع استمرار هذه التغيرات في القطاع الطبي البريطاني، هناك توقعات بأن تؤدي إلى مزيد من التحسينات في جودة الرعاية الصحية والتقليل من الفجوات الصحية التي يعاني منها المرضى من الأقليات العرقية والنساء.
وتشير الأبحاث إلى أن وجود أطباء وطبيبات من خلفيات متنوعة يساهم في تقديم رعاية أكثر شمولية وتأخذ بعين الاعتبار الفروقات الثقافية والاجتماعية للمرضى.
وتأمل الدكتورة لولا سوليبو، استشارية طب العيون في مستشفى “جريت أورموند ستريت” وباحثة في جامعة كلية لندن، أن يؤدي هذا التنوع إلى تحسين الصحة العامة، قائلة: “التنوع بين الأطباء له تأثير إيجابي على الحد من الفجوات الصحية. وآمل أن يؤدي هذا التغيير في القوى العاملة إلى تسليط الضوء على القضايا الصحية التي تهم النساء والأطفال”.
وفي ظل هذه التغيرات، يتزايد الضغط على المؤسسات الطبية في بريطانيا لاتخاذ خطوات جادة نحو تعزيز بيئة عمل أكثر إنصافًا، وتوفير فرص متساوية للنساء والأطباء من الأقليات العرقية، بحيث لا يكون التمثيل العددي وحده هو المعيار، بل أن يرافقه تحسينات فعلية في بيئة العمل والترقيات والمساواة في الفرص.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇