كشفت تحقيقات حديثة عن تداعيات أزمة تراكم القضايا في المحاكم البريطانية، التي تدفع بالسجناء في انتظار المحاكمة إلى الاعتراف بالذنب لتسريع إطلاق سراحهم.
وأشارت التقارير إلى أن المتهمين قد ينتظرون سنوات طويلة خلف القضبان قبل عرض قضاياهم أمام المحاكم، مما يهدد نزاهة النظام القضائي ويؤثر على حقوق الأفراد.
نظام قضائي منهك
صرح تشارلي تايلور، كبير مفتشي السجون في إنجلترا وويلز، بأن أكثر من 17 ألف سجين على ذمة المحاكمة يواجهون فترات انتظار تصل إلى خمس سنوات لعرض قضاياهم أمام المحاكم. وفي لقاء مع صحيفة “الجارديان”، أوضح أنه التقى سجناء في سجن هيول جنوب برمنغهام، بينهم شخص قضى ثلاث سنوات في الحبس الاحتياطي، وينتظر محاكمة مبدئية مقررة بعد عام آخر، ما يعني أنه سيقضي أربع سنوات قبل النظر في قضيته.
وأشار تايلور إلى أن الجمع بين تراكم القضايا القضائية وسوء ظروف السجون يؤدي إلى ضغوط هائلة على النظام والسجناء. وأضاف: “السجناء على ذمة المحاكمة أكثر عرضة للعنف والانتحار مقارنة بالسجناء الآخرين، ويتم احتجازهم غالبًا في سجون مكتظة تعود إلى الحقبة الفيكتورية، حيث يتقاسم اثنان أو أكثر زنزانات صُممت لفرد واحد.”
الاعتراف بالذنب للخروج من السجن
كشف أدريان آشر، مفوض السجون والمراقبة في إنجلترا وويلز، أن بعض السجناء يغيرون أقوالهم إلى الاعتراف بالذنب بناءً على نصائح قانونية تضمن إطلاق سراحهم الفوري. وقال آشر: “التقيت بسجناء ينتظرون المحاكمة منذ ثلاث أو أربع سنوات، وأُبلغوا أن الإقرار بالذنب يعني الإفراج المباشر عنهم، لأن مدة احتجازهم تجاوزت مدة العقوبة المتوقعة.”
وأكد أن هذا الوضع يضع الأبرياء أمام خيار صعب: البقاء لفترة طويلة في الحبس الاحتياطي، أو الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها لإنهاء معاناتهم.
أوضح مارتن جونز، كبير مفتشي المراقبة، أن تأخيرات المحاكم تُخلّف آثارًا سلبية على الضحايا والجناة على حد سواء. وقال: “الضحايا يشعرون بالإحباط من تأخير تحقيق العدالة، بينما تُقوض هذه التأخيرات فعالية العقوبات الإصلاحية، مما يؤدي إلى عودة الجناة إلى السجون بسرعة.”
وأشار جونز إلى أن نقص الوقت المتاح لإعداد تقارير ما قبل النطق بالحكم يحد من فرص التأهيل وإعادة الإدماج، مما يضاعف من آثار أزمة تراكم القضايا.
دعوات لإصلاح جذري
دعا المراقبون إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من حدة الأزمة، بما في ذلك تمديد ساعات عمل المحاكم لتسريع النظر في القضايا. وقال آشر: “لدينا مبانٍ قضائية فارغة لساعات طويلة يوميًا. مع توفير الموارد اللازمة، يمكننا استغلالها لمعالجة التراكم وتخفيف الضغط على السجون.”
أكد متحدث باسم وزارة العدل أن الحكومة الحالية “ورثت نظامًا قضائيًا يعاني من أزمة تاريخية، مع تراكم غير مسبوق للقضايا”. وأشار إلى اتخاذ خطوات مبدئية لمعالجة الوضع، منها زيادة صلاحيات المحاكم المحلية لتخفيف الضغط على السجون وتسريع تقديم العدالة للضحايا.
يظل السؤال الأهم: كيف يمكن لنظام قضائي مُثقل بالتأخيرات أن يحقق العدالة للأبرياء والضحايا على حد سواء؟ وبينما تستمر الجهود لإصلاح النظام، تبقى القصص الفردية للسجناء والضحايا شاهدة على حجم الأزمة وتداعياتها الإنسانية والقانونية.