استقالة مستشار في الخارجية بسبب “التواطؤ في جرائم الحرب في غزة”

في أغسطس 2024، قرر مارك سميث، الدبلوماسي البريطاني السابق والمستشار في وزارة الخارجية، الاستقالة من منصبه احتجاجًا على استمرار مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل، رغم الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على غزة. ولم يكن قرار استقالته مفاجئًا، فقد أمضى أكثر من عام محاولًا إقناع الحكومة بوقف هذه المبيعات دون جدوى.
وأحدثت استقالته ضجة إعلامية، وبعد أسابيع فقط، أعلنت حكومة حزب العمال تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل. لكن يرى سميث أن القرار جاء متأخرًا جدًا، فالمجازر لم تتوقف، والموقف البريطاني ظل متواطئًا، متسترًا خلف مبررات قانونية واهية.
كيف تتلاعب بريطانيا بالقانون لحماية “حلفاءها”؟
خلال سنوات عمله في وزارة الخارجية، شهد سميث كيف تتلاعب الحكومة بالنصوص القانونية لتبرير دعم دول متهمة بارتكاب جرائم حرب.
فالقوانين واضحة: يجب وقف مبيعات الأسلحة إذا كان هناك “خطر واضح” من استخدامها في انتهاكات لحقوق الإنسان. لكن على أرض الواقع، يتم الالتفاف على هذه القوانين عبر التلاعب بالتقارير، وتأجيل اتخاذ القرارات، وإخفاء الأدلة.
ويقول سميث إن دوره كان جمع المعلومات عن سلوك الحكومات الأجنبية في النزاعات المسلحة، وتقديم تقارير تستند إلى الأدلة حول مدى التزامها بالقانون الدولي. لكن ما حدث هو العكس تمامًا، إذ تعرض لضغوط مباشرة من كبار المسؤولين لـ”إعادة التوازن” إلى تقاريره، أي التخفيف من خطورة الأدلة ضد الدول المستوردة للأسلحة، والتركيز على “التقدم الدبلوماسي”.
السعودية واليمن: انتهاكات موثقة وصمت رسمي

وإحدى أكثر القضايا التي صدمته كانت مبيعات الأسلحة إلى السعودية خلال حملتها العسكرية على اليمن. فكانت الحكومة البريطانية على دراية كاملة بأن الضربات الجوية السعودية تسببت في قتل آلاف المدنيين. ولكن بدلًا من اتخاذ إجراءات جدية، اختارت الحكومة البريطانية البحث عن مخرج قانوني؛ فلجأت إلى تأجيل التقارير، والمطالبة بمعلومات إضافية غير ضرورية، واتباع استراتيجية “نحتاج إلى مزيد من الأدلة”، ما سمح باستمرار تدفق الأسلحة رغم المجازر المستمرة.
إسرائيل وغزة: ازدواجية المعايير في أوضح صورها
لكن إذا كانت قضية السعودية صادمة، فإن ما حدث مع إسرائيل كان أكثر خطورة. فبينما كانت قوات الاحتلال تمطر غزة بالقنابل، متسببة في مقتل آلاف المدنيين، كانت بريطانيا تواصل تزويدها بالسلاح، متذرعة بحجج قانونية واهية.
ويقول سميث إنه خلال الحرب الأخيرة على غزة، وبينما كان يعمل دبلوماسيًا في دبلن، حاول الاستفسار عن الأساس القانوني لمبيعات الأسلحة لإسرائيل. لكن لم يجبه أحد. فلم يُردّ على رسائله، وتم تحذيره من توثيق أي اعتراض كتابيًا. بل وصل الأمر إلى إصدار أوامر مباشرة له بحذف المراسلات، والالتزام بالتصريحات الرسمية، وعدم إثارة أي تساؤلات حول شرعية هذه المبيعات.
يقول سميث: “كان واضحًا أن لا أحد يريد الإجابة عن السؤال الأساسي: كيف يمكن أن تكون مبيعات الأسلحة إلى إسرائيلقانونية؟”
الموقف البريطاني أمام لحظة الحقيقة

اليوم، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، يقف العالم أمام مأساة غير مسبوقة. إسرائيل، مدعومة من أقرب حلفاء بريطانيا، تتجه نحو تنفيذ مخطط تطهير عرقي، يسعى لتهجير 2.1 مليون فلسطيني من القطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
في مواجهة ذلك، يوجه سميث نداءً إلى زملائه السابقين في وزارة الخارجية، مطالبًا إياهم بعدم التواطؤ:
“لا تصادقوا على تقارير تبرئ جرائم الحرب. لا تساهموا في طمس الحقائق. ما يحدث ليس دفاعًا عن النفس، بل عقابجماعي وجريمة إبادة. لقد حان الوقت لكسر الصمت، والمطالبة بالمحاسبة، قبل أن يصبح التواطؤ البريطاني أمرًا لا يمكن غفرانه.”
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇