استطلاع: المعلومات المضللة حول المهاجرين تزيد من معاداتهم

تتأثر التصورات العامة حول الهجرة إلى بريطانيا بشكل كبير بالاعتقاد السائد بأن معظم الوافدين الجدد يصلون إلى البلاد بطريقة “غير قانونية”. وبينما تركز معظم استطلاعات الرأي على أعداد المهاجرين، نادرًا ما تسلط الضوء على الرغبة المتزايدة في ترحيل أعداد كبيرة منهم، وليس فقط تقليص تدفقهم.
أحد من يحمل هذا التوجه هو روبرت لو، الذي دخل في خلاف علني مع نايجل فاراج خلال فترة وجيزة من توليه منصب نائب له في حزب الإصلاح البريطاني. فقد ادعى فاراج أن ترحيل مئات الآلاف من الأشخاص أمر غير قابل للتحقيق سياسيًا.
لكن استطلاعًا جديدًا أجرته مؤسسة YouGov، اختبر مواقف البريطانيين تجاه سيناريوهات هجرة متعددة، كشف أن 45% من المستطلعة آراؤهم يدعمون “وقف دخول أي مهاجرين جدد، وإلزام عدد كبير من المهاجرين الذين دخلوا البلاد خلال السنوات الأخيرة بمغادرتها”. وترتفع هذه النسبة إلى 86% بين ناخبي حزب الإصلاح البريطاني، كما تشمل أيضًا أقلّيات معتبرة من ناخبي حزبي العمال والليبراليين الديمقراطيين (27% لكل منهما).
مفاهيم خاطئة تغذي معاداة الهجرة رغم تفوق المهاجرين القانونيين في بريطانيا
يبدو هذا الموقف مفاجئًا، خاصة في ظل تصدّر ملف الهجرة للأجندة العامة والسياسية. لكن تحليلًا أعمق يكشف أن نسبة كبيرة من هذا العداء الظاهري تنبع من تصورات مغلوطة، أبرزها الاعتقاد بأن الهجرة إلى بريطانيا تجري بمعظمها بطرق “غير قانونية”.
فوفقًا لدراسات حديثة، يرى 47% من البريطانيين أن عدد المهاجرين غير القانونيين يفوق عدد أولئك الذين دخلوا البلاد بطرق قانونية، ويعتقد 32% أن هذا الفارق “كبير للغاية”. وتزداد هذه النسبة لتصل إلى 72% بين مؤيدي الترحيلات الجماعية.
ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين غير القانونيين يتراوح بين 120,000 و 1.3 مليون شخص، بحسب زياد يوسف من حزب الإصلاح البريطاني ، التي قدّر الرقم بـ 1.2 مليون. وعلى الرغم من ذلك، يبقى هذا الرقم أقل بكثير من عدد المهاجرين المقيمين بطرق قانونية، إذ تشير بيانات تعداد 2021/2022 إلى وجود نحو 10.7 مليون شخص مولود خارج بريطانيا.
تباين الدعم الشعبي لترحيل المهاجرين يعكس تصورات متناقضة تجاه فئات مختلفة
حين يُضخَّم عدد المهاجرين غير القانونيين إلى درجة تزعزع شرعية الأغلبية، يصبح تأييد الترحيل مرتبطًا بسوء الفهم أكثر من كونه موقفًا محسوبًا. وعند فحص مواقف مؤيدي الترحيل الجماعي تجاه فئات مختلفة من المهاجرين، تظهر مفارقات لافتة:
- 91% منهم يدعمون ترحيل طالبي المساعدات.
- 90% يؤيدون ترحيل المهاجرين القادمين عبر القوارب الصغيرة.
- 85% يدعمون ترحيل العاملين بدون تأشيرات.
لكن الدعم يضعف بشكل كبير تجاه فئات أخرى:
- 39% فقط يؤيدون ترحيل طالبي اللجوء الذين دخلوا بطرق قانونية.
- 26% يؤيدون ترحيل العاملين في قطاعات تعاني من نقص في المهارات.
- 19% فقط يرغبون في ترحيل الأطباء، و 20% للممرضين.
وعند حساب هذه النسب على مستوى عموم الجمهور، يتبيّن أن:
- 38% يؤيدون ترحيل القادمين عبر القوارب أو للمساعدات.
- 36% ضد من يعملون دون تأشيرات.
وبالمقابل، تنخفض النسبة إلى 16% في ما يتعلق بطالبي اللجوء الذين حصلوا على وضعهم القانوني عبر الإجراءات الرسمية، و 11% بالنسبة للعاملين في القطاعات التي تعاني من نقص في المهارات، بينما لا تتجاوز 8% عندما يتعلق الأمر بالأطباء والممرضين.
انقسامات بريطانية حول الهجرة بين الاقتصاد والسياسات الإنسانية
كشف سؤال مستقل أوسع حول مواقف الجمهور تجاه مجموعات مختلفة من المهاجرين عن نتائج مماثلة، حيث تتراجع نسبة السلبية بين مؤيدي الترحيل الجماعي من 93% تجاه مهاجري القوارب الصغيرة إلى 44% تجاه المهاجرين الذين يأتون بطرق قانونية للعمل، و26% تجاه الطلاب الأجانب.
لكن إلى أي مدى تستمر الرغبة في تقليص الهجرة عند مواجهة مقايضات اقتصادية؟
فإزالة المهاجرين لا تتم في فراغ، إذ هناك أجانب يعملون في قطاعات تعاني بريطانيا من صعوبات في شغل وظائفها الشاغرة. وفي الدراسة، طُرحت على الجمهور عدة مقايضات، طلب منهم فيها الاختيار بين تقليص الهجرة القانونية رغم آثاره السلبية المحتملة، أو اختيار بدائل تحقق مكاسب اقتصادية أكبر، حتى وإن استدعى ذلك ارتفاع أعداد المهاجرين القانونيين.
وفي كل السيناريوهات، مال البريطانيون إلى تفضيل الخيارات ذات الفائدة الاقتصادية؛ إذ أيد ستة من كل عشرة استقدام عدد كافٍ من العمال لسد نقص المهارات بدلاً من تقليص الهجرة القانونية، كما اختار 59% جذب “الأفضل والأنجب” إلى بريطانيا، بينما سجل 52% نفس الخيار بهدف “تحسين اقتصاد بريطانيا”، وفضل 41% زيادة عدد دافعي الضرائب، مقارنة بأقل من 30% اعتبروا تقليص الهجرة القانونية أولوية قصوى.
علاوة على ذلك، قال 67% من البريطانيين إن ضمان توفير كوادر كاملة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، حتى لو تطلب ذلك زيادة في الهجرة القانونية، هو الخيار الأمثل مقارنة بالعكس.
ورغم أن هذه القضية لا تُعد مقايضة اقتصادية مباشرة، فإن الجمهور أيضاً أبدى ميلاً أكبر لتفضيل الالتزام بالالتزامات الإنسانية والقانونية الدولية لبريطانيا، حتى وإن استدعى ذلك زيادة في أعداد المهاجرين القانونيين (44%)، مقارنة بمن يفضلون كسر هذه الالتزامات بهدف تقليص تدفقات الهجرة.
ومن بين هذه السيناريوهات، برزت قضية طواقم NHS كالحالة الوحيدة المؤثرة بين مؤيدي الترحيل الجماعي، حيث صرح 29% منهم بأن تقليص الهجرة القانونية يجب أن يكون أولوية حتى لو أدى ذلك إلى نقص في خدمات هيئة الخدمات الصحية الوطنية، مقابل 47% فضلوا الحفاظ على مستوى الخدمة الصحية.
بخلاف ذلك، تنقسم هذه المجموعة بالتساوي عندما تتعلق المقايضات بنقص المهارات وجذب الأفضل، حيث يميلون أكثر إلى تفضيل تقليص الهجرة حتى لو أدى ذلك إلى تدهور الوضع الاقتصادي أو انخفاض عدد دافعي الضرائب في بريطانيا. كما يفضّل معظمهم مخالفة الالتزامات الإنسانية الدولية القانونية بهدف تقليل أعداد المهاجرين.
التمييز بين الهجرة القانونية وغير القانونية يشكل وجهات نظر متباينة في بريطانيا
نظرًا لانتشار الاعتقاد بأن الهجرة إلى بريطانيا تتم بشكل أساسي عبر طرق غير قانونية، من الضروري إعادة النظر في المواقف العامة تجاه الهجرة عند التمييز بين نوعَي المهاجرين.
تشير المؤشرات الرئيسية لاستطلاعات YouGov حول الهجرة إلى سؤالين أساسيين:
أ- هل كان مستوى الهجرة إلى بريطانيا خلال السنوات العشر الماضية مرتفعًا جدًا؟ (غالبية المستطلعين يجيبون بنعم)
ب- هل كان مستوى الهجرة خلال تلك الفترة جيدًا أم سيئًا للبلاد؟ (غالبية منهم يرون أنه كان سيئًا).
لكن عند السؤال بشكل منفصل عن “الهجرة غير القانونية” و”الهجرة القانونية”، تظهر فروق واضحة في الردود. إذ يرى 79% من البريطانيين أن الهجرة غير القانونية كانت مرتفعة جدًا، وهي نسبة تفوق بكثير 48% الذين يعتقدون أن مستوى الهجرة القانونية كان مرتفعًا جدًا. ومع ذلك، يظهر مستوى ملحوظ من الشك، إذ يقول 29% فقط إن مستوى الهجرة القانونية كان “مناسبًا تقريبًا”، و8% فقط يعتبرونه منخفضًا جدًا.
فيما يتعلق بتقييم تأثير الهجرة على بريطانيا، ترى الغالبية أن الهجرة غير القانونية كانت سيئة للبلاد (66%). في المقابل، تقل هذه النظرة السلبية لتصبح أقلية تجاه الهجرة القانونية؛ إذ يرى 22% فقط أنها كانت سيئة، بينما ينقسم الباقون بين اعتبارها جيدة إلى حد كبير (36%) أو مزيجًا من الجيد والسيئ (33%).
ولم نتوقف عند هذا الحد، بل راجعنا آراء البريطانيين حول تأثير الهجرة على حياتهم اليومية في 10 مجالات مختلفة.
في كل هذه المجالات، كانت الاستجابات الصافية تجاه الهجرة غير القانونية سلبية، مع تفاوت في شدتها، حيث كانت أقلها سلبية في الرياضة (-15) والطعام (-25)، وأكثرها سلبية في الجريمة (-69) والسكن (-72). أما بالنسبة للمهاجرين القانونيين، فالتقييم أكثر تعقيدًا، إذ حصلوا على ردود إيجابية صافية في الرياضة (+15)، والطعام (+13)، والاقتصاد (+5)، إلا أن السلبية لا تزال واضحة في مجال السكن (-41).
القلق من انعدام مشاركة المهاجرين في القيم البريطانية واضح أيضًا، إذ يشعر 69% من البريطانيين أن المهاجرين غير القانونيين لا يشاركونهم نفس القيم، بينما يقول 43% الشيء نفسه عن المهاجرين القانونيين، وهو رقم أعلى بكثير من 32% الذين يختلفون معهم.
وبالمثل، يعتقد نحو 73% أن المهاجرين غير القانونيين لا يندمجون بنجاح في المجتمع البريطاني، في حين ينقسم الرأي بشأن المهاجرين القانونيين، إذ يرى 43% أنهم يندمجون، مقابل 41% يرون العكس.
ورغم أن عدد المهاجرين القانونيين يفوق بشكل كبير غير القانونيين، إلا أن هذا لا يعني أن المشكلة ستختفي بمجرد وعي الجمهور بهذه الحقيقة.
فالعديد من البريطانيين يرون أن الهجرة القانونية كانت مرتفعة جدًا أيضًا، والمخاوف التي يحملها الجمهور تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية التي تُستخدم عادةً لتبرير الهجرة. ومن ثم، فإن أي محاولة لمعالجة القضية يجب أن تأخذ في الاعتبار القلق العميق المرتبط بالهوية، والاندماج، والتآكل المزعوم للقيم الوطنية المشتركة.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK) :
إنّ نتائج هذا التقرير تسلّط الضوء على الفجوة المتنامية بين الانطباعات العامة والواقع الفعلي للهجرة في بريطانيا. فرغم أن الأغلبية الساحقة من المهاجرين يقيمون بطرق قانونية، فإن التصورات المغلوطة تغذي مشاعر العداء، وتؤثر على المواقف السياسية والاجتماعية.
في وقت يشهد تصاعدًا في الخطاب المناهض للهجرة، تُصبح الحاجة أكثر إلحاحًا لفهم الوقائع القائمة بدلًا من الانجرار وراء الانطباعات. فالهجرة ليست فقط قضية أمنية أو سكانية، بل عامل محوري في استمرار الخدمات العامة ونمو الاقتصاد.
هل تعتقد أن الصورة العامة للهجرة إلى بريطانيا تعكس الواقع الحقيقي؟
وما دور الإعلام والسياسة في تشكيل هذه التصورات؟
شاركونا آراءكم في التعليقات.
المصدر : مؤسسة YouGov
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇