ازدواجية المعايير: بين غزة ولوس أنجلوس وأوكرانيا

بينما تُباد غزة وتُمسح عائلات بأكملها من السجل المدني، ويُمنع عن أطفالها الغذاء والدواء، ويُعتقل الأطباء والمرضى، وتنهش الكلاب الجثث الملقاة على الأرض، يقف العالم متفرجًا دون أن يحرك ساكنًا. هذا المشهد المؤلم يتكرر يوميًا في غزة، حيث يمارس الاحتلال أبشع أشكال الإبادة والتطهير العرقي وسط صمت دولي مخزٍ. وفي الوقت ذاته، نشهد استنفارًا دوليًا للتعامل مع أزمات أخرى، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وحرائق لوس أنجلوس، ما يكشف عن ازدواجية المعايير التي يتبناها المجتمع الدولي في تعامله مع الأزمات الإنسانية.
لا نريد الشماتة في مصائب الآخرين، فهذه الممارسة تتنافى مع القيم الإنسانية والأخلاقية التي يدعونا الإسلام إلى اتباعها، حيث نكره الظلم والاعتداء ولكننا لا نكره الأشخاص الذين يتعرضون للمصائب. لذا، إن المقارنة التي نتحدث عنها تهدف إلى كشف الظلم والتأكيد على ضرورة تحقيق العدالة، وليس للتشفي أو الابتهاج بمآسي الآخرين.
عندما تعرضت أوكرانيا للغزو الروسي، شهدنا ردود فعل سريعة وقوية من المجتمع الدولي، حيث فُرضت عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، إلى جانب تقديم دعم عسكري واقتصادي هائل لأوكرانيا. الإعلام الغربي كان حاضرًا بقوة، مسلطًا الضوء على معاناة الشعب الأوكراني وداعيًا العالم للتضامن معهم. هذا التعاطف العالمي كان ملموسًا من خلال حملات الدعم و تسليط الضوء على قصص اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا بحثًا عن الأمان.
في المقابل، نجد أن الإبادة التي يقوم بها الاحتلال في غزة، رغم قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي تصف ما يجري بالإبادة والتطهير العرقي، لا تحظى بنفس الاهتمام أو الاستجابة الدولية. الإبادة التي تتسم بالقصف المستمر، والحصار الخانق، والتدمير المنهجي للبنية التحتية، لا تلقى سوى ردود فعل محدودة من المجتمع الدولي، الذي غالبًا ما يكتفي بالصمت أو إصدار بيانات شجب غير ملزمة. في العديد من الحالات، يُبرر العنف ضد الفلسطينيين تحت ذرائع مثل “الدفاع عن النفس”، بينما يُغض الطرف عن الفظائع والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحق السكان المدنيين. هذا التفاوت في التعامل يثير تساؤلات حول مدى التزام المجتمع الدولي بمبادئ حقوق الإنسان، التي يُفترض أنها عالمية وغير قابلة للتجزئة.
وبالمثل، فإن التعامل مع الكوارث الطبيعية يبرز هذه الازدواجية في المعايير. عندما اندلعت الحرائق في لوس أنجلوس، استنفرت الموارد المحلية والدولية بسرعة، حيث غطى الإعلام الغربي الحدث بتفصيل واهتمام بالغين، مسلطًا الضوء على الخسائر المادية التي لحقت بالأثرياء والمشاهير في المنطقة. لقد شهدنا تعاطفًا كبيرًا مع الضحايا، ودعوات للمساعدة في إعادة بناء ما دمرته الحرائق. على النقيض، عندما تتعرض غزة للقصف ويُدمر آلاف المنازل، ويُشرد الآلاف من السكان، نادرًا ما نشهد تحركًا دوليًا مماثلاً. غالبًا ما يُترك سكان غزة لمواجهة مصيرهم وحدهم، معزولين عن العالم، في واقع من الدمار واليأس.
هذا التناقض في الاستجابة يعكس ازدواجية واضحة في المعايير. نحن لا نبحث عن تمني الكوارث للآخرين، بل نسعى لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. نحن لا ننتظر أن تأتي العدالة الإلهية على شكل كوارث تحل بالآخرين، مثل الحرائق أو الكوارث الطبيعية. هذه الكوارث تؤدي إلى خسائر مادية وبشرية هائلة، لكنها ليست الطريقة التي نرغب في رؤية العدالة تتحقق بها.
نطمح إلى ملاحقة مجرمي الحرب، وعودة الحقوق إلى أصحابها، وطرد الغزاة وعملائهم من ديارنا المحتلة.
ازدواجية المعايير ليست قضية فلسطينية فحسب، بل هي قضية عالمية تتعلق برفض تحول هذا العالم لشريعة الغاب، وتشجيع تفاعل المجتمع الدولي مع القضايا الإنسانية. فهل ما زال ممكنا وجود موقف موحد ضد الظلم، بغض النظر عن المكان أو الأشخاص المتورطين. إن العدالة الحقيقية تتطلب الشجاعة لمواجهة الحقائق، ومحاكمة المجرمين، وإعادة الحقوق إلى أصحابها. هذه ليست دعوة للانتقام، بل دعوة لبناء مستقبل يسوده العدل فهل من مجيب.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇