ارتفاع الإيجارات في بريطانيا بمقدار 221 باوند شهريًا خلال 3 سنوات

أدرك نيل جاكوب، مؤدّي السيرك البالغ من العمر 37 عامًا، حجم الصعوبة في العثور على منزل للإيجار في وسط مانشستر، بعدما واجه ارتفاعًا حادًا في الأسعار.

وقال جاكوب: “كل ما أستطيع تحمّله هو مكان لركن السيارة في وسط المدينة ، هذا ما تسمح به ميزانيتي.”

قفزة في الإيجارات تدفع المستأجرين لضغوط مالية غير مسبوقة

ووفقًا لبوابة العقارات “Zoopla”، ارتفعت تكلفة الإيجار الشهرية في بريطانيا بمعدل 221 باوند خلال 3 سنوات. وأفادت “بي بي سي” أنّ الضغوط المالية دفعت بعض المستأجرين إلى اتخاذ قرارات متعلقة بالوظائف بناءً على تكاليف الإيجار، فيما يضطر بعض الآباء إلى مساعدة أبنائهم البالغين في تغطية نفقات السكن.

تقول “Zoopla” إن الزيادة في الإيجارات تكاد توازي الارتفاع في أقساط الرهن العقاري الشهرية لأصحاب المنازل. ومع ذلك، تباطأ معدل هذه الزيادة، خاصة في المدن.

وبعد بحث طويل، وجد نيل منزلًا للإيجار، لكنه يظل مكلفًا ويضغط على ميزانيته. وأضاف: “في نهاية الشهر، أشعر أنني محظوظ إذا تمكنت من دفع الإيجار وفواتيري وضريبة المجلس. وإذا بقي طعام في الثلاجة بعد ذلك، فهذا حظ جيد.”

شهدت أسعار الإيجار قفزة كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع الطلب، بينما انخفض المعروض من العقارات أو لم يواكب الطلب. وتشير بيانات “Zoopla”، التي شاركتها مع “بي بي سي”، إلى أن الإيجارات للعقود الجديدة ارتفعت بنسبة 21%، أي بمعدل 221 باوند شهريًا مقارنة بما كانت عليه قبل 3 سنوات. كما بلغ متوسط الإيجار الشهري هذا الربيع 1,283 باوند.

ارتفاع الإيجارات يجبر الشباب على رفض فرص عمل والاعتماد على دعم الأهل

اضطر بعض المستأجرين إلى رفض فرص عمل أو الانتقال لمناطق أخرى بسبب ارتفاع الإيجارات. نييسا كيلين، التي تعمل في المسرح الموسيقي بعد دراستها في دبلن، قالت إنها رغبت في قبول وظيفة في مدرسة بالمدينة لكنها اكتشفت أن الراتب لم يكن يغطي الإيجار. وأضافت: “كانت هذه أول مرة أضطر فيها إلى رفض فرصة جيدة.”

وبعد انتقالها إلى شمال إنجلترا، واجهت كيلين التحديات نفسها. وقالت: “تمكنت من العمل في عروض صغيرة، لكنني الآن أبحث عن مكان آخر، لأنه من الصعب مواكبة الإيجار. هذه المرة الثانية التي يحدث لي فيها ذلك وأنا في سن 26.”

كارين، وهي أم تواصلت مع “بي بي سي” عبر مبادرة “صوتك، أخبار بي بي سي”، أوضحت أن ابنها وهو أب احتاج إلى مساعدتها ومساعدة زوجها لتغطية الإيجار، رغم أنه خريج جامعي ويعمل في وظيفة جيدة. لكنها أشارت إلى أن خططها للتقاعد تجعل هذا الدعم غير ممكن طويل الأمد.

وقال لوسيان كوك، رئيس البحوث السكنية في “سافيلز”، إن عددًا متزايدًا من الآباء أصبحوا ضامنين لعقود الإيجار، فضلًا عن تقديم دعم مالي غير رسمي. وقالت أنيشا بيفريدج من “هامبتونز” إن ارتفاع الإيجارات دفع الكثير من الشباب للبقاء في منازل أسرهم لفترات أطول.

تباطؤ نمو الإيجارات مقابل استمرار الضغوط على المشترين والمستأجرين

أوضحت بيانات “Zoopla” أن ارتفاع الإيجارات تباطأ، أو انخفض في بعض المناطق ، خاصة في المدن. وتراجع النمو السنوي لمتوسط الإيجارات الجديدة في بريطانيا من 6.4% العام الماضي إلى 2.8% في العام حتى أبريل. كما انخفضت الإيجارات مقارنة بالعام الماضي في ليدز، دندي وأجزاء من لندن.

في المقابل، لا تزال الأسعار ترتفع بشكل واضح في المناطق القريبة من المدن الكبرى مثل ويغان، كارلايل، موذرويل، تشيستر وبلاكبيرن، حيث سجلت زيادات سنوية تجاوزت 8%.

واجه أصحاب المنازل خلال السنوات الثلاث الماضية ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الرهن العقاري، إذ ارتفعت أقساط الرهن الثابتة بمقدار 218 باوند مقارنة بما كانت عليه قبل 3 سنوات. ورغم أن الزيادة في الإيجارات وأقساط الرهن متشابهة، أشار ريتشارد دونيل، المدير التنفيذي للأبحاث في “Zoopla”، إلى أن أصحاب المنازل غالبًا يمتلكون عقارات أكبر (من غرفتين إلى 4 غرف نوم)، بينما يعيش المستأجرون في وحدات أصغر (من غرفة إلى 3 غرف نوم). وأضاف أن أقساط الرهن تساعد في تقليل الديون، بينما لا يحصل المستأجرون على أي أصل مقابل دفعاتهم.

وأكدت “Zoopla” أن أسعار المنازل ظلت مستقرة نسبيًا، إذ ارتفعت بنسبة 4% فقط خلال الفترة نفسها، وهو ما قد يكون إيجابيًا للمشترين لأول مرة. لكن ارتفاع الإيجارات ومتطلبات الودائع يجعل الضغوط المالية قائمة حتى قبل التقدم بطلب رهن. وقالت نييسا: “لا أعرف أي شخص يتوقع أن يتمكن من شراء منزل، هذا أمر لم نعد نتحدث عنه.”

تمديد برنامج ضمان الرهن العقاري لا يبدد مخاوف المستأجرين

أعلنت الحكومة عن تمديد دائم لبرنامج ضمان الرهن العقاري، لضمان بقاء القروض منخفضة الوديعة متاحة للمشترين لأول مرة. كما أكدت هيئة الرقابة المالية (FCA) خططًا لتبسيط قواعد الرهون العقارية، مع السماح باستخدام سجلات دفع الإيجار كدليل على القدرة المالية.

رحبت ستيفانيا كالهون، المستأجرة البالغة من العمر 41 عامًا، بهذه الخطوة، قائلة: “أنا لا أبحث عن منزل فاخر أو حياة تفوق إمكانياتي، أريد فقط منزلًا مريحًا أستثمر فيه وأترك إرثًا لأولادي.”

ورغم هذه الجهود، فإن كثيرًا من المستأجرين لا يخططون للشراء أصلًا. وقال دونيل: “تملك المنازل لا يزال بعيد المنال لشريحة كبيرة من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي لديها ودائع صغيرة.” وأضاف: “هذه مجموعة كبيرة من المستأجرين الذين يواجهون منافسة قوية على المساكن المؤجرة، وغالبًا ما يجد أصحاب الدخل المنخفض صعوبة في الانتقال، مما يرفع التكاليف.” وختم بالقول: “يجب على صناع القرار التركيز على زيادة المعروض من المساكن المؤجرة بأسعار معقولة لتوفير خيارات أوسع أمام المستأجرين محدودي الدخل.”

رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK) :

تعكس أزمة الإيجارات في بريطانيا واقعًا معقدًا يزداد صعوبة عامًا بعد عام، إذ أصبح السكن عبئًا ماليًا يحد من خيارات الأفراد ويؤثر حتى على مساراتهم المهنية. فالقفزات الكبيرة في الإيجارات، مقارنة بثبات نسبي في أسعار المنازل، جعلت فكرة التملك حلمًا بعيد المنال، خصوصًا للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض. وفي ظل هذه الظروف، أصبح دعم الأهل ضرورة لا خيارًا، بينما يضطر بعض الشباب إلى رفض فرص عمل أو البقاء لفترات أطول في منازل أسرهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل الإيجارات.

ورغم جهود الحكومة لتمديد برامج الرهن العقاري وتبسيط القواعد، تظل المشكلة أعمق، إذ لا يكفي تخفيف شروط القروض أو ضمان القروض منخفضة الوديعة ما لم تتم مواجهة جذور الأزمة عبر زيادة المعروض من المساكن بأسعار معقولة. فالطلب المتزايد مع قلة الخيارات المتاحة يفاقم الضغوط على الجميع، من المستأجرين إلى المشترين لأول مرة.

هل ترون أن هذه الحلول الحكومية قادرة على كسر حلقة أزمة الإيجارات؟
شاركونا آراءكم في التعليقات.

المصدر : بي بي سي

إقرأ أيضًا :

• أزمة الإيجارات تتفاقم عالميًّا.. ما الذي يدفع الأسعار للارتفاع؟
• أزمة السكن في بريطانيا: الاكتظاظ والعفن يهددان الصحة العامة
• دفعة جديدة بقيمة 300 باوند للأسر البريطانية في مواجهة غلاء المعيشة