اتفاقية اللاجئين 1951… هل ما زالت بريطانيا وفية لتاريخها في حماية المهاجرين إليها؟
في عالم يزداد اضطرابًا، تبقى اتفاقية اللاجئين لعام 1951 علامة فارقة في تاريخ الإنسانية. وُقِّعت هذه الاتفاقية بعد الحرب العالمية الثانية لتمنح المأوى والحماية لكل من يهرب من الاضطهاد، وجعلت من مبدأ “عدم الإعادة القسرية” (Non-Refoulement) حجر الزاوية في القانون الدولي الإنساني، أي منع إعادة أي لاجئ إلى بلد يواجه فيه خطرًا على حياته أو حريته.
كانت بريطانيا من أوائل الدول التي وقّعت على الاتفاقية عام 1954، ثم اعتمدت بروتوكول عام 1967 الذي وسّع نطاقها لتشمل اللاجئين في كل أنحاء العالم، لا في أوروبا فقط.
لكن بعد أكثر من سبعة عقود، يتساءل كثيرون: هل ما زالت بريطانيا ملتزمة حقًّا بروح تلك الاتفاقية التي ساهمت في صياغتها؟
من وثيقة قانونية إلى اختبار أخلاقي

تنص اتفاقية عام 1951 على أن اللاجئ هو “كل شخص يوجد خارج بلده الأصلي بسبب خوف مبرّر من الاضطهاد” لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الرأي السياسي أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية.
ومنحت الاتفاقية اللاجئين حقوقًا أساسية مثل التعليم والعمل والرعاية الصحية والحماية من الطرد.
ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الوثيقة معيارًا عالميًّا للكرامة الإنسانية، وجزءًا لا يتجزأ من التشريعات البريطانية الخاصة بالهجرة واللجوء (Asylum and Immigration Law).
فكل طلب لجوء في بريطانيا يُقيّم اليوم على ضوء هذه الاتفاقية، التي دُمِجت مبادئها ضمن ما يُعرف بـ“قواعد الهجرة البريطانية” (Immigration Rules).
ما الذي تغيّر في بريطانيا حتى عام 2025؟

شهد ملف اللجوء البريطاني تحولات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الجدل الذي أثاره قانون “رواندا الآمنة” (Safety of Rwanda Act) الذي أُقِرّ في إبريل 2024 بهدف ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.
لكن حكومة حزب العمال أعلنت بعد وصولها إلى السلطة عن بدء إجراءات تشريعية لتجميد القانون ضمن خطة لإصلاح شامل لنظام اللجوء والهجرة، دون أن يُلغى رسميًّا بعد.
وتستعد الحكومة لاستبداله بتشريع جديد هو قانون “أمن الحدود واللجوء والهجرة” (Border Security, Asylum and Immigration Bill 2025)، الذي ما زال قيد المراجعة البرلمانية، ومن المتوقع أن يدخل حيّز التنفيذ في عام 2026.
القانون الجديد لا يتضمن بنودًا لترحيل اللاجئين إلى دول ثالثة، ويعيد عملية البتّ في طلبات اللجوء إلى داخل الأراضي البريطانية مع تشديد بعض الإجراءات الإدارية.
أبرز ما سيُطبّق في عام 2026:
1. النظر في طلبات اللجوء داخل بريطانيا
بعد تجميد آلية النقل إلى رواندا، أعلنت الحكومة عن نيتها النظر في طلبات الأشخاص المعنيين ضمن النظام البريطاني للجوء، لكن لم تُطبق الإعادة الشاملة لجميع الطلبات بعد.
الهدف المعلن: تقليل تراكم الطلبات (Backlog) الذي بلغ نحو 70,500 حالة في منتصف 2025.
2. حق العمل لطالبي اللجوء
حتى أكتوبر 2025، لا يزال يُسمح لطالبي اللجوء بالعمل بعد مرور 12 شهرًا من تقديم الطلب، ويقتصر الأمر على الوظائف المدرجة على قائمة نقص المهارات فقط.
ويجري حاليًّا بحث تخفيض المدة إلى 6 أشهر ضمن مشروع القانون الجديد، لكن القرار لم يُقرّ رسميًّا بعد.
3. إصلاح نظام لمّ الشمل العائلي (Family Reunion)
في سبتمبر 2025 أعلنت الحكومة البريطانية تعليق استقبال طلبات جديدة ضمن مسار Appendix Family Reunion (Sponsors with Protection).
الطلبات المقدَّمة قبل هذا التاريخ ما زالت قيد البحث والنظر، فيما وعدت وزارة الداخلية بمراجعة القواعد وإطلاق نظام محدّث لاحقًا.
التعليق مؤقت ويسعى إلى إعادة تنظيم آلية لمّ الشمل وفق معايير أكثر وضوحًا تشمل مدة الإقامة، والدخل، والعلاقات الأسرية الموثقة، مع إعطاء أولوية للأسر التي لديها أطفال.
4. اتفاق جديد مع فرنسا بشأن عبور القنال الإنجليزي
دخل في أغسطس 2025 اتفاق UK–France Returns Deal حيز التنفيذ بشكل تجريبي.
ويقضي بأن كل شخص يُعاد من بريطانيا إلى فرنسا بسبب عبور غير شرعي، يقابله قبول لاجئ من فرنسا تتوافر فيه معايير الأهلية الإنسانية.
ويسعى الاتفاق إلى تخفيف ضغط العبور عبر القنال وتعزيز التنسيق الأوروبي، ومن المقرر مراجعته في منتصف عام 2026.
بين الالتزام الدولي والسياسة الداخلية

تقول الحكومة البريطانية: إنها “لا تزال متمسكة” باتفاقية اللاجئين 1951 وبروتوكول 1967، وإن جميع التشريعات الجديدة تراعي مبدأ عدم الإعادة القسرية.
لكن منظمات مثل “Refugee Council” و“Amnesty UK” ترى أن الاتجاه الجديد أكثر تشددًا في المعايير وأقل تسامحًا في منح صفة اللاجئ.
ويخشى ناشطون أن يؤدي ربط اللجوء بمسائل الأمن والهجرة غير الشرعية إلى تشويه صورة الاتفاقية نفسها، التي صيغت في الأصل لحماية الإنسان لا لتقييده.
ما الذي يعنيه ذلك للاجئ اليوم؟

رغم كل التغييرات، يبقى اللاجئ في بريطانيا محميًّا بموجب القانون الدولي.
فلا يجوز ترحيله قسرًا إلى بلد يواجه فيه خطرًا على حياته، وله الحق في التمثيل القانوني والطعن في قرارات الرفض.
غير أن العقبة الحقيقية أصبحت إدارية وبيروقراطية، إذ تمتد فترات الانتظار لأشهر طويلة قبل البت في الطلبات، ما يجعل الحياة اليومية لطالبي اللجوء حافلة بالقلق والغموض.
اتفاقية 1951.. وثيقة لا تموت

بعد أكثر من سبعين عامًا على توقيعها، تظل اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أكثر من مجرد نص قانوني؛ إنها اختبار دائم لضمير العالم.
وبريطانيا، التي ساهمت في كتابتها ذات يوم، تواجه اليوم مسؤولية أخلاقية في أن تبقى وفية لمبادئها، مهما تبدلت السياسات أو تغيّرت الحكومات.
فاللجوء ليس امتيازًا، بل حقٌّ إنساني صاغته البشرية بعد مآسي الحرب، لتتذكر دائمًا أن الكرامة لا تُمنح بجواز السفر، بل تُحفظ بالعدل والرحمة.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
