العرب في بريطانيا | أهميّة استثمار الوقت في المهجر

1447 ربيع الأول 19 | 12 سبتمبر 2025

أهميّة استثمار الوقت في المهجر

المهجر

الهجرة تجربةٌ إنسانيّةٌ عميقةٌ، تحمل في طيّاتها الألم والأمل معاً. فالمغترب يترك وراءه وطنه وذكرياته وعلاقاته، ليبدأ رحلةً جديدةً في بلدٍ آخر يختلف في اللّغة والثّقافة والعادات. وفي خضم هذا التّحوّل الكبير، يواجه المهاجر خيارين: إمّا أن يترك نفسه نهباً للحنين والانتظار والفراغ، أو أن يستثمر وقته استثماراً حقيقيّاً يحوّل هذه التّجربة إلى فرصةٍ للنّمو والتّطور. وهنا تتجلّى أهميّة استثمار الوقت في المهجّر، باعتباره أثمن ما يملكه الإنسان، والميزان الّذي يحدّد نجاحه أو فشله في هذه المرحلة الحسّاسة من حياته.

الوقت: رأس مال المهاجر

المهاجر غالباً يبدأ من نقطة الصّفر، بلا عملٍ ثابتٍ أو شبكة علاقاتٍ واسعة. لكن ما يمتلكه فعلاً هو وقته، وهذا الوقت هو رأس المال الأوّل الّذي يمكن تحويله إلى علمٍ، مهارةٍ، لغةٍ، مهنةٍ، أو حتّى مشروعٍ خاصٍّ. من يدرك هذه الحقيقة مبكّراً يستطيع أن يبني لنفسه مكاناً راسخاً في المجتمع الجديد، بينما من يضيّع وقته في الانتظار والنّدم يجد نفسه بعد سنواتٍ بلا إنجاز يُذكر.

تعلّم اللّغة: مفتاح الاندماج

أحد أهم مجالات استثمار الوقت في المهجّر هو تعلّم لغة البلد الجديد. فاللّغة وسيلة تواصلٍ، وهي جسرٌ نحو الاندماج والعمل والتعلّم وحتّى الدّفاع عن الحقوق. من يستثمر وقته في تعلم اللّغة، يختصر سنواتٍ من المعاناة، بينما من يهملها يبقى حبيس دوائر ضيّقةٍ من العزلة.

التّعليم والتّطوير الذاتي

كثيرٌ من المهاجرين يجدون أنفسهم بعيدين عن شهاداتهم السّابقة أو تخصّصاتهم. هنا يصبح الوقت فرصةً لإعادة البناء:

  • دراسة مجالٍ جديدٍ مطلوبٍ في سوق العمل.
  • متابعة الدّورات التّدريبيّة عبر الإنترنت.
  • القراءة المستمرّة لتوسيع الثّقافة.
  • التّدرّب على مهاراتٍ عمليّةٍ كالتّقنية أو الأعمال اليدويّة.

إنّ استثمار بضع ساعاتٍ يوميّاً في التّعلّم قد يفتح أبواب عملٍ وفرصٍ مستقبليّةٍ تغيّر حياة المهاجر وأسرته بأكملها.

بناء شبكة علاقات

الوقت في المهجّر يمكن أن يُستثمر في التّعارف وبناء العلاقات الاجتماعيّة، سواء مع الجاليات العربيّة أو مع أبناء البلد المضيف. هذه العلاقات لا تقتصر على الجانب الاجتماعيّ فقط، بل قد تتحوّل إلى فرص عملٍ، دعمٍ معنويٍّ، أو حتّى مشاريع مشتركة.

العمل التّطوعيّ

كثيرٌ من المهاجرين يظنّون أنّ العمل التّطوعيّ مضيعةٌ للوقت لأنّه غير مدفوعٍ. لكنّ الحقيقة أنّ التّطوّع في مؤسّسات المجتمع المدنيّ أو الجمعيّات الخيريّة هو استثمارٌ ثمينٌ: فهو يطوّر اللّغة، يعرّف الإنسان على قوانين البلد، ويوسّع شبكة معارفه، ويمنحه مكانةً إيجابيّةً في المجتمع.

مواجهة الغربة بالإنجاز

الفراغ في الغربة قد يتحوّل إلى قيدٍ خانقٍ، يولّد القلق والاكتئاب والانعزال. لكنّ استثمار الوقت في الإنجاز يحوّل الغربة إلى مساحةٍ للنّموّ. كلّ ساعةٍ تُستثمر في عملٍ أو علمٍ أو عبادةٍ أو رياضةٍ أو تطّورٍ شخصيٍّ، هي خطوةٌ لتثبيت الهويّة وبناء المستقبل.

الأسرة والوقت

كثيرٌ من المهاجرين يهاجرون مع أسرهم، وهنا يصبح الوقت أكثر قيمةً، لأنّه لا يخصّ الفرد وحده، إنّما الأجيال القادمة. من يستثمر وقته مع أطفاله في التّعليم والاهتمام والتّربية، يبني جسراً متيناً لهم بين ثقافة الوطن الأمّ وثقافة البلد الجديد.

البعد الرّوحي

الهجرة تضع الإنسان في مواجهة أسئلةٍ كبرى عن ذاته وهدفه ومعنى وجوده. استثمار الوقت في العبادة والتأمّل والقراءة الرّوحيّة يمدّ المهاجر بطاقةٍ نفسيّةٍ تحميه من الانكسار. فالوقت هنا فرصةٌ لصقل الرّوح وتثبيت القيم.

المهجّر كفرصةٍ لا كمنفى

الفرق بين من يرى المهجر “منفى” ومن يراه “فرصة” يتجلّى في كيفيّة استثماره لوقته. المنفى يجعل الإنسان عالقاً في الحنين، أمّا الفرصة فتدفعه لاغتنام كلّ يومٍ ليقترّب من حلمه. فالوقت الّذي يضيع بلا هدف في المقاهي أو على الشّاشات، يمكن أن يتحوّل إلى شهادةٍ جامعيّةٍ أو لغةٍ جديدةٍ، أو مشروعٍ صغيرٍ.

قصص نجاح

كثيرٌ من قصص المهاجرين النّاجحين في العالم بدأت بخطواتٍ صغيرةٍ في استثمار الوقت:

  • لاجئ بدأ بتعلّم لغة البلد الجديد ثمّ أصبح مترجماً معتمداً.
  • شابّةٌ اغتنمت وقتها في التّطوّع حتّى حصلت على فرصة عملٍ في منظّمةٍ دوليّةٍ.
  • مهاجر استثمر وقته في تعلّم مهنةٍ جديدةٍ ففتح ورشته الخاصّة بعد سنواتٍ قليلة.

هذه الأمثلة تثبت أنّ الوقت هو الفارق بين الفشل والنّجاح في المهجّر.

نصائح عمليّة لاستثمار الوقت في المهجّر

  1. ضع خطّةً يوميّةً: لا تترك يومك للصّدفة، حدّد أهدافاً واضحةً.
  2. خصّص وقتاً للتعلّم: ولو ساعة يوميّاً للّغة أو القراءة أو التّدريب.
  3. وازن بين العمل والرّاحة: فالإرهاق يقتل الحافز.
  4. شارك في الأنشطة المجتمعيّة: حتّى لو لم تحقّق فائدةً ماديّةً فوريّةً.
  5. قلّل من الملهيات: مثل الاستخدام المفرط لمواقع التّواصل.
  6. اعتبر وقتك استثماراً طويل الأمد: كلّ ساعةٍ اليوم قد تتحوّل إلى مستقبلٍ أفضل غداً.

في النّهاية، استثمار الوقت في المهجّر ضرورةٌ وجوديّةٌ. هو الّذي يحدّد ما إذا كانت تجربة الهجرة ستكون باباً للنّجاح أو عبئاً إضافيّاً. الوقت هو الحقل الّذي يزرع فيه المهاجر بذور أحلامه، وما يحصده بعد سنواتٍ يتوقّف على ما زرعه في ساعات أيّامه. لذلك، فإنّ إدراك قيمة الوقت، والتّعامل معه كأثمن رأسمال، هو الخطوة الأولى نحو بناء حياةٍ كريمةٍ وناجحةٍ في الغربة.


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
12:41 am, Sep 12, 2025
temperature icon12°C
scattered clouds
80 %
1006 mb
10 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds44%
Visibility10 km
Sunrise6:30 am
Sunset7:23 pm
uk ads space mobile
uk ads space mobile
uk ads space mobile

آخر فيديوهات القناة