أحمد الأحمد في سيدني وسمير زيتوني في كامبردج.. نموذج نفخر به للعربي في المهجر حين يُختبر الإنسان
ليست البطولة فعلًا مُعدًّا سلفًا، ولا قرارًا يُتخذ بهدوء، بل لحظة خاطفة يُجبر فيها إنسان عادي على الاختيار بين النجاة الفردية وتحمل المسؤولية الأخلاقية. في مدينتين متباعدتين جغرافيًا، لكن متقاربتين إنسانيًا، تكررت القصة ذاتها تقريبًا: عنف مباغت، مدنيون مهددون، وعربيّ الأصل يتقدّم خطوة إلى الأمام. ما فعله أحمد الأحمد في سيدني خلال هجوم مسلح استهدف احتفالًا عائليًا دينيًا يهوديًا، يستدعي إلى الذاكرة ما أقدم عليه سمير زيتوني في كامبردج قبل فترة قصيرة، حين واجه مهاجمًا بسكين داخل قطار، كان قد طعن عددًا من الأشخاص وروّع الركاب، بينهم أطفال.
في الحالتين، لم يكن الرجلان أصحاب سلطة، ولا جزءًا من أي جهاز أمني، ولا مدفوعين بخطاب أو أيديولوجيا. أحمد الأحمد، التاجر البسيط، وسمير زيتوني، موظف القطار، لم يمتلكا سوى قرار إنساني سريع في لحظة انهيار الأمان. قرار محفوف بالمخاطر، ومكلف على المستوى الشخصي، لكنه واضح في دلالته الأخلاقية: حماية الآخرين حين يغيب الردع.
بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الأسترالية، اندفع أحمد الأحمد نحو المهاجم في لحظة حرجة، وساهم بشكل مباشر في الحد من قدرته على مواصلة الاعتداء، ما أتاح للمدنيين فرصة للنجاة، وقلّل من حجم الخسائر المحتملة. وقد أُصيب خلال تدخله، ونُقل إلى المستشفى، دون أن يكون قد فكّر مسبقًا بعواقب ما فعل. في المقابل، أظهرت حادثة كامبردج مشهدًا مشابهًا؛ إذ واجه سمير زيتوني المهاجم داخل القطار، محاولًا إيقافه ومنعه من الاستمرار في الاعتداء، في بيئة مغلقة، يضاعف فيها الخطر على الجميع.
هذه الوقائع لا تُستدعى من باب المبالغة أو صناعة الرموز، بل لأنها تُقدّم نموذجًا واقعيًا نفخر به للعربي في المهجر. نموذج الإنسان الذي لا يكتفي بالاندماج الشكلي في المجتمع الذي يعيش فيه، بل يتحمّل مسؤوليته الأخلاقية كاملة، ويُعرّف نفسه بالفعل لا بالدفاع اللفظي عن الهوية. فالعربي في المهجر، كما تُظهر هذه القصص، ليس متفرجًا على المجتمع، ولا كائنًا هامشيًا، بل شريكًا فعليًا في حمايته حين يُهدَّد.
في زمن تتصاعد فيه خطابات الشك والكراهية، وتُختزل فيه جماعات كاملة في صور نمطية جاهزة، تأتي هذه المواقف لتفكك ذلك الاختزال بهدوء. رجل عربي الأصل يدافع عن مدنيين يهود خلال احتفالهم الديني في سيدني، وآخر يتصدى لهجوم بسكين في قطار بريطاني، دون أن يسأل عن دين أو خلفية أو هوية من يحميهم. هنا، تسقط كل السرديات السطحية، ويبرز الإنسان كما هو: كائن أخلاقي يُقاس بما يفعله حين يُختبر.
لا يعني ذلك أن البطولة واجب على الجميع، ولا أن المخاطرة بالحياة معيار للمواطنة الصالحة. لكن هذه القصص تذكّرنا بأن المجتمعات المتعددة لا تقوم بالقوانين وحدها، بل بسلوك الأفراد حين تنهار اللحظة. وأن الانتماء الحقيقي لا يُقاس بالشعارات ولا بالاندماج القسري، بل بالاستعداد لتحمّل المسؤولية العامة حين يصبح الخطر مشتركًا.
ما فعله أحمد الأحمد وسمير زيتوني لا يحتاج إلى تلميع أو توظيف، بل إلى رواية صادقة كما هي. فالقيمة الحقيقية في هذه الأفعال أنها لم تُنجز بحثًا عن شكر أو اعتراف، بل بدافع إنساني خالص، صامت، ومباشر. وفي عالمٍ يكثر فيه الضجيج وتقل فيه الأفعال، ربما نحتاج إلى التوقف عند مثل هذه اللحظات، لا لتمجيد أصحابها، بل لاستعادة الثقة بأن الإنسانية، رغم كل شيء، لا تزال قادرة على الظهور حين يُغلق كل شيء آخر.
اقرأ أيضًا:
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇



