كيف غطى الإعلام البريطاني أحداث النكبة في عام 1948؟
لم ينتظر مجلس الجالية اليهودية في فلسطين وقتًا طويلًا قبل أن يعلن دولته المزعومة في فلسطين، بعد يوم واحد فقط من نهاية الانتداب البريطاني في ليل 14 أيار/ مايو من عام 1948، لتبدأ بعد ذلك سلسلة طويلة من أحداث النكبة الفلسطينية في 15 أيار/ مايو من العام نفسه.
وضجت الصحف البريطانية في ذلك الوقت بخبر الإعلان عن قيام دولة لليهود في فلسطين، وتداعيات ذلك على المنطقة.
الصحف البريطانية وثّقت أحداث النكبة عام 1948
وأعلن مجلس الدولة اليهودية ما وصفه بالحق “الطبيعي والمشروع” بإقامة وطن يحظى باعتراف الأمم المتحدة.
وفي ذلك الوقت عنونت صحيفة الديلي ميرور البريطانية :” ولادة أول دولة يهودية بعد ما يقارب الألفي عام”، وتصدر الخبر صحيفة الميرور التي نشرت حينها:” اليهود يعلنون قيام دولة إسرائيل، ويعدون بضمان حقوق متساوية لكل من المواطنين اليهود والعرب، حيث دعت إسرائيل الأمم المتحدة للاعتراف بها على الصعيد الدولي”.
كما نشرت صحيفة مانشستر غارديان (صحيفة الغارديان الحالية) مقالًا بعنوان “الحق الطبيعي والتاريخي”، وشرح المقال الدوافع وراء سعي إسرائيل للحصول على الدعم والاعتراف الدولي، وكتبت الصحيفة وقتها أن قيام دولة إسرائيل تزامن مع هزائم عسكرية لليهود”.
وكتب ديريك كارتون في صحيفة الديلي وركر في ذلك الوقت، “قيام إسرائيل : هجوم العرب”، وذكر كارتون أن الفيلق العربي في شرق الأردن كان ينظم هجمات ضد المستوطنات اليهودية جنوب القدس، وتوقع كارتون أن القوات المسلحة العربية ستفي بوعودها وتنضم إلى الفيلق العربي شرق الأردن”، وأضاف:” لقد وضعت إسرائيل خطوتها الأولى في طريق الاستقلال وسط أوضاع عسكرية خطيرة”.
كما اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بإسرائيل وحكومتها المؤقتة، وسرعان ما اعترف الاتحاد السوفيتي أيضًا بإسرائيل بعد ثلاثة أيام فقط من قيامها!”، لكن حكومة حزب العمال البريطانية رفضت في ذلك الوقت الاعتراف الفوري بدولة إسرائيل.
وقالت صحيفة الديلي تلغراف آنذاك:” إن بريطانيا لا تنوي الاعتراف بدولة إسرائيل مؤقتًا، وسيعتمد ذلك على التطورات الحاصلة في المنطقة، وأشارت الصحيفة الموالية لحزب المحافظين إلى أن الاعتراف بدولة إسرائيل يعني الاعتراف بحدودها، وحكومتها، وقالت التلغراف :” إن الحكومة الفرنسية قد تتبنى موقفًا مماثلًا لبريطانيا من حيث عدم الاعتراف بدولة إسرائيل”.
أما صحيفة التايمز فقد كانت تنقل تفاصيل المعارك الجارية حول القدس في 18 أيار/ مايو 1948، وقال مراسلها الذي كان يرافق الفيلق العربي :” إن القوات العربية غير النظامية سيطرت صباح اليوم على قرية نيفي يعقوب ، التي تبعد خمسة أميال عن شمال القدس، وأشار إلى أن القوات الإسرائيلية سيطرت على جبل المشارف، ما سيصعب من الوصول إلى القدس.
لماذا ترددت بريطانيا في الاعتراف ب”إسرائيل”؟
بينما اعتقد وزير الخارجية البريطانية إرنست بيفين في ذلك الوقت أنه يجب على بريطانيا أن تراعي الحماس الأمريكي لدعم إسرائيل من جهة، وأن تظهر تعاطفًا مع قضية العرب في فلسطين من جهة أخرى، وقد حظي نهج بيفين بدعم موظفي وزارة الخارجية، الذين رأوا أن التقارب العربي البريطاني، ضروري للحفاظ على مصالح بريطانيا الاقتصادية و الاستراتيجية في المنطقة.
وكانت الحكومة البريطانية تأمل إنهاء الانتداب في فلسطين، تاركة خلفها دولة ذات أغلبية عربية متسامحة مع الأقلية اليهودية، واعتقدت حكومة رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي في ذلك الوقت أن الاستعجال الأمريكي في الاعتراف بإسرائيل كان مجحفًا ومدفوعًا بدعم الرأي العام اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونقل مراسل صحيفة مانشستر غارديان أليستر كوك التحديات الخطيرة التي تواجه إسرائيل من مقر الأمم المتحدة في بلدة (Lake Success) ضمن منطقة (Long Island) الأمريكية، وكتب كوك:” لقد استدعي مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الليلة الماضية، بعد ساعات من إعلان الوفد المصري، عن دخول قوات بلاده لفلسطين لضبط الوضع في المناطق التي عاث فيها الإرهاب الصهيوني فسادًا”.
ومن ثم ناشدت الوكالة اليهودية مجلس الأمن لدعوة الدول العربية من أجل وقف ما وصفته “بالعدوان” على إسرائيل، وكتب الصحفي السيتر كوك وقتها أن مجلس الأمن عقد جلسة هي الأول من نوعها لمناقشة مجريات الحرب في فلسطين.
وأشار كوك إلى أن ممثل الاتحاد السوفيتي في الأمم المتحدة أندريه جروميكو كان في صمت تام عما يجري في فلسطين، بينما تساءل ممثل الصين الدكتور تي إف تسيانغ لماذا تطلب الولايات المتحدة الأمريكية من العرب وقف إطلاق النار، في الوقت الذي تعترف فيه بقيام دولة إسرائيل”.
أما حكومة حزب العمال في بريطانيا فقد رأت أن الأراضي ليست تابعة لملكية أي جهة بعد جلاء الانتداب منها، وقالت وزارة الخارجية البريطانية:” إن الحل المرضي لجميع الأطراف يتمثل في إنشاء الجيوش العربية دولة تعيش فيها أقلية يهودية حاصلة على حقوق متساوية مع الأكثرية العربية المسلمة.
اليمين البريطاني شجَّع على الاعتراف ب”إسرائيل”
ولإثبات وجهة النظر هذه أشار حزب العمال البريطاني إلى أن إسرائيل لم ترسم حدودها بعد، كما أن الحكومة الإسرائيلية لم تسيطر على جميع الأراضي التي ادعت أنها خاضعة لها.
لكن حجة حزب العمال وجدت معارضة من اليمين البريطاني حيث قال ونستون تشرشل إن :” بريطانيا اعترفت بالعديد من الدول الأوروبية قبل ترسيم حدودها، ومن بين هذه الدول بولندا.
مع نهاية عام 1948 أصبح ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي، و لم تعد هناك حجة أمام بريطانيا للمماطلة بالاعتراف بدولة إسرائيل، حيث ذكرت صحيفة الديلي ميل في كانون الثاني/ يناير عام 1949 أن علم الاتحاد البريطاني شوهد مرفوعًا على سيارة القنصل البريطاني في حيفا لأول مرة منذ نهاية الانتداب في عام1948.
وقالت الصحيفة :” إن القنصل البريطاني في فلسطين أقر أمام وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شيرتوك باعتراف بلاده بدولة إسرائيل”.
وأشارت صحيفة التايمز إلى أن اعتراف بريطانيا رسميًا بدولة إسرائيل حصل بعد أن استدعى ممثل إسرائيل في لندن وزير الخارجية البريطاني آنذاك.
وانتقدت صحيفة التايمز في ذلك الوقت اتهام الحكومة البريطانية بالتأخر في الاعتراف بدولة إسرائيل، ووصفت هذه الاتهامات مجحفة وقالت التايمز:” بالنظر إلى استمرار السيادة البريطانية على الهند وباكستان وسيلان، فإن إجراء أي مشاورات للاعتراف بقيام دولة إسرائيل ليست بالأمر السهل”.
اقرأ أيضاً :
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين ونزعهم من أرضهم
مسيرة حاشدة في لندن إحياءً للذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية يوم 13 مايو
الدعوة لمظاهرة كبرى بذكرى النكبة وسط لندن في 14 مايو
الرابط المختصر هنا ⬇