العرب في بريطانيا | وقفٌ لإطلاق النار في غزة... لكنَّ السلامَ غائبٌ...

1447 جمادى الأولى 22 | 13 نوفمبر 2025

وقفٌ لإطلاق النار في غزة… لكنَّ السلامَ غائبٌ عن الفلسطينيين

غزة
لبنى مصاروة November 11, 2025

لا ليالٍ هادئة في غزة، لا قبل وقف إطلاق النار ولا بعد إعلان السلام في شرم الشيخ.

كانت الابتسامات تملأ المكان في المنتجع المصري المطل على البحر، بينما صافح قادة العالم بمن فيهم العديد من الدول العربية والإسلامية  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ادّعى أنه لم يحلّ هذا الصراع فحسب، بل أنهى أيضًا ثلاثة آلاف عام من التاريخ.

لكن البهرجة لم تمنع إسرائيل من انتهاك الإعلان ولو لدقيقة واحدة. لم يتوقف الجيش الإسرائيلي عن القصف حتى لالتقاط الأنفاس.

هذا الصباح استيقظت على مشهد آباء يحملون أجساد أطفالهم الشهداء، ودموع أمهات فقدن أبناءهن أثناء نومهم.

قصفت إسرائيل مناطق متعددة في غزة، في رسالة مصممة لإحداث أقصى درجات الرعب، فحصدت أرواح 104 مدنيين، من بينهم 46 طفلًا و18 فردًا من عائلة واحدة.
ولا أظن أن أحدًا سيبذل جهدًا لطباعة أسمائهم أو أعمارهم، أو يتخيل ما كانوا يحلمون به أثناء نومهم، أو ما خططوا لفعله في اليوم التالي، أو ما كانت آخر كلماتهم وأفعالهم قبل أن يخلدوا للنوم وألا يستيقظوا أبدًا.

الفرح محرّم

بالنسبة لمعظم العالم، أصبح الفلسطينيون مجرد “شيء” بلا مشاعر أو ذكريات أو قصص حياة؛ بلا ماضٍ، ولا حاضر، وبالتأكيد بلا مستقبل.

يا له من اختلاف في الطريقة التي يُعامل بها شهداؤنا وحزننا مقارنةً بالرهائن الإسرائيليين وعائلاتهم.

الإعلام في إسرائيل وفي الخارج لم يتوقف لحظة عن تفصيل حياة أولئك الرهائن، والحديث عن الصدمة التي مروا بها في الأنفاق، وعن الصديقات اللاتي ينتظرن عودتهم، وعن الأطعمة التي يحبونها.
في يوم اتفاق وقف إطلاق النار، عرضت قناة 13 مشهدًا لزوجة الرهينة الإسرائيلي إلكانا بوشبوت وهي توقظ ابنها البالغ من العمر خمس سنوات لتخبره أن والده سيعود إلى المنزل.

امتلأت عيون المذيعين الثلاثة بالدموع، وكانت الطرق في إسرائيل تكتسي بالأعلام واللافتات ترحيبًا بـ20 رهينة نجوا من قصف سلاحهم الجوي طيلة عامين.

قدتُ سيارتي إلى منزل بوشبوت في مستوطنة موفسيرت تسيون قرب القدس. وقفت أمام منزل عائلته، وكان أكثر من مئة شخص واقفين حاملين الأعلام الإسرائيلية، يغنون للاحتفال بالإفراج عنه.

ألمنا لم يكن يومًا متساويًا، وحياة أطفالنا لا تملك نفس القيمة ببساطة.

كانت زوجته وابنه وأفراد عائلته الآخرون يقفون على الشرفة يلوّحون بأيديهم للجماهير كأنهم من العائلة المالكة.

في اليوم السابق، داهم الجيش الإسرائيلي منازل عدد من الأسرى الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، والذين وردت أسماؤهم في قائمة المفرج عنهم ضمن صفقة تبادل.

قالت رزان، ابنة الأسير طالب مخامرة من يطا جنوب الخليل، لموقع “ميدل إيست آي“: “داهم الجنود المنزل وهددونا وأبلغونا أنه يُمنع علينا إظهار أي مظهر من مظاهر الفرح أو استقبال المهنئين بالإفراج عنه”.

وأضافت: “كما أطلقوا النار عشوائيًا في الحي، ما أدى إلى إصابة شاب في يده، واعتدوا على آخرين”.

الفلسطينيون ممنوعون من الحزن، وممنوعون أيضًا من الفرح.

هدنة في غزة… لكن لا سلام للفلسطينيين
هدنة في غزة… لكن لا سلام للفلسطينيين

“هل أطفالي أحياء؟”

انهار هيثم سالم، الأسير الفلسطيني المُفرج عنه من غزة، باكيًا لحظة إطلاق سراحه بعد أن أُبلغ بأن زوجته وأطفاله الثلاثة قُتلوا قبل أسبوعين.

في مقطع مصوّر التُقط له داخل مستشفى في غزة بعد الإفراج عنه، ظهر وهو يرتجف ويجهش بالبكاء قائلًا: “هل أطفالي أحياء؟ لقد ماتوا… أقسم أنهم ماتوا. بعد أربعة أيام كان من المفترض أن يكون عيد ميلاد ابنتي”.

ورفع سوارًا صنعه بيديه في السجن وقال: “صنعتُ هذا من أجلها، صنعته بنفسي”.

كانت ابنته في نفس عمر ابن الرهينة الإسرائيلي إلكانا بوشبوت، الذي احتفل بعيد ميلاده قبل أيام من الإفراج عن والده.

لكن لا أحد سيذرف دمعة على خسارة سالم، ولم ينجُ أحد من عائلته ليستقبله.

ألمنا لم يكن يومًا متساويًا، وحياة أطفالنا ببساطة لا تُقاس بنفس المعيار.

وبينما تعلن إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها، لا أحد يدافع عن الفلسطينيين في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة.

كل برنامج حواري في التلفزيون، وكل شخص في الشوارع الإسرائيلية سيقول: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.”
لكن الأمر لا يكون كذلك عندما يتعلق بسوريا أو لبنان أو فلسطين.

هل سمعتم يومًا أحدًا يقول: “للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم”؟

تحدث هجمات إرهابية، تحت حماية الجيش الإسرائيلي، يوميًا في الضفة الغربية المحتلة.
المستوطنون يحرقون السيارات، ويقطعون أشجار الزيتون، ويضربون ويطلقون النار ويقتلون الفلسطينيين الذين لا يجدون حماية من أحد.

درس واضح

يبدو أن أكثر من 68 ألف روح فلسطينية في غزة، من بينهم 20 ألف طفل، ليست كافية بعد.

بين ليلة وضحاها يمكن أن تودي القنابل الإسرائيلية بحياة مئة آخرين، مع حرص الدولة على إبلاغ الولايات المتحدة قبل ذلك ثم يُعلن “وقف إطلاق النار” بشكل معجِز في اليوم التالي، قبل أن تُدفن حتى جثث الأطفال.

قبل أسبوع وأثناء اشتباك بين الشرطة ومشجعي نادي هبوعيل في تل أبيب، قال أحد المصابين لصحيفة “هآرتس”: “الشرطة ضربت الجميع، نحن لسنا في جباليا.”

كان ذلك إقرارًا ضمنيًا بأن القوات الإسرائيلية مسموح لها أن تفعل ما تشاء بالفلسطينيين في جباليا.

كل الحكومات التي وقّعت على إعلان شرم الشيخ تعظ الفلسطينيين بأن الطريق الوحيد نحو السيادة هو المفاوضات، وليس المقاومة المسلحة.

لكن منذ صدور الإعلان، قدّمت إسرائيل درسًا واضحًا للجميع بأنه لا وجود لأي تفاوض، ولا اتفاق يمكنها الالتزام به. فهي تنقض الاتفاقات أسرع من جفاف حبرها على الورق.

يتم الآن خلق نموذج لما بعد الحرب  وربما “وضع دائم جديد”  من قِبل إسرائيل، بمباركة القادة العرب والمسلمين الذين ابتسموا وصافحوا ترامب في مصر.

لقد تم استبدال “الحق في الدفاع عن النفس” بـ”الحق في الرد”، والذي يعني فعليًا الحق في مواصلة قتل الفلسطينيين في أي وقت تختاره.


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة