هيئة الرقابة تهاجم HMRC لفشلها في تتبّع ضرائب المليارديرات

وجّهت لجنة الحسابات العامة في البرلمان البريطاني انتقادات لاذعة لهيئة الإيرادات والجمارك (HMRC)، متهمةً إياها بعدم القدرة على تتبّع ما إذا كان أصحاب المليارات يدفعون الضرائب المستحقة عليهم، أو معرفة حجم ما يسهمون به فعليًا في خزينة الدولة.
وفي تقرير لاذع نُشر الأربعاء، قالت اللجنة إن HMRC “لا تستطيع تقديم أي تقدير واضح حول مدى التزام فاحشي الثراء بالقوانين الضريبية”، مما يقوّض ثقة الجمهور بالنظام المالي ويضيّع “فرصًا كبيرة لتحصيل إيرادات إضافية”.
ويأتي هذا التقرير في وقت تواجه فيه حكومة كير ستارمر ضغوطًا متزايدة لفرض ضرائب على الثروة، خصوصًا بعد تراجعها عن إصلاحات في برامج الرعاية الاجتماعية، ما أعاد طرح تساؤلات حول سلامة المالية العامة في البلاد.
أزمة مالية تلوح في الأفق
كانت الحكومة قد تراجعت عن قرارات تتعلق بإعانات ذوي الإعاقة ومدفوعات التدفئة الشتوية للمتقاعدين، ما سيكلّف الخزانة أكثر من 6 مليارات باوند. وفي ظل التباطؤ الاقتصادي وارتفاع تكاليف الاقتراض، حذّر خبراء اقتصاديون من أن وزيرة الخزانة رايتشل ريفز قد تُضطر لرفع الضرائب في موازنة الخريف المقبلة لتعويض عجز يصل إلى 30 مليار باوند.
ورغم هذه التوقعات، حاولت ريفز طمأنة الأوساط المالية بأن أولوية الحكومة تظل دعم النمو الاقتصادي، عبر تخفيف القيود على قطاع المال وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. لكنها لم تستبعد – في الوقت ذاته – فرض ضريبة على الثروة، بعد دعوة زعيم حزب العمال السابق نيل كينوك إلى اعتماد هذه الخطوة.
على مدى سنوات، حاولت الحكومات البريطانية تقليص ما يُعرف بـ”فجوة الضرائب” – أي الفرق بين الضرائب المستحقة وما يُحصَّل فعليًا – من خلال تشديد إجراءات الامتثال. وكانت ريفز قد أعلنت الشهر الماضي عن تخصيص 1.7 مليار باوند على مدى أربع سنوات لتوظيف 5,500 موظف جديد لمتابعة الامتثال، و2,400 موظف لإدارة الديون، بهدف جمع 7.5 مليار باوند إضافية سنويًا بحلول 2030.
ورغم أن التقرير أشاد بجزء من جهود HMRC، والتي أدّت إلى تحصيل 5.2 مليار باوند من الأثرياء في 2023-2024 (مقارنة بـ2.2 مليار فقط في 2019-2020)، إلا أن الزيادة أثارت تساؤلات: هل تزايدت حالات التهرّب؟ أم أن التقديرات السابقة كانت منخفضة جدًا؟
HMRC لا تعرف من هم المليارديرات!
رغم أن عدد أصحاب المليارات في بريطانيا ليس كبيرًا نسبيًا، أعربت اللجنة عن “خيبة أملها” لأن HMRC لا تستفيد من البيانات المتاحة علنًا لتحديد هؤلاء الأفراد وتتبع ثرواتهم. وأوصت اللجنة الهيئة بضرورة استخدام بيانات مثل “قائمة الأثرياء” التي تنشرها صحيفة صنداي تايمز، ومقارنتها بسجلاتها الداخلية.
تُظهر قائمة 2025 أن عدد أصحاب المليارات انخفض من 165 إلى 156 شخصًا، من بينهم رجل الأعمال في مجال الكيماويات جيم راتكليف، والمخترع جيمس دايسون، والأخوين روبن المتخصصين في العقارات. وتصدّرت القائمة عائلة “هندوجا” بثروة تُقدّر بـ35.3 مليار باوند.
وقال النائب العمالي وعضو اللجنة لويد هاتون إن التقرير يكشف عن “مبالغ ضخمة تُترك على الطاولة”، مضيفًا: “من غير المقبول أن تعجز HMRC عن تقديم أي معلومة حول ضرائب أصحاب المليارات، رغم وفرة المعلومات المتاحة علنًا”.
رد HMRC: موارد جديدة.. وخطة لتحسين الأداء
في ردها على التقرير، قالت متحدثة باسم HMRC إن الموارد الإضافية التي أُعلنت عنها في مراجعة الإنفاق الأخيرة ستُستخدم “لتكثيف العمل بشكل كبير”، مضيفة أن الحكومة “عازمة على التأكد من أن الجميع يدفع الضرائب المستحقة عليه”. لكن ما لم تقله الهيئة هو: كيف يمكنها أن تحقق ذلك، إذا كانت عاجزة حتى الآن عن معرفة من هم أصحاب المليارات في البلاد؟
في العرب في بريطانيا، نرى أن العدالة الضريبية هي إحدى ركائز العقد الاجتماعي، ولا يمكن بناء دولة عادلة بينما تُترَك ثروات الطبقات العليا دون رقابة أو مساءلة. في بلد يُطلب فيه من العاملين والطبقات الوسطى شدّ الأحزمة، يصبح من غير المقبول أن تجهل الدولة حجم مساهمة المليارديرات في دفع الضرائب.
إن إصلاح النظام الضريبي لا يجب أن يكون خيارًا تقنيًا مؤجّلاً، بل ضرورة سياسية وأخلاقية ملحّة لضمان الإنصاف، واستعادة ثقة الناس في مؤسساتهم.
المصدر الغارديان
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇