هل تخيفك الأرقام في بريطانيا؟ أم يخيفك غيابها في مكان آخر؟

في الوقت الذي تُفاجئنا فيه الأرقام الرسمية في بريطانيا بمعدلات للجريمة والحوادث، يهرع البعض لتحذير الناس من “خطر العيش هناك” وكأن البلد تحول إلى ساحة قتال. لكن لحظة! هل الأرقام المرتفعة دائمًا علامة خطر؟ أم علامة صدق؟
وهل الإنكار في دول أخرى دليل أمان؟ أم غياب للأمان وغياب للتوثيق معًا؟
الشفافية ليست تهمة.. بل ميزة
من أغرب المفارقات أن تُنتقد بريطانيا لأنها تعلن أرقامها بشفافية!
هل من المنطقي أن نعتبر وضوح الأرقام دليل فشل، في حين أن التعتيم والتضليل في دول أخرى يُقدَّم على أنه “طمأنينة”؟
الذي يكشف عدد الحوادث بدقة لا يُخيفك، بل يعطيك أداة لتفهم الواقع وتتخذ قراراتك بوعي.
المقارنة غير عادلة.. لأننا لا نملك المقابل
لنفترض أن عدد حالات الطعن الموثقة في بريطانيا خلال عام بلغ 40 ألف حالة (كمثال).
ما الرقم الموازي لذلك في دولة عربية أو آسيوية؟
الجواب بسيط: لا نعرف.
ليس لأن الجريمة معدومة، بل لأن الإحصاءات إما لا تُنشر، أو لا تُجمع أصلًا، أو لأنها “أسرار سيادية”!
وبالتالي، حين نقارن، فنحن نقارن بين بلد شفاف وبلد معتم. وهذه ليست مقارنة، بل خداع بصري.
الإقامة لا تُبنى على معدل الجريمة فقط
أن تختار العيش في بلد، لا يعني فقط أن تبحث عن حي آمن.
بل تسأل أيضًا:
- هل إن تعرّضتُ لظلم سأجد من ينصفني؟
- هل سأُعامل كمواطن لا كضيف؟
- هل أستطيع التعبير عن رأيي دون خوف؟
- هل تُحترم خصوصيتي وقيمي؟
- هل ابني أو بنتي سيُعامَلان بعدل في المدرسة والعمل؟
بريطانيا، رغم ما فيها من عيوب، تُوفّر هذه المساحة، أو على الأقل تفتح لك الطريق للمطالبة بها.
أمان… بعدل وكرامة
الأمان لا يعني فقط أن لا تُسرق، بل أن تشعر بأن كرامتك محفوظة.
قد تعيش في بلد تقل فيه الجرائم المعلنة، لكنك لا تجرؤ على فتح فمك. أو في بلد “يبدو” آمنًا، لكن القانون لا يحميك إن لم تكن من أصحاب الحظوة.
أما في بريطانيا، فأنت قد تتعرض لحادث، لكنك تعلم أنك ستُعامَل كبشر، لا كرقم يُهمَل أو كمتهم لمجرد أنك “غريب”.
لماذا نُعاقب من يقول الحقيقة؟
حين تُعلن الحكومة البريطانية، أو بلديات لندن ومانشستر وغيرها، عن أرقام دقيقة ومفتوحة، فهذا لا يعني أن البلاد تغرق في الجريمة، بل تعني أن هناك نظامًا يُسجل ويُحاسب.
وبدلًا من أن نكافئ هذا المستوى من الصراحة، نستخدمه لشيطنة البلد، ونُحذر من العيش فيه؟
هذا منطق مقلوب، ويخدم فقط ثقافة “أغلق فمك واطمئن”.
لا تخلطوا بين الحقيقة والفزّاعة
الرقم المرتفع لا يعني أن المكان خطر، والرقم المنخفض لا يعني أن المكان آمن.
الصدق لا يعني الضعف، والكتمان لا يعني السلام.
في زمن تزييف الواقع، لا بد أن نعيد تعريف الأمان، وهو العدل، والشفافية، والكرامة، قبل أن يكون عدد حوادث الطعن في الأسبوع.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇