العرب في بريطانيا | لنجعل للسودان وغزة مكانا في ضمائرنا

1447 جمادى الأولى 22 | 13 نوفمبر 2025

لنجعل للسودان وغزة مكانا في ضمائرنا

لنجعل للسودان وغزة مكانا في ضمائرنا

في هذا العالم المزدحم بالصراعات والأخبار العابرة، تتزاحم المآسي حتى يكاد القلب يفقد قدرته على الإحساس. غير أنّ ثمّة جراحًا لا يمكن أن تُنسى، لأنها تجاوزت حدود الجغرافيا لتسكن الضمائر، ولأنها ليست مجرد مشاهد ألم تُبثّ على الشاشات، بل امتحانٌ لإنسانيتنا نفسها.

السودان وغزة، جرحان مفتوحان في الجسد العربي، يشهدان كل يوم على عمق ما آل إليه ضمير العالم من خذلانٍ وصمتٍ مخزٍ.

السودان… حين يصير الجوع صدى للحرب

السودان، الذي كان يُعرف بأرض الطيبة والكرم، يعيش اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

حربٌ تمزّق الوطن وتقتلع الإنسان من جذوره، جعلت من المدن أطلالًا ومن البيوت رمادًا. ملايين النازحين، وجوعٌ يطرق الأبواب في بلدٍ كان يطعم غيره من خيرات أرضه، وصمتٌ دوليّ يثير الخجل.

في كل زاويةٍ من السودان حكاية أمٍ فقدت أبناءها، وطفلٍ لم يعد يعرف ملامح بيته، وشابٍ ضاع حلمه في زحام النزوح.

ومع ذلك، ما زال في عيون السودانيين بريق كبرياءٍ لا يُطفأ، كأنهم يردّدون للعالم: لن نُكسر، لأن ما فينا من الإيمان أقوى من الخراب.

وغزة… مدينة تولد من الرماد

وفي الجهة الأخرى من الخريطة، هناك غزة، المدينة التي وُلدت من رحم المعاناة ولم تنحنِ يومًا.

غزة أيقونة صبرٍ تتنفس من تحت الركام، وتصلّي في العتمة، وتقدّم أبناءها قرابين حرية.

في كل بيتٍ غزّي حكاية بطولةٍ تليق بالملاحم، وفي كل بيت شهيدٍ شجرة زيتونٍ تُزهر رغم الجراح.

يتساءل العالم: كيف تصمد هذه المدينة؟

والجواب في وجدانها — في تلك العقيدة التي تجعل من الحياة مقاومة، ومن الموت شرفًا لا يُنال إلا بالموقف.

ضمير الإنسان… أين هو من السودان وغزة؟

لكنّ السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا نحن: أين موقع السودان وغزة من ضمائرنا؟

هل اكتفينا بالتعاطف الموسمي، ثم مضينا إلى تفاصيلنا الصغيرة نبحث عن رفاهيتنا وننسى من يُبادون جوعًا وقصفًا؟

الضمير لا يُقاس بما نقوله، بل بما نحمله في داخلنا من صدقٍ تجاه من يتألّمون.

أن نجعل السودان وغزة في ضمائرنا يعني أن نرفض الصمت، وأن نكسر دائرة اللامبالاة التي تميت فينا المعنى الإنساني، وأن ندرك أن الألم هناك جزءٌ منّا، لأن الإنسانية لا تتجزّأ.

حين تصبح الكلمة فعلًا

ليس المطلوب أن نحمل السلاح أو نغادر أوطاننا، بل أن نحمل الكلمة والموقف والدعاء، وأن نبقي الوعي حيًا.

فالكلمة الصادقة قد توقظ ضميرًا، والصوت الحر قد يخلق تغييرًا، والنية الخيّرة قد تحدث فرقًا في ميزان السماء.

فليكن لكلّ واحدٍ منا عملٌ، ولو صغير، يخفّف من وجعٍ في السودان أو غزة:
صدقة، منشور، دعاء، دعم، أو حتى تربية جيلٍ لا يعتاد الظلم ولا يبرر القتل.

جرحٌ إنساني لا يُمحى

ما يحدث في السودان وغزة ليس شأنًا سياسيًا عابرًا، بل قضية ضميرٍ كونيّ.
العالم الذي يتجاهل معاناة الشعوب المقهورة يفقد شيئًا من روحه كل يوم.

ولعل أعظم ما يمكن أن نقدمه لهؤلاء هو ألّا نسمح بأن يُنسَوا؛ أن نبقي أسماءهم على ألسنتنا، وأن نحكي لأطفالنا عن أطفالٍ يشبهونهم، لكنهم ينامون على أصوات القنابل لا على الأغاني.

في السودان، تجفّ الأنهار لكن لا يجفّ الأمل.
وفي غزة، تُهدم البيوت لكن لا تُهدم الإرادة.
وكأن الله أراد أن يعلّمنا من خلالهما أن النور يولد من قلب العتمة.

وصيتان للمستقبل

فلنجعل السودان وغزة في ضمائرنا، لا كحكايتين من الماضي، بل كوصيتين للمستقبل:

ألا نسمح يومًا أن يُطفأ فينا الإحساس، وألا نغضّ الطرف عن الظلم ما استطعنا إلى الحق سبيلًا.

ولْيكن وعينا سلاحًا، وتعاطفنا عملًا، وذاكرتنا وفاءً لمن قاوموا نيابةً عنّا.

فالعالم لا يحتاج إلى مزيدٍ من الخطابات، بل إلى قلوبٍ تتذكّر أن في الجنوب من يموت عطشًا، وفي الغرب من يُدفن تحت الركام، وأننا جميعًا — مهما تباعدت المسافات — نكمل بعضنا في هذا الوجود.

فإن خفت صوت السودان وغزة يومًا،
فليكن صداهما فينا،
في ضمائرنا التي لا تموت.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة