العرب في بريطانيا | لماذا تتأخر الرحلات الجوية في بريطانيا أكثر من ...

1447 جمادى الثانية 16 | 07 ديسمبر 2025

لماذا تتأخر الرحلات الجوية في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى؟

لماذا تتأخر الرحلات الجوية في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى؟
ديمة خالد November 4, 2025

تحول تأخر الرحلات الجوية في بريطانيا من مشكلة موسمية إلى ظاهرة مزمنة تؤرق المسافرين وشركات الطيران على حد سواء، فما من مطار بريطاني اليوم يخلو من طوابير الركاب المنتظرين لساعات طويلة أو لوحات المغادرة التي تمتلئ بإشعارات التأخير والإلغاء. وبينما يلقي البعض اللوم على الطقس، تشير البيانات الرسمية إلى أن الأزمة أعمق بكثير، وأنها تتعلق بازدحام المجال الجوي الأوروبي، ونقص الكوادر، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وحتى الإضرابات المتكررة في فرنسا.

بحسب أرقام هيئة الطيران المدني البريطانية (CAA)، شهد النصف الأول من عام 2024 عبور 141 مليون راكب عبر مطارات المملكة المتحدة، في رقم قياسي غير مسبوق. كما أكدت وكالة الإحصاءات الجوية سيريوم (Cirium) أن صيف 2024 كان الأكثر ازدحامًا في تاريخ بريطانيا الجوي، إذ سافر خلاله أكثر من 52 مليون شخص من وإلى وجهات تمتد من هونغ كونغ إلى شيكاغو.

لماذا تتأخر الرحلات الجوية في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى؟

لكن هذه الطفرة في الحركة لم تُقابل بتوسعة في المطارات أو تحديث في البنية التحتية، ما جعل المجال الجوي البريطاني من بين الأكثر ازدحامًا في العالم.

يقول مارتن رولف، الرئيس التنفيذي لشركة خدمات الملاحة الجوية الوطنية (NATS)، في تصريح لصحيفة The Times:
“المجال الجوي البريطاني صغير من حيث المساحة، لكنه يستقبل نحو 25% من حركة الطيران الأوروبية. نحن نعمل اليوم عند أقصى طاقتنا، ونتعامل مع أكثر من 8,000 طائرة يوميًا فوق أجواء المملكة.”

تشير البيانات إلى أن نظام مطارات لندن الذي يضم هيثرو وغاتويك وستانستد ولوتون ولندن سيتي وساوث إند هو الأكثر ازدحامًا عالميًا، حيث يستحوذ على 60% من حركة الطيران البريطانية. وفي مطار هيثرو وحده، تقلع أو تهبط طائرة كل 45 ثانية، أي نحو 1,300 حركة طيران يوميًا، ما يعني أن أي خلل بسيط في أنظمة المراقبة الجوية، حتى لو استمر 20 دقيقة فقط، يمكن أن يتسبب في مئات التأخيرات المتسلسلة.

ويقول رولف إن المنطقة الممتدة من برمنغهام شرقًا إلى ستانستد ثم جنوبًا إلى بريستول هي أكثر مناطق العالم تعقيدًا من حيث إدارة المجال الجوي، متجاوزة في ازدحامها حتى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

يؤكد رولف أن الحرب في أوكرانيا تسببت في اختفاء نحو 25% من المجال الجوي الأوروبي، إذ لم يعد بإمكان الطائرات التحليق فوق أوكرانيا وأجزاء من بولندا، ما أجبر الرحلات الطويلة بين أوروبا وآسيا على اتخاذ مسارات أطول عبر تركيا واليونان، مضيفًا حتى سبع ساعات إلى بعض الرحلات ذهابًا وإيابًا.

لماذا تتأخر الرحلات الجوية في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى؟
(Unsplash)

وتفاقمت الأزمة هذا الصيف بسبب الإضرابات المتكررة في صفوف مراقبي الحركة الجوية الفرنسيين، إذ تمر غالبية الرحلات البريطانية إلى أوروبا عبر الأجواء الفرنسية. وبحسب وكالة يوروكنترول (Eurocontrol)، فقد تضرر أكثر من مليون مسافر خلال يومين فقط من الإضرابات في يوليو الماضي، وتم إلغاء أكثر من 10% من الرحلات الجوية الأوروبية.

ووفقًا لتقرير مؤسسة Which? المعنية بحقوق المستهلكين، أصبحت الرحلات الجوية في بريطانيا هذا العام أكثر عرضة للتأخير من أي وقت مضى. وجاءت TUI في صدارة الشركات الأسوأ التزامًا بالمواعيد، إذ وصلت 59.2% فقط من رحلاتها في الوقت المحدد، تلتها Wizz Air بنسبة 66% وRyanair بنسبة 66.5%. أما الخطوط الجوية البريطانية (British Airways) فكانت الأفضل نسبيًا بمعدل دقة بلغ 68.7%، رغم تراجعها عن معدلات ما قبل الجائحة.

وترجع شركات الطيران هذه التأخيرات إلى عوامل خارجة عن السيطرة مثل الطقس والإضرابات والقيود المفروضة على المجال الجوي، بينما تشير easyJet إلى أن الطيران في أكثر أجواء العالم ازدحامًا يجعل التأخيرات شبه حتمية.

تؤكد NATS أنها تعمل على توسيع طاقم المراقبة الجوية بتوظيف 130 إلى 150 مراقبًا جديدًا سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة، بعد تلقي أكثر من 4,000 طلب في الدورة الأخيرة. كما اعتمدت مطارات هيثرو وغاتويك نظامًا متطورًا يُعرف باسم “Pairwise Separation”، يحدد الفواصل الزمنية بين الطائرات (130 ثانية) بدلًا من المسافة، ما ساعد على تقليص التأخيرات الجوية بنحو 1.5 مليون دقيقة منذ تطبيقه قبل عقد من الزمن.

وأزمة تأخر الرحلات في بريطانيا لم تعد مجرد خلل تشغيلي، بل أصبحت قضية بنيوية تمس مستقبل قطاع الطيران بأكمله. فالمجال الجوي الضيق، ونقص الاستثمارات في البنية التحتية، والاعتماد الكبير على المراقبة الجوية الأوروبية، جميعها عوامل تجعل من كل موسم سفر صيفي اختبارًا جديدًا لقدرة بريطانيا على إدارة سمائها.

ومع استمرار النمو في أعداد المسافرين عامًا بعد عام، يبقى السؤال مطروحًا: هل تستطيع بريطانيا إصلاح نظامها الجوي قبل أن يفقد الركاب ثقتهم بالسفر عبرها؟


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة