ردود فعل الإعلام البريطاني على الإعدام الميداني للمسعفين في غزة

أثارت جريمة الإعدام الميداني للمسعفين الفلسطينيين في قطاع غزة على يد الجيش الإسرائيلي موجة واسعة من الغضب في الأوساط الدولية، وسط إدانات من المؤسسات الإنسانية التي وصفت الحادثة بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”. ولكن ردود فعل الإعلام البريطاني جاءت متسقة مع نمطها المعتاد، حيث منحت مساحة لرواية الاحتلال متجاهلة الهدف الأساسي لهذه الجريمة، والمتمثل في إسقاط منظومة الإسعاف والدفاع المدني، وهي آخر منظومات العمل والتدخل الإنساني في القطاع.
وتأتي ردود الفعل بعد أن كشف الهلال الأحمر الفلسطيني عن انتشاله 15 شهيدًا كانوا مفقودين منذ أكثر من أسبوع، عقب تعرّض خمس سيارات إسعاف وشاحنة إطفاء ومركبة تابعة للأمم المتحدة للقصف الإسرائيلي في منطقة الحشاشين جنوب غزة، وتبيَّن أن الاحتلال أعدمهم ميدانيًّا وجرف جثامينهم.
وفي تغطيتها لهذه الجريمة المروعة، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن الهلال الأحمر الفلسطيني اتهم سلطات الاحتلال بارتكاب هذه الجريمة عن سبق الإصرار والترصد. ومع أن الهيئة نقلت صدمة المؤسسات الإنسانية إزاء استمرار الاعتداءات على طواقم الإسعاف المحمية بموجب القوانين الدولية، فإنها في الوقت ذاته نقلت سردية الاحتلال، الذي زعم أن المركبات كانت “تتحرك بشكل مريب”، وأن بين القتلى عنصرًا في حماس وثمانية آخرين وصفهم بـ”الإرهابيين”.
ردود فعل المؤسسات الإنسانية: استنكار وصدمة
وأشارت “بي بي سي” في تقريرها إلى البيان الذي أصدره الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والذي أعرب فيه عن “غضبه” و”صدمته” إثر استهداف المسعفين الذين كانوا يؤدون واجبهم في غزة.
ونقلت عن الأمين العام للاتحاد، جاغان تشاباغين، قوله: “أنا منفطر القلب. هؤلاء المسعفون المتفانون كانوا يستجيبون لنداءات الجرحى. كانوا يقومون بعملهم الإنساني. كانوا يرتدون شارات كان يجب أن تحميهم، وكانت سيارات الإسعاف تحمل شارة الهلال بوضوح. حتى في أكثر النزاعات تعقيدًا، هناك قوانين، والقانون الدولي الإنساني واضح: المدنيون يجب أن يكونوا محميين، والعاملون في المجال الإنساني يجب أن يكونوا محميين، والخدمات الطبية يجب أن تكون محمية”.
وبحسَب البيان، فإن الجيش الإسرائيلي لم يسمح لفرق البحث بالوصول إلى جثث المسعفين الفلسطينيين إلا بعد أسبوع كامل من الحادثة. كما حدّد البيان أسماء الشهداء المسعفين، وهم: مصطفى خفاجة، وعز الدين شعت، وصالح معمر، ورفعت رضوان، ومحمد بهلول، وأشرف أبو لبدة، ومحمد الحيلة، ورائد الشريف وأسعد النصاصرة.
“ذهبوا لإنقاذ الأرواح فدفنوا في مقبرة جماعية”!
ونقلت “بي بي سي” أيضًا عن مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ،جوناثان ويتال، قوله: “قبل سبعة أيام، وصلت سيارات الإسعاف إلى الموقع، لكنها استُهدفت واحدة تلو الأخرى. جُمعَت الجثث ودُفنت في مقبرة جماعية. نحن نُخرجهم الآن بأزيائهم وقفازاتهم لا تزال بأيديهم. لقد جاؤوا لإنقاذ الأرواح، لكنهم انتهوا في مقبرة جماعية”.
“مركباتهم محطمة ومدفونة بالرمال بجانبنا. ما حدث هنا مروع. لا ينبغي أن يحدث هذا أبدًا. لا يجب أن يكون العاملون في المجال الصحي أهدافًا عسكرية”.
في السياق ذاته، ذكرت “بي بي سي” أن رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأونروا)، فيليب لازاريني، وصف عملية دفن المسعفين في “قبور سطحية” بأنها انتهاك جسيم لكرامة الإنسان”، مشددًا على أن استهداف المسعفين رغم الحماية القانونية لعملهم يُشكّل جريمة حرب وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني”.
وفي تغطيتها لجنازة المسعفين، تحدثت “بي بي سي” إلى ناصر أبو لبدة، والد أحد المسعفين الشهداء، الذي قال: “لقد استهدفوا المركبة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة. قتلوهم بدم بارد”. وأضاف: “حاولت العائلات العثور على جثث أبنائها لمدة ثمانية أيام، لكن الاحتلال رفض التنسيق مع أي جهة إنسانية، سواء الهلال الأحمر أو الأمم المتحدة”.
وسُرعان ما انتقلت “بي بي سي” إلى رواية الاحتلال الإسرائيلي، الذي زعم أن العملية العسكرية التي نُفذت في الـ23 من مارس جنوب غزة استهدفت “مركبات مشبوهة تتحرك دون تنسيق مسبق، ودون أضواء أو إشارات طوارئ”، مدعيًا أن التحقيق الأولي كشف عن وجود “عنصر تابع لحماس” يُدعى محمد أمين إبراهيم شباكي ضمن القتلى، إلى جانب “ثمانية مسلحين آخرين من حماس والجهاد الإسلامي“.
وختمت “بي بي سي” تقريرها مشيرة إلى أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دعت إلى تحقيق مستقل وشامل في الحادثة، مؤكدة أن المسعفين كانوا ضمن فرق إنقاذ تعمل تحت حماية القوانين الدولية.
يُذكر أن صور أقمار صناعية أظهرت إقدام الجيش الإسرائيلي على تدمير خمس مركبات تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني في منطقة حي تل السلطان.
كما تُظهر الصور انتشار آليات هندسية وعسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي في المكان، وسط أعمال تجريف مكثفة، بينما أغلق الجيش طريق “المحررات” بحاجز ترابي قرب موقع الحادثة.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇