العرب في بريطانيا | تحقيق: وثائق مسرّبة تكشف تدخل إسرائيل في ملاحقة...

1447 محرم 6 | 02 يوليو 2025

تحقيق: وثائق مسرّبة تكشف تدخل إسرائيل في ملاحقة المتضامنين مع غزة قضائيًا في بريطانيا

تحقيق: وثائق مسرّبة تكشف تدخل إسرائيل في ملاحقة المتضامنين مع غزة قضائيًا في بريطانيا
اية محمد June 2, 2025

كشفت وثائق رسمية بريطانية مسرّبة عن وجود تنسيق وثيق وممنهج بين الحكومة البريطانية ومسؤولين إسرائيليين بهدف ملاحقة ومحاكمة نشطاء حركة “Palestine Action”، الذين يعارضون جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، ويقومون بتعطيل عمل شركة “إلبت سيستمز” الإسرائيلية لتصنيع الأسلحة.

الوثائق تشير إلى أن لندن استجابت لضغوط إسرائيلية عبر تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على نشطاء لا يواجهون تهمًا تتعلق بالإرهاب، في خطوة تُمثل تراجعًا خطيرًا عن معايير قانونية راسخة في بريطانيا.

إسرائيل تسعى لحماية مسؤوليها من ملاحقة جرائم الحرب

من بين ما كشفته الوثائق، قيام مكتب النائب العام البريطاني بإرسال توجيهات لنظرائه الإسرائيليين بشأن كيفية تجنب إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين متورطين في جرائم حرب، مع التأكيد أن دائرة الادعاء الملكية (CPS) شدّدت الإجراءات المتعلقة بإصدار مذكرات التوقيف الخاصة.

وتأتي هذه التحركات في أعقاب حادثة عام 2009 عندما أُجبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني على إلغاء زيارة للندن بعد صدور مذكرة توقيف بحقها بسبب مشاركتها في عدوان غزة.

الضغط الإسرائيلي حينها أسفر عن حملة ضغط مكثفة من تل أبيب، تكللت لاحقًا بمنح الحكومة البريطانية ثلاث شهادات “مهمة خاصة” لمسؤولين إسرائيليين، تحميهم من الملاحقة القانونية أثناء زياراتهم إلى لندن.

تواصل مباشر بين النائب العام البريطاني والسفارة الإسرائيلية

إحدى الوثائق المسربة كشفت أن “نيكولا سميث”، رئيسة قسم القانون الدولي في مكتب النائب العام البريطاني، أرسلت في سبتمبر 2024 رسالة إلكترونية إلى نائبة السفير الإسرائيلي “دانييلا إكشتاين”، تحتوي على تفاصيل الاتصال الخاصة بالمدعين البريطانيين ووحدة مكافحة الإرهاب (SO15)، لتسهيل ملاحقة نشطاء “Palestine Action”.

الرسالة جاءت بعد لقاء جمع سميث بإكشتاين داخل السفارة الإسرائيلية في لندن، المعروفة بارتباطها بالأنشطة الاستخباراتية، في 29 أغسطس 2024. اللافت أن أسلوب التخاطب بين الطرفين كان ودّيًا، ما يعكس طبيعة العلاقة الوثيقة بين الجانبين.

محاكمة النشطاء بتهم “إرهابية” رغم عدم انطباق القانون

في الشهر نفسه، تم سجن عشرة نشطاء من “Palestine Action” بعد اقتحامهم مصنعًا لشركة “إلبت” في منطقة فيلتون جنوب غرب إنجلترا، وتدميرهم لطائرات إسرائيلية مُسيّرة تُستخدم ضد المدنيين في غزة.

رغم أن التهم الموجهة إليهم اقتصرت على تخريب الممتلكات، إلا أنهم وُضعوا قيد الاحتجاز بموجب صلاحيات مكافحة الإرهاب، في خطوة أثارت تنديدًا من قبل مقرري الأمم المتحدة، الذين أكدوا أن التهم لا تنطبق عليها المعايير القانونية للإرهاب.

وفي خطوة تصعيدية لاحقة، جرى اعتقال عشرة نشطاء إضافيين ضمن القضية نفسها، ليُطلق على المجموعة مجتمعة اسم “فيلتون 18″، وهم محتجزون الآن في ظروف قاسية ولفترات تتجاوز المعايير القانونية المعتادة.

لقاءات متعددة بين المسؤولين البريطانيين والإسرائيليين

تشير الوثائق إلى سلسلة لقاءات مباشرة ومتكررة جرت بين مسؤولين بريطانيين من مكتب النائب العام والسفارة الإسرائيلية، كان أبرزها اجتماعات حضرها كل من المستشارة نيكولا سميث، ونائب السفير الإسرائيلي، ومستشار الشؤون السياسية بالسفارة الإسرائيلية “يوسف زيلبرمان”، ومدير مكتب النائب العام “دوغلاس ويلسون”.

وتؤكد رسائل بريد إلكتروني أخرى تعود لمايو 2022، أن اللقاءات السرية والتواصل المباشر بين الطرفين ليست وليدة اللحظة، بل تعود لسنوات.

حملة ضغط إسرائيلية داخل الحكومة البريطانية لصالح “إلبت سيستمز”

تشير وثائق أخرى إلى تواطؤ ثلاثي بين الحكومة البريطانية، شركة “إلبت سيستمز”، والسفارة الإسرائيلية. ففي مارس 2022، عقدت وزيرة الداخلية آنذاك “بريتي باتيل” اجتماعًا مع المدير التنفيذي لـ”إلبت” في بريطانيا “مارتن فوسيت”، بغرض طمأنته بأن الحكومة تأخذ الاحتجاجات ضد شركته على محمل الجد.

ورغم أن الشرطة البريطانية تُعد مستقلة عن الحكومة، تكشف الوثائق عن تواصل وزارة الداخلية مع الأجهزة الأمنية بشأن نشاطات “Palestine Action”. كما وصفت باتيل النشطاء بأنهم “منظمون وممولون ومدربون”، وأعربت عن “قلقها العميق”، وأمرت باتخاذ خطوات فورية ضدهم.

استغلال حكم سابق في قضية تمثال كولستون لتشديد الملاحقات

قبل لقاء باتيل بـ”إلبت”، لم يكن أي من نشطاء “Palestine Action” قد أُدين. لكن بعد اللقاء، قامت الدولة البريطانية بخطوة نادرة وهي استئناف حكم البراءة الصادر في قضية إسقاط تمثال تاجر العبيد إدوارد كولستون عام 2020.

اعتمد الحكم الجديد على مبدأ قانوني مفاده أن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يُطبق على تخريب الممتلكات الخاصة، وهو ما مهد الطريق لملاحقة نشطاء “Palestine Action” كون شركة “إلبت” شركة خاصة.

اتفاقات قانونية بين وزارتي العدل البريطانية والإسرائيلية

رسائل إلكترونية مسرّبة من فبراير 2023 كشفت عن اتفاق مشترك تسعى إليه تل أبيب مع وزارة العدل البريطانية للتعاون في مجالات مثل: التشريع، القانون المدني والجنائي، والتعليم القانوني.

ورغم أن هذه الملفات لا تقع ضمن اختصاص مكتب النائب العام البريطاني، إلا أن مديره “ويلسون” تعهد بالتنسيق مع الجهات المعنية لترتيب هذا التعاون، بل وأبدى ترحيبًا بلقاء بين النائب العام البريطاني ونظيرته الإسرائيليّة.

قانون الأمن القومي البريطاني.. سلاح بيد تل أبيب؟

دخل قانون الأمن القومي الجديد في بريطانيا حيّز التنفيذ في ديسمبر 2023، ويبدو – حسب التحقيق – أنه صُمم خصيصًا لمواجهة أنشطة “Palestine Action” ضد “إلبت سيستمز”.

اللافت أن مشروع هذا القانون قدمته “بريتي باتيل” نفسها، وهي الوزيرة التي أُجبرت سابقًا على الاستقالة بعد عقدها اجتماعات سرية مع مسؤولين إسرائيليين دون علم الحكومة البريطانية.

اجتماعات أمنية عليا بمشاركة “إلبت” ومورديها

في أبريل 2023، عقد وزير الشرطة البريطاني آنذاك “كريس فيلب” اجتماعًا مع ممثلين عن وزارة الداخلية، والادعاء، والشرطة، وشركتي “إلبت” و”تاليس” الفرنسية، لمناقشة سبل مواجهة نشاطات “Palestine Action”.

رغم حجب معظم محتوى الاجتماع، إلا أن الحضور الرفيع واهتمام الحكومة يوحيان بأن مصير المحاكمات والتبرئات كان على جدول الأعمال.

نشطاء محتجزون لأشهر دون محاكمة.. وعائلاتهم: “شعور بالغثيان”

وفقًا لموقع “ذا غرايزون”، فإن النشطاء من “فيلتون 18” ما يزالون رهن الاعتقال لأكثر من 8 أشهر دون محاكمة، في ظل إجراءات تقييدية غير مسبوقة، تشمل منعهم من التواصل مع العالم الخارجي.

أم إحدى المعتقلات، الناشطة “زوي”، قالت إنها شعرت بـ”الغثيان الجسدي” بعد معرفتها بأن مكتب النائب العام البريطاني سهّل لإسرائيل التدخل في محاكمة ابنتها، التي يُتوقع أن تبدأ محاكمتها بعد 15 شهرًا من اعتقالها.

واختتمت بالقول:
“زوي تصرفت لأنها لم تستطع رؤية بلدها متواطئًا في إبادة جماعية. واليوم، نكتشف أن نفس التحالف غير المقدس بين بريطانيا وإسرائيل هو من يتآمر لقمعها ومجموعة فيلتون 18 تحت غطاء مكافحة الإرهاب”.

ونحن في منصة “العرب في بريطانيا” نعبر عن بالغ قلقنا إزاء ما كشفه هذا التحقيق من تعاون موثق بين الحكومة البريطانية ومسؤولين إسرائيليين في ملاحقة نشطاء حقوقيين بريطانيين، لمجرد تعبيرهم السلمي والناشط عن رفضهم لجرائم الحرب في غزة.

ان محاولة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضد مواطنين لا يواجهون تهمًا إرهابية تعد خرقًا خطيرًا لمبادئ العدالة، وتراجعًا مقلقًا عن المعايير القانونية التي طالما افتخرت بها بريطانيا. كما أن تسهيل ملاحقة النشطاء بتنسيق مع سفارة أجنبية يُثير تساؤلات عميقة حول استقلال القضاء البريطاني وحيادية مؤسسات الدولة في القضايا المتعلقة بفلسطين.

وندعو بدورنا السلطات البريطانية إلى وقف استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، واحترام حق التعبير والاحتجاج، والامتناع عن استخدام تشريعات الأمن القومي لتكميم الأفواه وتضييق الحريات. فبريطانيا، بتاريخها الديمقراطي، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تكون في صف العدالة لا القمع، وفي صف الضحايا لا الجلادين.

المصدر: thegrayzone


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
1:37 am, Jul 2, 2025
temperature icon 21°C
broken clouds
74 %
1015 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 69%
Visibility 10 km
Sunrise 4:48 am
Sunset 9:20 pm