العرب في بريطانيا | بي بي سي: خلافات تعرقل خطة الإعمار.. من يقرر مس...

1447 جمادى الأولى 22 | 13 نوفمبر 2025

بي بي سي: خلافات تعرقل خطة الإعمار.. من يقرر مستقبل غزة؟

بي بي سي: خلافات تعرقل خطة الإعمار.. من يقرر مستقبل غزة؟
ديمة خالد November 7, 2025

في وقتٍ تتراكم فيه أكوام الركام في شوارع غزة وتتعثر عودة الحياة الطبيعية، تقف خطة الإعمار أمام خلافات محلية وإقليمية ودولية تعيق انطلاقتها. ورغم تعدد المبادرات التي تُطرح من عواصم بعيدة، يبقى السؤال الأهم معلّقًا: من يملك حق رسم مستقبل غزة؟ وبينما يبدأ السكان أولى خطواتهم نحو التعافي وسط هدنة هشة ودمار هائل، تتصارع الرؤى بين مشاريع عملاقة وخطط سياسية متنافسة وواقع إنساني لا يزال يفوق قدرة أهله على الاحتمال.

ركام بلا نهاية.. وقلق من مستقبل مجهول

بي بي سي: خلافات تعرقل خطة الإعمار.. من يقرر مستقبل غزة؟
دمار غزة بفعل العدوان الإسرائيلي

وسط الشيخ رضوان، يقف أبو إياد حمدونة أمام ما كان يومًا منزله. يشير إلى كومة إسمنت ويقول بحسرة: “بهذا المعدل، سيستغرق الإعمار عشر سنوات… سنموت قبل أن نرى شيئًا يُبنى.”

وفي الجهة المقابلة، ينقب نهاد المدهون وابن أخيه بين الأنقاض، يجمعان الحجارة القديمة وينفضان الغبار عن أريكة حمراء متآكلة. ويرى نهاد أن إزالة الركام وحدها ستستغرق أكثر من خمس سنوات، قائلًا: “سننتظر، لا خيار آخر.”

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تكلفة الدمار بلغت 53 مليار باوند، وأن أكثر من 60 مليون طن من الأنقاض تغطي القطاع، وسط قنابل لم تنفجر وجثث لم تُنتشل بعد.

صراع الرؤى: من يقرر ملامح الغد؟

رغم الحاجة الملحّة إلى خطة الإعمار، تتنافس مشاريع محلية ودولية على رسم ملامح غزة الجديدة، لكن الخلافات السياسية تعرقل أي تقدم فعلي.

طرحت بلدية غزة الخطة المحلية المسماة “عنقاء غزة”، وهي أوّل مبادرة فلسطينية متكاملة تظهر خلال العدوان.

الخطة، التي صاغها نحو 700 خبير فلسطيني داخل غزة وخارجها، تقوم على إعادة البناء ضمن الهوية الاجتماعية والعمرانية للقطاع.

وتقول الخبيرة يارا سالم: “لا يمكن فرض خطة إعمار خارجية دون وجود رؤية محلية واضحة.”

لكن معدّي الخطة يدركون أن مصيرها اليوم بيد قوى إقليمية ودولية تتنافس على النفوذ في غزة.

“ريفييرا غزة”: رؤية ترامب المثيرة للجدل

بي بي سي: خلافات تعرقل خطة الإعمار.. من يقرر مستقبل غزة؟
العدوان الإسرائيلي على غزة (الأناضول/ Mustafa Hassona)

في المقابل، قدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصورًا مختلفًا وأكثر إثارة للجدل، أطلق عليه اسم “ريفييرا غزة”. ورغم السخرية المصاحبة لمقاطع الفيديو التي روجت للفكرة، تحدث ترامب بجدية عن “ملكية طويلة الأمد” للقطاع، فيما رأى صهره الرأسمالي الداعم للصهيونية جاريد كوشنر أن ساحل غزة “يمكن أن يصبح من الأملاك الاقتصادية الأكثر قيمة”.

وتشمل مبادرة ترامب لوقف إطلاق النار خطة اقتصادية لإعادة الإعمار، إضافة إلى “مجلس سلام” يُتوقع أن يكون لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير دور فيه.

خطة “Great”: مدن ذكية وهجرة طوعية

وثيقة أخرى مسرّبة تحمل اسم “Great” تقترح تحويل غزة إلى مدن ذكية متطورة تحت إشراف أميركي لمدة عشر سنوات.

الوثيقة التي أعدها مستشارون إسرائيليون وأميركيون صهيونيون—تقترح “هجرة طوعية” لربع سكان القطاع مقابل 5000 دولار وإيجار مدعوم في الخارج.

الخبير الفلسطيني رجا الخالدي وصف هذه الرؤى بأنها “هلوسية”، محذرًا من فتح الباب أمام “رأسمالية الكوارث” وتهميش الدور الفلسطيني وتهجير سكان القطاع.

الرؤية العربية وخطة السلطة الفلسطينية

خطّة عربية تبنتها جامعة الدول العربية تنص على إعادة إعمار تمتد لخمس سنوات، مع ضرورة إشراك سكان غزة في كل مراحل العمل لضمان تلبية احتياجاتهم.

أما السلطة الفلسطينية، عبر وزير التخطيط إستيفان سلامة، فتركز على إعادة بناء المخيمات الفلسطينية بشكل يحافظ على هويتها التاريخية والاجتماعية: “70% من سكان غزة لاجئون… ويجب الحفاظ على روح غزة.”

لكن السلطة لا تملك السيطرة على القطاع، ما يجعل دورها جزءًا من صراع أكبر حول من يحدد خطة الإعمار وماهيتها.

تحذر الخبيرة الأميركية شيلي كولبرتسون من أن إعادة الإعمار قد تستغرق عقودًا بسبب حجم الدمار. وترى أن بعض المناطق يمكن ترميمها تدريجيًا، بينما مناطق أخرى يجب إزالتها بالكامل.

ويواجه الإعمار عقبة مركزية: التمويل.

فالدول الخليجية المانحة—خصوصًا السعودية والإمارات—ترغب في ضمانات سياسية تحول دون اندلاع حرب جديدة تُفشل استثماراتها.
لكن مع الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تعارض إقامة دولة فلسطينية، تبدو العقبات السياسية هائلة.

الغزيون: نحتاج الماء والمأوى قبل الخطط

في الشيخ رضوان، يصرخ أبو إياد: “إعمار؟ نحن نبحث عن الماء أولًا!”

بعد خمس مرات من النزوح، لا يريد سوى مكان آمن يبقى فيه. يصنع خيمة قرب بيته المدمر، دون انتظار “العنقاء” أو “الريفييرا”.

ويقول بمرارة: “نصنع الخيام… بجانب البيت الذي لا نستطيع العيش فيه.”

وخطة الإعمار لغزة لن تنجح إلا إذا كانت فلسطينية الرؤية ومنبثقة من الواقع المحلي، وليس مجرد مشاريع طموحة تُفرض من الخارج أو تستنسخ نماذج بعيدة عن حياة السكان. فالمعاناة الإنسانية والدمار الهائل يجعلان الأولوية هي إعادة الخدمات الأساسية والمأوى، مع إشراك المجتمع الغزي في كل مرحلة من مراحل إعادة الإعمار.

أي محاولة لتجاهل السكان أو تقليص دورهم في اتخاذ القرار ستؤدي إلى فشل المشاريع الكبرى، مهما كانت التكنولوجيا أو الموارد المتاحة. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون كل خطة لإعادة بناء غزة مرهونة بالاحتياجات الحقيقية لسكانها، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية والاجتماعية، وضمان أن تصبح غزة محورًا للحياة لا مجرد عرض في خطط دولية أو تجارب تكنولوجية،

المصدر: بي بي سي 


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة