اجترار الأفكار !

يعاني العديد في أيامنا هذه من مختلف الثقافات والأعمار والجنسيات من شتّى أشكال الإحباط.
وربما من القلق والتوتر المصحوب ببعض الأفكار السلبية حول واقعهم أو ماضيهم أو المجتمع بشكل عامّ.
وكذلك من عدم قدرتهم على التخلص من الكثير من الأفكار التي يستمرّون في إعادتها وصقلها في ما يعكس على نفسيتهم وواقعهم أسلوبًا معيّنًا وسمة معيّنة لا تنبغي.
ولا يمكن لهذه الشخصية أن تتقدم أو تنجح في ظل عملية اجترار الأفكار المستمر.
فيا تُرى ما هو اجترار الأفكار ؟!

هو أن تعيش دومًا في قلق وأسى على ما مضى وما هو حاصل!
ولا تستطيع أن تخرج من تلك البوتقة التي تحاصرك سواءً بأشخاصها أو بأحداثها.
وتستمر في استذكار تلك الأفكار حتى تصبح جزءًا من مكوِّنِك وحياتك!
ولقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى، وبدأ إرشاده لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [السورة: الشعراء، الآية: 3]
وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على المنهج الربّاني العظيم الذي قوّى من عزيمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجابه تلك الأمم الجاهلة، والأفكار السلبية، والمعتقدات السيئة، وربما كانوا من أقرب الناس إليه، ومن أعزّهم على قلبه!
ولكن الله سبحانه وتعالى نهاه – وهو صاحب الخلق العظيم والصبر الجسيم – عن أن يعيد الأفكار، ويحمل ثقلها على نفسه، فيكون باخعًا وقاتلًا نفسَه من الهمّ والحَزن، ويأسى على ما فاتَ، ويحزن على ما هو آتٍ!
أمَر – سبحانه وتعالى – نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن ينطلق إلى دعوته وحياته، وأن يركّز في مشروعه وفي نهوضه بهذه الأمة، لا أن يجلس ويتلبّسه الحزن والأسى مستعيدًا خذلان فُلان و غدر عِلاّن!
إن هذه المنهجية لأجدها من أكبر المعوقات للتصالح مع النفس والتقدم والرقي للإنسانية جمعاء؛ حيث إنك كلما أردت أن تخطو خطوة وإذا بك تجدد الأفكار، وتعيدها حتى تكون عقبة كؤودًا في طريقك.
إيقاف الأفكار السلبية

وهذا لا يعني أبدًا أننا يجب أن نتناسى أحاسيسنا، ومشاعرنا، وتلك الرغبات التي كنا في أحد الأيام نحلم بها، والعزيزين الذين فقدناهم أو فارقونا.
ولكن يجب أن تحاول في كل موضوع أن تُوقِف الأفكار، وتضع لها حدًّا يفصل بين الحدث والتأثير المستمرّ على حياتك، وعلى تقدُّمك، وعلى صعودك للقمة.
فهنيئًا هنيئًا لمن جعل من الأحجار والظروف سُلّمًا ومُرتقًى تحت قدمَيه ليرقى بها في العلياء.
لا أن يجعلها جبالًا وعثراتٍ في طريقه!
ولا ننسى في هذا المقام دعاء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يدعو به دومًا، وأوصانا به:
(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ). [أخرجه البخاري في صحيحه].
اقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇
https://alarabinuk.com/?p=23886