العرب في بريطانيا | ماذا نفهم من نتائج الانتخابات المحلية في بريطان...

1445 شوال 10 | 19 أبريل 2024

ماذا نفهم من نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا وإيرلندا الشمالية؟

تصميم العرب في بريطانيا لمقال د, أنس التكريتي: ماذا نفهم من نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا وإيرلندا الشمالية؟
د. أنس التكريتي May 8, 2022

أفرزت الانتخابات المحلية في المملكة المتحدة والتي جرت في أجواء مشحونة بالخوف والوجل من زيادة الخناق على المواطن والمستهلك في مختلف جوانب الحياة نظرًا للأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية القائمة منها والمرتقبة، نتائج مختلطة لم تمنح أيّ من الأحزاب فوزًا واضحًا، ولكنّ الخاسر الأكبر من دون شكّ كان حزب المحافظين الحاكم.

 

ولكنّ في الوقت الذي يبدي ناشطو حزب العمال المعارض مظاهر الابتهاج بحيازتهم النسبة الأعظم من البلديات، ولفوزهم التاريخيّ في بلديات طالما كانت تحت سيطرة المحافظين في قلب العاصمة لندن، فإنَّهم يعلمون تمامًا أنّهم خسروا معاقل خارج لندن كانوا يعتبرونها تابعة لهم باتت الآن تحت سيطرة المحافظين أو الديمقراطيين الأحرار، كما أنَّ نسبتهم من الأصوات لم تتعد الحدود التي بلغها الحزب حين كان بزعامة جيرمي كوربن في الانتخابات نفسها عام 2018، مما يشير إلى حالة هي أقرب إلى “محلك سرْ”.

 

الأمر نفسه في حال الأحرار، فبينما سيقول زعيمهم السير أد ديفي إنَّهم الحزب الذي حقق أفضل النتائج والذي قد يكون محقًا بعض الشيء بالنظر للنسب والأرقام، ولكن أنْ يظنّ أحد أنَّ ذلك يشير إلى عودة الحزب ليعود إلى صدارة الواجهة الشعبية أو السياسية كما فعل في عام 2010، فذلك لا يتعدى أن يكون ثمرة خيال خصب واستباق أقل ما يقال عنه إنّه يتسم بالسذاجة.

بوريس جونسون يخرج من موقع اقتراع في الانتخابات المحلية 2022 في لندن
خسر حزب المحافظين نحو 500 مقعد في الانتخابات المحلية (الأناضول/ Wiktor Szymanowicz)

هذا من حيث الأرقام والنسب وما إلى ذلك من بيانات تستدعي الانتباه أول الأمر، ولكنّ المتمعن في تلك الأرقام يصل إلى مضمون آخر أكثر أهمية من مجرد حسابات الفائز والخسائر في جولة انتخابات هي في نهايتها، تتعلق بالبلديات المعنية بحياة المواطنين وبالخدمات التي تقدم لهم على مستوى المحلة والحي والشارع، وما يتصل بالخدمات الصحية والتعليمية والمواصلات وجمع القمامة وصيانة المساحات والميادين العامة وغيرها. فمستوى المشاركة كان مشابها لمثيلاتها من الجولات السابقة، ولكن يمكن الافتراض أنَّ هذه الـ 35% من الشارع البريطانيّ هي الأكثر اهتمامًا وعناية بالشأن العام وبالتالي تجاوبًا مع السياسات العامة للأحزاب السياسية، وهم الأكثر حرصًا على المشاركة في هذه الانتخابات إمّا سعيًا لتثبيت من يرونه ناجحًا، أو إسقاط من يحكمون عليه بالفشل، وبذلك فهي كتلة انتخابية في غاية الأهمية ولا يحسن إهمالها، وإن تضاءلت نسبتها عدديًّا.

 

كما يمكن الافتراض أنّ على الرغم من أنَّ الانتخابات البلدية تعنى بالخدمات المحلية حصرًا، إلا أنَّ الواقع السياسيّ وأداء الأحزاب في مقرّ السياسة البريطانية في ضاحية وستمنستر بلندن لا شكّ وأنّه حاضر في أذهان المصوتين، لا سيما وأنّ الأسابيع الماضية اتسمت بتبعات الحرب الأوكرانية وتأثيراتها العميقة على الاقتصاد المحليّ ونفقات المعيشة ومستوى رفاهية المواطن، وكذلك قصص وفضائح رئيس الوزراء جونسون في الفترة التي كان يحظر على المواطن الخروج من بيته إلا ضمن أضيق الحدود، بينما قضاها جونسون وهو يتنقل بين حفلة شرب وأخرى في مقر الحكومة وسواها، بحسب تسريبات وتقارير وغرامات صدرت بحقّه وبحقّ وزير الخزانة من قبل جهاز شرطة لندن.

 

وبذلك فإنَّ من أهم المؤشرات، أنَّ الناخب البريطانيّ يكاد يفقد الثقة بكلّ الأحزاب السياسية، ولا سيما الحزبين الرئيسيين المحافظين والعمال، حتى أنّ القاعدة الصلبة لكليهما تتضاءل، بينما الأحزاب الهامشية كالأحرار والخضر والمرشحين المستقلين، تستفيد من حيث زيادة أصواتها ومقاعدها البلدية.

 

ورغم أنَّ المراقبين سيشيرون إلى أنَّ الانتخابات البلدية محطة نصفية مناسبة كي يقوم الناخب بتفريغ شحنات الغضب والحنق على الأحزاب السياسية الكبيرة بينما يعود أدراجه يدعم الأحزاب نفسها في الانتخابات العامة التالية، إلا أنَّ هذه النتائج مرفقة بالسياق الحاصل والتغطية الإعلامية المرافقة، تشير إلى أنّها يصح اعتبارها ضمن عملية استشراف المنحى الانتخابيّ للسنوات القادمة حتى موعد الانتخابات العامة.

فرز الأصوات في إيرلندا الشمالية انتخابات المحلية 2022
انتهى فرز الأصوات في إيرلندا الشمالية بنتائج مفاجئة (الأناضول/ Conor McCaughley)

ولا شكَّ أنَّ نتائج أيرلندا الشمالية، والتي تعتبر مقاطعة من المقاطعات الأربع للمملكة المتحدة، ربما تكون هي الأهم والأبرز، ليس على صعيد تقسيم البلديات في أيرلندا الشمالية فحسب، بل ربما على صعيد مستقبل المملكة المتحدة ذاتها، فضلًا عن أيرلندا. ففوز الحزب الجمهوريّ القوميّ الأيرلنديّ شن فين بأغلب الأصوات، وهو الحزب السياسيّ المتمخض عن الجيش الجمهوريّ الأيرلنديّ والذي يعلن صراحة حلمه الأكبر بالانفصال عن بريطانيا وتوحيد شقي الجزيرة الأيرلندية، يمنحه الحقّ في ترشيح الوزير الأول لأيرلندا الشمالية وكذلك في الدخول بشكل مباشر في مفاوضات بنود بركزت المتعلقة بالحدود بين المملكة المتحدة والجمهورية الأيرلندية المنضوية ضمن الوحدة الأوروبية.

 

وبينما كانت بريطانيا وحكوماتها المتعاقبة منذ أكثر من عشرين سنة تتداول في شأن استقلال اسكتلندا، وأجرت بشأنه استفتاء شعبيًّا عام 2014 خسر فيه دعاة الاستقلال بفارق بسيط ولا يزالون يطالبون بإجراء استفتاء جديد إيمانًا منهم بأنَّهم سينجحون هذه المرة، يبدو أنَّ أحدًا لم ينتبه للتغيرات والتحولات في المزاج العام الأيرلنديّ والذي قد يحقق الاستقلال قبل شقيقه الاسكتلنديّ.

 

بالتأكيد، فإنّه من غير المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية وعميقة إثر نتائج الانتخابات البلدية، ولكنّه يجدر بالمراقبين أن يلحظوا منحنى التغييرات الطفيفة في المزاج العام مع ما يرافقها من أحداث جسيمة في المشهدين المحليّ والعالميّ، وما لها من تداعيات على حياة المواطنين خاصة على المستويين الاقتصاديّ والأمنيّ، حيث إنّ المشهد المرتقب حينها سيكون مثيرًا غاية الإثارة.

 

د. أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات


اقرأ أيضًا:

ما الذي تعنيه نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا وإيرلندا الشمالية؟

حزب ” شين فين ” الداعم لاستقلال إيرلندا الشمالية عن بريطانيا يفوز بالانتخابات المحلية

الكشف عن وجود منشورات معادية للإسلام لدى بعض مرشحي الانتخابات المحلية في بريطانيا