العرب في بريطانيا | بيتر أوبورن : كيف بدأ حزب المحافظين في بريطانيا...

1445 شوال 16 | 25 أبريل 2024

بيتر أوبورن : كيف بدأ حزب المحافظين في بريطانيا حربا باردة على الإسلام ؟

اجتماع حمزة يوسف بالرئيس التركي أردوغان يثير غضب الحكومة البريطانية
فريق التحرير May 11, 2022

شهد حزب المحافظين في بريطانيا تحولًا كبيرًا خلال أول عقدين من القرن الحادي والعشرين، وكان الحزب يتباهى حينها بأنه المنظمة السياسية الأكثر نجاحًا واستمرارية في العالم الغربي.

تولى حزب المحافظين زمام السلطة في بريطانيا عدة مرات منذ نشأته في أوائل القرن التاسع عشر، وكان سر نحاجه هو سياسته الحذرة وأسلوبه البراغماتي.

وعُرِف عن الحزب دعمه الكبير للرفاهية في بريطانيا، ودعمه عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وإن لم يُبدِ حماسًا كبيرًا في الحالتين.

صعود اليمين المتطرف أعاد الإسلاموفوبيا إلى الواجهة 

المحافظون الجدد يعيدون الصراع "العربي الإسلامي" إلى الواجهة
المحافظون الجدد يعيدون الصراع “الغربي الإسلامي” إلى الواجهة (بيكساباي)

وعلى كل الأحوال فإن نزعة “المحافظة” التي عُرِف بها الحزب اضمحلت بعد كارثة انتخابات عام 1997، وبحلول مطلع الألفية الجديدة بدا أن حزب المحافظين بدأ يفقد زخمه.

إذ لم يستطع الحزب مواكبة التغيرات الاجتماعية في المجتمع البريطاني، وعانى من خسارة جزء كبير من قاعدته الشعبية.

فبعد الحرب العالمية الثانية كان باستطاعة حزب المحافظين أن يضم نحو 2.8 مليوني عضو بنسبة ناخب من كل عشرة ناخبين في بريطانيا.

ومع تولي ديفيد كاميرون منصب رئيس الوزراء عام 2010 تراجعت القاعدة الشعبية للحزب إلى نحو 200.000 ناخب، وهذه يعني تراجع علاقة الحزب بالمجتمع المدني.

وأصبحت سياسة الحزب خاضعة لأولئك الذين يمولونه إلى جانب أصحاب المصالح الخاصة، الأمر الذي رحَّب به ديفيد كاميرون وثلته الحاكمة.

قاد كاميرون وحلفاؤه حزب المحافظين بطريقة مغايرة للسياسة التقليدية المتبعة في الحزب العريق؛ إذ كان أسلوب كاميرون أقرب لتوني بلير الذي يُعَد من أبرز دعاة تجديد حزب العمال، ومواجهة اليسار التقليدي.

تفاخر حينها جورج أوزبورن كبير مستشاري كاميرون أمام حلفائه بسهولة تولي زمام السلطة.
وعمل ديفيد كاميرون على إخفاء نهجه الجديد في إدارة الحزب.

تلقى كاميرون تعليمه في إيتون، وتزوج بفتاة من الطبقة الأرستقراطية المالكة، وكان يبدو على كاميرون علامات انتمائه لخلفية تقليدية نبيلة، وكانت تطلعات كاميرون مشابهة إلى حدٍّ كبير معظم القادة التقليديين لحزب المحافظين.

ولكن كاميرون كان أحد أعضاء النخبة الدولية المعروفة بامتلاك المال والمرونة أيضًا، ولا يبدو هذا التناقض غريبًا على أفراد الطبقة الحاكمة في بريطانيا.

كان كاميرون مشابهًا لجورج دبليو بوش في بداية شبابه قبل أن يدخل البيت الأبيض؛ فنادرًا ما أظهر بوش أي موقف سلبي أو أي نزعة متطرفة؛ وقد يكون ذلك سبب إقبال كثير من الأمريكيين على انتخابه.

ولكن مع اعتلاء جورج دبليو بوش سدة الحكم في أمريكا سرعان ما خضع إلى نهج نائبه ديك تشيني والثلة المحيطة به.

الأمر نفسه حصل مع كاميرون؛ حيث تولى جورج أوزبورن وضع السياسات والاستراتيجيات في عهده، في حين فرض مايكل جوف أيديولوجيته على زعيم حزب المحافظين الشاب آنذاك.

استلهم المحافظون سياستهم من الحزب الجمهوري الأمريكي، وكان ذلك منطقيًّا في ظل هيمنة حزب العمال على معظم أجزاء المملكة المتحدة في ذلك الوقت، في حين كانت الأحزاب اليسارية تشهد صعودًا سريعًا في أوروبا.

وأطلق الصحفيون على أتباع أوزبورن وصف “المحدثين” بحكم أنهم كانوا شبابًا منطلقين ومنفتحين ولهم ارتباطات وعلاقات على مستوى العالم، لكن وصف “المحدثين” لم يكن دقيقًا.

فقد أعلن هؤلاء انتماءهم لتوجه سياسيي عالمي جديد ومؤثر يُطلَق عليه: “المحافظون الجدد”. قد يعتقد بعض الناس أن هذه التسمية تترجم التوجه الحديث للشباب في حزب المحافظين البريطاني، لكن الأمر على العكس تمامًا.

إذ قاد المحافظون الجدد تيارًا معاديًا للتيار المحافظ.

فعلى سبيل المثال: يميل المحافظون التقليديون إلى الثبات ولا يحبذون التغيير؛ فهم يمارسون الأعمال التجارية بالاعتماد على النمط القديم للمؤسسات، لأنهم يعتبرون أنها تجسد الحكمة.

ويشكك المحافظون التقليديون في قدرة الإنسان على التأثير في الأحداث العالمية، لذلك فهم لا ينادون بالإصلاح الشامل.

وعلى العكس تمامًا يسعى المحافظون الجدد لتغيير العالم، ويعتقدون أن الطبيعة البشرية قابلة للتغيير، ويمكن تشكيلها من جديد.

تفسر هذه النظرة إيمانهم الأعمى بقدرتهم على تصدير نمطهم الديمقراطي إلى بقية البلاد.

هكذا تطور ديفيد كاميرون من شخص يحمل أفكار المحافظين التقليدية إلى زعيم ثوري محافظ.

ففي أيام حكمه الأولى عمل كاميرون مع المسلمين، وكانت نظرته تجاههم متفائلة إلى حد بعيد، وتحدث وقتها عن كثير من القضايا الإسلامية؛ إذ اعتبر كاميرون الإسلام جزءًا من مشروع التحديث الذي قاده.

وأشار كاميرون حينها إلى أن إسرائيل حولت قطاع غزة إلى معسكر اعتقال بعد محاصرتها له، وانتقد المتحدث البريطاني باسم الشؤون الخارجية ويليام هيغ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، ووصف المعركة بأنها “غير متكافئة”، وهو ما أثار غضب الإسرائيليين.

رحَّب كاميرون بسعيدة وارسي – وهي امرأة مسلمة ثلاثينية خسرت المنافسة على مقعد ديوسبري في الانتخابات البرلمانية عام 2005 -، وأشاد كاميرون بها بوصفها وجهًا جديدًا في حزب المحافظين.

ثم منحها كاميرون منصبًا وزاريًّا في حكومة الظل، وأصبحت معنية بشؤون المسلمين والأقليات الأخرى.

درست وارسي في جامعة ليدز، وهي الثانية من أصل خمس بنات لأبوين باكستانيين مهاجرين. عملت وارسي في المحاماة، وساعدت في إدارة أعمال عائلتها التي تمتلك مصنعًا للأثاث في يوركشاير.

وكان من المقرر أن تحصل وارسي على مقعد مشترك في قيادة حزب المحافظين، ولسنوات ظن العديد أن وارسي سترسم مستقبل المسلمين في حزب المحافظين، لكن سرعان ما خسرت وارسي مستقبلها السياسي!

وبعد عامين من تولي كاميرون رئاسة حزب المحافظين – أي في عام 2007 – مكث كاميرون مع عائلة مسلمة مدة أسبوعين بناءً على نصيحة وارسي، وزار أحد المساجد في ذلك الوقت (ملاحظة: زار كاميرون المساجد 12 مرة فقط خلال فترة حكمه).

كتب كاميرون عن تجربته في صحيفة الغارديان، واتخذ عدة مواقف تجاه الإسلام عُدَّت في ذلك الوقت جريئة وشجاعة.

وقال كاميرون حينها: “لا يمكننا التنمر على الناس لمجرد أنهم ليسوا من أصول بريطانية”، وأضاف قائلًا: “إن استخدام كلمة إسلامي لوصف التهديد الإرهابي يساعد الإرهابيين في القيام بعملهم نيابةً عنهم”، وعارض كاميرون الفكرة القائلة: إن المدارس الدينية تعرقل الاندماج الاجتماعي.

وقال أيضًا: “إن الاتجاه التقليدي السائد في بريطانيا يجب أن يقترب من أسلوب الحياة الآسيوي، وليس العكس”.

وأضاف كذلك: “إذا أردنا أن نذكر أنفسنا بالقيم النبيلة البريطانية كالضيافة والتسامح والكرم فهناك كثير من المسلمين الذين لديهم قيم خاصة بهم أيضًا”.

المواجهة بين وارسي وجوف!

مايكل جوف
مايكل جوف (فيسبوك)

واجه كاميرون أزمة حقيقة في عام 2007؛ حيث فكر الزعيم الجديد لحزب العمال وقتها جوردون براون في الدعوة إلى إجراء انتخابات، ولا سيما مع تراجع شعبية المحافظين في استطلاعات الرأي.

عمل كاميرون على تحسين صورته إعلاميًّا عبر تعيين آندي كولسون وهو المحرر السابق في صحيفة “News of the world” المملوكة لروبرت مردوخ، وقد سُجِن الصحفي لاحقًا بسبب قرصنة أحد الهواتف!

وكانت إحدى مهمات كولسون الأساسية هي التأكد من انعكاس آراء مردوخ في سياسة كاميرون الإعلامية.

كانت صحافة مردوخ تتبنى رواية المحافظين الجدد عن المسلمين.

وفي هذه الأثناء عمل المحافظون الجدد على تعزيز النزعة المعادية للإسلام والتخلص، من سعيدة ورارسي، وكان اللاعب الأساسي في ذلك مايكل جوف الذي كان محميًّا من مردوخ الذي دخل عالم السياسة بوصفه نائبًا عن حزب المحافظين عام 2005.

تولى جوف رئاسة (Policy Exchange) – وهو مركز أبحاث تابع لحزب المحافظين – في عام 2006؛ أي بعد عام واحد فقط من انتخاب كاميرون رئيسًا للوزراء. ألَّف جوف كتابًا مشهورًا بعنوان (Celsius 7/7)، وكان الكتابة بمنزلة دعوة لإعادة التحرك من أجل إعادة تشكيل العالم والمملكة المتحدة.

ميَّز جوف في كتابه بين الإسلام والإسلام السياسي؛ معتبرًا أن الأخير لديه نزعة “شمولية” معادية لقيم الليبرالية الغربية.

وعدَّ جوف “الإسلاميين فرقة مستقلة في الإسلام؛ فهم ينظرون إلى المسلمين الآخرين نظرة ازدراء، ويرون أن معظم إخوانهم في الدين غارقون في الخطايا!”.

كان جوف يعتقد أن الإسلاميين هم في حالة حرب مع الغرب، وأن إسرائيل تقف في الخط الأمامي لمواجهتهم، وقال جوف: إن “شريحة كبيرة” من المسلمين في المملكة المتحدة يبلغ عددها 1.8 مليون مسلم لديها آراء ترفض الآخرين.

وعلى حدِّ قوله فإن هذه الشريحة تمثل تهديدًا مشابهًا للنازية والشيوعية! وأشار جوف إلى أن الغرب أخفق في التحرك بصفة جماعية ضد هؤلاء الإسلاميين.

وقد سُلِّم كل عضو جديد في مجموعة أصدقاء إسرائيل نسخة من كتاب جوف، وينتمي 80 في المئة من أعضاء حزب المحافظين إلى جماعة أصدقاء إسرائيل، وخلال فترة قصيرة تبنَّى معظم المحافظين رواية جوف عن الإسلام.

كان من المتعذِّر أن تتوافق وجهات نظر جوف ووارسي؛ حيث أشارت وارسي إلى أن المسلمين يلتزمون بالقوانين، ويتمسكون بقيم العائلة، ويتمتعون بشخصية محافظة، لكن جوف رسم صورة أكثر قتامةً عن المسلمين، وكانت أفكاره تتلقى الدعم المناسب من مركز “Policy Exchange” للأبحاث.

إذ كان المركز المذكور يقدم العديد من المواد والدراسات والأفكار الجديدة التي تدعم ما يقوله جوف.

ازداد الصدام بين تيار المحافظين الجدد – بقيادة جوف – ووارسي التي تلقت دعمًا من الحكومة الائتلافية بعد انتخابات عام 2010، واستمرت في الدفاع عن التعددية الثقافية.

وكان لوارسي حلفاء من حزب الديمقراطيين الأحرار، كما وقف نائب رئيس الوزراء نبك كليج إلى جانبها. ومع ذلك فلم تكن وارسي بقوة خصومها؛ إذ كان وزير الخزانة جورج أوزبورن، ووزير الدفاع ليام فوكس (قبل استقالته في تشرين الأول/ أكتوبر 2011)، ووزير مكتب الحكومة أوليفر ليتوين، ووزيرة الداخلية تيريزا ماي كلهم كانوا يقفون بجانب مايكل جوف، وكذلك فعلت الصحف الممولة من حزب المحافظين.

وعمل دومينيك كامينغز على تقديم النصائح لجوف (يُعرَف عن كامينغز أنه عرَّاب البريكست، وأنه أحد أهم قادة الحملات السياسية في بريطانيا)؛ إذ كان كامينغز مستشارًا في وزارة التعليم قبل تعيينه رئيسًا لموظفي جوف.

وفي هذه الفترة لم يكن كامينغز معروفًا، لكنه ظهر إلى العيان لاحقًا عندما عيَّنه بوريس جونسون المستشار الأول له في تموز/ يوليو 2019.

ومع ذلك كان كامينغز مهتمًّا بإدارة حملات التعبئة الشعبية والتلاعب بالصحافة، وكان أكثر فاعلية؛ لكونه يعمل في دائرة صغيرة.

قدم كامينغز المساعدة لجوف في معركته ضد وارسي عندما كان وزيرًا للتعليم في الحكومة، وتلقى جوف دعمًا لا يقدَّر بثمن من الصحف التابعة لمردوخ؛ حيث عمل جوف في صحيفة التايمز التابعة لمردوخ مدة تسع سنوات.

سبق ذلك دخول مردوخ إلى عالم السياسية بوصفه المستثمر الإعلامي الأكبر الذي يدخل المجال السياسي في المملكة المتحدة.

هاجمت صحف مردوخ المسلمين بلا هوادة، وشنت ضدهم حملات التلفيق والدعاية السياسية، وكانت صحافة مردوخ سلاحًا قويًّا في يد السياسة البريطانية الحديثة.

إلى جانب نائب رئيس الوزراء كليج الذي كان يقدم دعمه لوارسي لم يكن أمام الأخيرة سوى الاعتماد على مجموعة غير مستقرة من الأعضاء المحافظين المؤيدين لها، والذين كان أبرزهم دومينيك جريف.

وللأسف فإن معظم أنصار وارسي المحافظين كانوا من النواب المسنين الذين يشغلون المقاعد الخلفية في البرلمان، ولم يكن لوارسي أي أمل في الاستمرار في مواجهة جوف.

ثم ظهر انقسام حكومة المحافظين على العيان للمرة الأولى عام 2010 عندما دُعِيت وارسي للتحدث في مؤتمر السلام والوحدة العالمي في لندن. الحدث الذي وصف بأنه أكبر لقاء إسلامي يُعقَد في أوروبا. (https://kidsrkids.com/)

وافقت وارسي على حضور المؤتمر، لكنها سرعان ما انسحبت بناءً على تعليمات وصلتها من مقر رئاسة الوزراء في داونينج ستريت.

وما زال سبب إجبار وارسي على عدم حضور الاجتماع مجهولًا، لكن عُثِر على ورقة كانت متداولة في تلك الفترة بين الأوساط الحكومية تسلط الضوء على التمييز بين المسلمين “الجيدين” و”السيئين”.

وأرسل إد حسين و ماجد نواز العضوان في مؤسسة كويليام هذه الورقة الحكومية التي عثرا عليها إلى تشارلز فار الذي كان وقتها رئيس مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب.

وصفت الورقة الحكومية العديد من المساجد والمنظمات الإسلامية بأنها متعاطفة مع الإسلاموية (الإسلام السياسي)، وأُرفِقت الورقة ببيان يحذر من التعامل مع هذه الجماعات؛ لأنها تدعم الممارسات والأفكار الإرهابية”.

لا يمكن معرفة كيفية تأثير هذه الورقة على إجبار وارسي على الانسحاب من المؤتمر، لكن هذه الورقة أظهرت وجهة النظر التي كانت سائدة في الدوائر البريطانية الرسمية والإعلامية على حد سواء.

وتتلخص وجهة النظر هذه في أن كل المسلمين المتعاطفين مع الإسلام السياسي هم مشبوهون، وأي سياسي يلتقي بهم أو يحضر اجتماعاتهم ستعاقبه الهيئات المختصة!

المكارثية الجديدة!

إذا ألقينا نظرة على الحرب الباردة خلال خمسينيات القرن الماضي فسنعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية أُصيبت بمرض يسمى المكارثية (هي اتجاه سياسي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1950 يهدف إلى تشديد الرقابة على الشيوعيين الذين يعملون في الدولة ويُنسَب هذا الاتجاه إلى عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي الذي كان رئيسًا لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس، واتهم عددًا من موظفي الحكومة – وخاصة في وزارة الخارجية -، وساهم في حبس بعضهم بتهمة أنهم كانوا شيوعيين يعملون لمصلحة روسيا).

يرى بعض الناس أن المكارثية أصبحت اليوم أحد أشكال الجنون والتعصب القومي؛ حيث عزَّزت نشر المزاعم الكاذبة وغير المدعومة بأدلة ضد أفراد آخرين من أجل غايات سياسية.

ويعتمد جوهر هذا الأسلوب على عجز الآخرين عن الدفاع عن أنفسهم بالحجج العقلية أو بالأدلة، وفي حال استطاعتهم ذلك فإن أنصار المكارثية سيبتكرون أدلة واتهامات جديدة ليصلوا إلى هدفهم!

طُبِّقت المكارثية على جميع أنصار الشيوعية سابقًا، أو أي شخص كان يُظهِر تعاطفه مع الشيوعية.

عملت المكارثية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، ولكن سلاحها الأكثر ضررًا هو وضع الناس في القائمة السوداء؛ حيث لم يعرف العديد من الضحايا أن التهم قد وُجِّهت إليهم أصلًا، وتُعَد المكارثية ظاهرة يمينية.

وتوجد أوجه شبه بين المكارثية والحرب الباردة التي شنتها المملكة المتحدة على مسلمي بريطانيا، وإن كان التشابه ليس دقيقًا للغاية، لكن يمكننا التأكد من أن هناك شخصًا ما في كل مكان يوجه ادعاءات زائفة بحق كل مسلم بريطاني باستثناء أولئك الذي جرت الموافقة على دخولهم البلاد رسميًّا.

يُطلَب من المسلمين اليوم إثبات ولائهم للولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا تمامًا كما كان يحصل مع الشيوعيين في خمسينيات القرن الماضي، وإلا فإن تحركات المسلمين وآراءهم ستُعرَّف على أنها تخريبية، ثم يُوضَع المساهمون فيها ضمن القائمة السوداء!

وهناك مخاوف كبيرة بشأن تسلل الإسلاميين إلى المدارس والكليات، وحول الخلايا الإسلامية التي تسعى للسيطرة على المجتمعات، وكما هو الحال في الحرب الباردة فهناك هجوم ضخم ضد ما يسمى “الإسلام الراديكالي”.

وينفذ هذا الهجوم المنظمات المستقلة والمجلات والمفكرين الذين يُموَّلون سرًّا من أموال الضرائب العامة.

كما يُمنَح بعض الإسلاميين الراديكاليين مناصب إصلاحية؛ لكي يعملوا على الكشف عن الدلائل التي تشير إلى أي راديكالية محتملة كما كان الحال مع الشيوعيين خلال القرن الماضي.

لقد أصبحت مناهضة الإسلاميين صناعة تجلب الأرباح، وتخلق فرص العمل؛ حيث يعمل بها العديد من الصحفيين والمفكرين والزعماء الدينيين!

لقد حققت الحملات الغربية ضد الشيوعية انتصارًا كبيرًا، وحسمت الدول الغربية الحرب الباردة مع الشيوعية. من ناحية أخرى حصدت الحملات الغربية ضد المسلمين كثيرًا من الضحايا، لكنها ما زالت تخاطر بإغراق العالم الغربي في حرب باردة جديدة ضد ملايين الأشخاص الذين لا يشكلون في الحقيقة أي خطر على الغرب.

 

المصدر : middleeasteye


 

 

اقرأ أيضاً : 

اتهامات للإمارات بمحاولة التأثير على وزراء من حزب المحافظين لتضليل الرأي العام البريطاني

نائب في حزب المحافظين يشاهد موادا إباحية أثناء جلسة البرلمان البريطاني

حزب المحافظين يحقق بمشاهدة نائب في البرلمان البريطاني لمواد إباحية أثناء الجلسة