العرب في بريطانيا | رئيسة أساقفة كانتربري تحذر من خطاب الهجرة وتأثي...

1447 رجب 6 | 26 ديسمبر 2025

رئيسة أساقفة كانتربري: خطاب الهجرة يهدد تماسك المجتمع البريطاني

رئيسة أساقفة كانتربري: خطاب الهجرة يهدد تماسك المجتمع البريطاني
محمد سعد December 26, 2025

في ظل تصاعد الجدل حول الهجرة وتنامي الاستقطاب السياسي والاجتماعي في بريطانيا، يعود الخطاب الديني إلى الواجهة بوصفه أحد الأصوات القليلة التي تحاول إعادة النقاش إلى أرضية أخلاقية أوسع. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والمخاوف المرتبطة بالهوية والانتماء، يبرز سؤال قديم-جديد حول قدرة المجتمع على الحفاظ على تماسكه، في وقت تتحول فيه الهجرة إلى عنوان للانقسام بدل أن تكون مساحة لاختبار القيم الإنسانية المشتركة.

رسالة عيد الميلاد: الهجرة تختبر القيم الإنسانية المشتركة

Sarah Mullally | The Archbishop of Canterbury
حذّرت رئيسة أساقفة كانتربري المرتقبة من أن الجدل الدائر في بريطانيا حول الهجرة بات عامل انقسام اجتماعي.

حذّرت رئيسة أساقفة كانتربري المرتقبة، سارة مولالي، من أن الجدل الدائر في بريطانيا حول الهجرة بات عامل انقسام اجتماعي، بدل أن يكون مساحة لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وذلك في عظة ألقتها يوم عيد الميلاد داخل كاتدرائية سانت بول في لندن.

وقالت مولالي، التي تشغل حاليًا منصب أسقفة لندن، إن «النقاشات الوطنية حول الهجرة لا تزال تفرّقنا، في وقت يفترض أن تجمعنا إنسانيتنا المشتركة»، مشيرة إلى أن الضغوط الاقتصادية وتنامي الشعور بالتهميش يدفعان قطاعات واسعة من المجتمع إلى الإحساس بعدم اليقين والقلق من المستقبل.

وأضافت في عظتها أن الفرح، وفق التصور الديني، يولد غالبًا في أكثر اللحظات قتامة، معتبرة أن هذه الفكرة تتيح للمجتمع أن «يصنع مساحة للآخرين»، سواء داخل البيوت أو دور العبادة أو النقاشات العامة، بدل الانغلاق خلف المخاوف والهواجس.

الهجرة كعنوان للانقسام الاجتماعي

ورأت مولالي أن الجدل حول الهجرة يعكس حالة أوسع من التوتر داخل المجتمع البريطاني، حيث يشعر كثيرون بثقل الأزمات الاقتصادية، فيما يجد آخرون أنفسهم على هامش الحياة العامة. وأكدت أن هذه القضايا، وإن لم تختزل صورة المجتمع بأكملها، فإنها تثير تساؤلات حقيقية حول تماسكه وقدرته على الصمود في وجه الاستقطاب.

وشددت على أن الخطاب الديني، في هذا السياق، لا يسعى إلى تجاهل المعاناة أو التقليل منها، بل إلى مواجهتها بشجاعة عبر التمسك بقيم التعاطف والمسؤولية الجماعية.

شهادات من الأراضي الفلسطينية المحتلة

في سياق متصل، تناولت العظة أيضًا الانقسامات العالمية، ولا سيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد أشار رئيس أساقفة يورك، ستيفن كوتريل، في عظة منفصلة ألقاها في عيد الميلاد، إلى تجربته الشخصية خلال زيارة حديثة للأراضي المقدسة.

Photos of Archbishop Stephen Cottrell | The Archbishop of York
أسقف يورك يقول إنه تعرض للتوقيف عند حواجز عسكرية إسرائيلية ومُنع من زيارة عائلات فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

وقال كوتريل إنه تعرض للتوقيف عند حواجز عسكرية، كما مُنع من زيارة عائلات فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، مضيفًا أن ما شهده هناك عكس مناخًا من الخوف المتبادل وانعدام الثقة، حيث «لم نعد نرى أنفسنا في الآخر، فننكر إنسانيتنا المشتركة».

رمزية الجدار في بيت لحم

وتحدث كوتريل عن مجسّم رمزي لمشهد الميلاد تلقّاه من ممثلي جمعية الشبان المسيحيين (YMCA) في بيت لحم، وهي منظمة دولية تعمل في المجالين الاجتماعي والإنساني داخل الأراضي الفلسطينية. ويُظهر المجسّم جدارًا إسمنتيًا رماديًا ضخمًا يحول دون وصول المجوس إلى مكان الميلاد، في إشارة رمزية إلى القيود والحواجز المفروضة على حياة الفلسطينيين.

وقال كوتريل إن رؤية هذا الجدار على أرض الواقع كانت «صادمة»، معتبرًا أنه لا يرمز فقط إلى ما يجري في الأراضي المقدسة، بل إلى «الجدران والحواجز التي تُبنى في أنحاء مختلفة من العالم، وأحيانًا داخل عقول البشر وقلوبهم».

صوت ديني عالمي ومعاناة غزة

Pope Leo at Christmas Day Mass: 'The Word Has Pitched His Fragile ...
بابا الفاتيكان أشار لمعاناة غزة في خطبة عيد الميلاد 2025

وفي الفاتيكان، تطرّق البابا ليو، خلال أول قداس عيد ميلاد له منذ انتخابه في أيار/مايو الماضي، إلى الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. واستدعى البابا، في خطاب رمزي، صورة الميلاد في ظروف الفقر والهشاشة، متسائلًا: «كيف لا نفكر في الخيام المنصوبة في غزة، المعرضة للأمطار والبرد والرياح؟».

كما عبّر عن قلقه إزاء أوضاع المشرّدين وضحايا الحروب حول العالم، مشيرًا إلى أن النزاعات المستمرة تخلّف دمارًا وجراحًا مفتوحة، وتدفع شبابًا كثيرين إلى حمل السلاح في حروب لا يرون فيها سوى العبث وانسداد الأفق.

وخلال رسالة «إلى المدينة والعالم»، دعا البابا إلى وقف الحروب الدائرة في مناطق عدة، من بينها أوكرانيا والسودان وميانمار، مؤكدًا أن حماية المدنيين واحترام الكرامة الإنسانية يجب أن يظلا أولوية أخلاقية عالمية.

الخطاب الديني ودوره في لحظات الانقسام

تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن تلاقي هذه المواقف الدينية، من داخل بريطانيا وخارجها، يعكس إدراكًا متزايدًا بأن خطاب الهجرة لم يعد مجرد ملف سياسي تقني، بل اختبارًا أخلاقيًا حقيقيًا لقدرة المجتمعات على التمييز بين حماية الحدود والتواطؤ مع الظلم. فاستحضار معاناة الفلسطينيين، ولا سيما في غزة، داخل هذا الخطاب لا يقتصر على توصيف النزوح واللجوء، بل ينطوي على إدانة أخلاقية ضمنية لمنظومة عنف وإفناء جماعي تُنتج الهجرة القسرية بوصفها نتيجة مباشرة للعدوان والجرائم المستمرة. وفي لحظات الاستقطاب الحاد، لا يقتصر دور الخطاب الديني على الوعظ أو الإدانة الرمزية، بل يتحول إلى مساحة لكشف التناقض بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية، وإعادة تثبيت الإنسانية المشتركة كخط دفاع أخير في مواجهة منطق الإقصاء والتجريد من الحق في الحياة.

المصدر: الجارديان


اقرأ أيضاً

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة