لماذا تشكّل خوارزميات نظام الهجرة خطرًا على اللاجئين في بريطانيا؟
كان «جان» (اسم مستعار لأسباب أمنية) في السادسة عشرة عندما وصل إلى بريطانيا في أول رحلة له خارج بلده في إفريقيا الوسطى. بعد ساعات من وصوله، تُرك وحيدًا أمام مقرّ «التأشيرات والهجرة» في كرويدون (مبنى Lunar House)، بلا وثائق تثبت هويته، خائفًا ومصدومًا بعد أيام “كابوسية” شهد خلالها هجومًا مروّعًا على أسرته وتعرّض هو نفسه للتعذيب.
وبحسب روايته لصحيفة The Independent، ساعدته صديقة مقرّبة من العائلة على السفر جوًّا إلى بريطانيا، لكنه فوجئ بأنها تخلّت عنه عند مركز الهجرة، وأبلغته بأنها لم تعد قادرة على دعمه، طالبةً منه الدخول وشرح قصته للسلطات. داخل المبنى، اصطدم جان بواقع جديد: لغة مختلفة، طقس مختلف، وقلق حاد من رؤية أصحاب الزي الرسمي بسبب صدماته السابقة.
أرقام متزايدة: آلاف القاصرين يصلون وحدهم إلى بريطانيا

تستقبل السلطات البريطانية سنويًا آلاف الأطفال طالبي اللجوء غير المصحوبين بذويهم، وغالبية هؤلاء تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا. وخلال العام المنتهي في مارس/آذار 2025، سُجّلت 3,707 طلبات لجوء مقدّمة من أطفال وصلوا منفردين.
وبموجب القواعد المعمول بها في بريطانيا، يتوجّب على الخدمات الاجتماعية توفير سكن آمن للقاصرين حتى سن 17 عامًا، إلى جانب الغذاء والملابس والتعليم والمساعدة في إجراءات طلب اللجوء.
أزمة «تقدير العمر»: عندما يُعامل القاصر كأنه بالغ
رغم هذه الالتزامات، تشير معطيات حقوقية إلى أن مئات الأطفال يُصنَّفون خطأً من قبل موظفي وزارة الداخلية على أنهم بالغون، ما يحرمهم من الحماية والرعاية التي يستحقونها، ويدفع بهم إلى بيئات غير آمنة.
وأظهرت بيانات حصلت عليها «مؤسسة هيلين بامبر» أن ما لا يقل عن 678 طفلًا في عام 2024 صُنِّفوا كبالغين بعد “تقييم بصري” بشري عند الحدود.
وفي سياق موازٍ، خلص ديفيد بولت، المفتش المستقل لشؤون الحدود والهجرة، إلى أن معايير مثيرة للجدل — مثل “غياب التواصل البصري” — استُخدمت في اتخاذ قرارات تتعلق بالعمر، كما تحدّث عن وجود ضغوط مورست على بعض الأطفال للتصريح بأنهم فوق 18 عامًا. ومن بين عينة من 55 حالة راجعها المفتش بعد أن اعتبرت وزارة الداخلية أصحابها “أكبر بكثير من 18 عامًا”، تبيّن أن 76% منهم كانوا في الحقيقة أطفالًا.
من الحكم البشري إلى الخوارزميات: خطة وزارة الداخلية لاستخدام تقدير العمر بالذكاء الاصطناعي

وسط الانتقادات المتصاعدة لتقييمات العمر البشرية، تتجه الحكومة إلى إدخال تقنية تقدير العمر عبر الوجه باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتقول منظمات خيرية وحقوقية إن الخطوة قد تتحول إلى “تجربة على المهاجرين” تحمل عواقب “خطيرة ومغيّرة للحياة”.
وبحسب ما ورد، تبحث وزارة الداخلية عن “خوارزمية قادرة على التنبؤ بدقة بعمر الشخص”. كما يفيد إشعار عقد حكومي اطّلعت عليه The Independent بأن التقنية ستكون ذات “حالات استخدام متعددة” داخل وزارة الداخلية، ومنها دعم قرارات تحديد عمر من يصلون بلا وثائق هوية يمكن التحقق منها.
العقد مدته ثلاث سنوات ويبدأ في فبراير/شباط من العام المقبل، وتبلغ قيمته 1.3 مليون باوند. وعند إعلان الخطة في يوليو/تموز، قالت وزيرة وزارة الداخلية آنذاك دام أنجيلا إيغل إن تقنية تقدير العمر بالذكاء الاصطناعي عبر الوجه ستكون “الخيار الأكثر فاعلية من حيث التكلفة”. وأضافت أن الهدف هو دمج التقنية بالكامل ضمن نظام تقييم العمر خلال عام 2026.
أين ومتى ستُستخدم الخوارزمية؟ أسئلة بلا إجابات حاسمة
حتى الآن، لا توجد صورة نهائية حول المرحلة التي ستدخل فيها هذه التقنية ضمن مسار اللجوء: هل ستُستخدم عند الوصول، بما في ذلك على من يصلون عبر القوارب الصغيرة؟ أم ستؤثر في مراحل لاحقة أو في القرارات النهائية لطلبات اللجوء؟
تؤكد وزارة الداخلية أن التقنية ستكون “مساندة” لعمل الموظفين، وأنه لم يُحسم بعد أين ستُدمج بالضبط داخل النظام.
عامل الصدمة: لماذا قد تُخطئ الخوارزميات في حقّ الأطفال؟

تُعد هذه النقطة من أكثر محاور الجدل حساسية. فإذا استُخدمت التقنية في لحظة الوصول، فإن الخوارزمية ستواجه واقعًا معقدًا: أطفال يخرجون من مسارات صدمة وتعذيب واضطهاد ورحلات شاقة قد تغيّر ملامحهم، وتُظهرهم أكبر من أعمارهم. وهي عوامل مرتبطة — وفق خبراء ومنظمات حقوقية — بالإنهاك وسوء التغذية والخوف المزمن والآثار النفسية والجسدية للرحلة.
«جان» نموذجًا: قرار خاطئ دفعه إلى الخطر والتشرّد
قصة جان تُظهر نتائج هذه الأخطاء على الأرض. فعند وصوله عام 2012 حصل بدايةً على دعم الخدمات الاجتماعية وسكن ضمن رعاية مع أطفال آخرين. لكن لاحقًا، قررت وزارة الداخلية أنه ليس طفلًا، وسُحب منه الدعم.
يروي جان أن المقابلة التي حُسم فيها مصيره جاءت قرب نهاية الدوام، ثم وُوجه باتهام مباشر بالكذب بشأن عمره. وبعدها طُلب منه التوجّه إلى «مجلس اللاجئين» (Refugee Council) مستخدمًا خريطة دون مرافقة، في رحلة طويلة كانت صعبة بسبب حاجز اللغة. وصل متأخرًا، ثم أُرسل إلى نُزل للمبيت.
وكان الأخطر أن جان — وهو بعمر 17 عامًا حينها وبإنجليزية محدودة — وُضع في نُزل مع طالبي لجوء بالغين، ما جعله يشعر بتهديد دائم. ترك المكان ظنًا أنه يحمي نفسه، لكنه يصف ذلك اليوم بأنه كان خطأً، إذ قادته حالته النفسية إلى العزلة ثم إلى نحو أربع سنوات من النوم في الشوارع في لندن.
انتهت تلك المرحلة حين وجّهه شخص غريب رآه يتسوّل في محطة قطار إلى منظمة «نوتردام» الخيرية في ليستر سكوير، ومن هناك حصل على إحالة إلى منظمة «التحرر من التعذيب» (Freedom from Torture) التي ساعدته في تقديم طلب لجوء جديد. وفي عام 2018، أصدر قاضٍ قرارًا بمنحه الحماية، مع اعتراف ضمني بأنه كان ينبغي أن يُعامل كطفل لاجئ منذ البداية. واليوم يعيش جان في سكن توفره البلدية، وفي يوم المقابلة علم أيضًا أنه أصبح مواطنًا بريطانيًا.
لكن جان يقول إن القلق لا يزال قائمًا، ليس عليه وحده، بل على كل طفل قد يصل إلى بريطانيا ويُقابل بالتشكيك بدل الحماية.
يرى جان أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا الملف يحمل بُعدًا “لا إنسانيًا”، معتبرًا أن الأشخاص الضعفاء قد يتحولون إلى “مواد تدريب” لخوارزميات قد تخطئ، بينما تكون كلفة الخطأ على حياة الإنسان نفسها.
لماذا تُعد الخوارزميات خطرًا على اللاجئين؟

جوهر المخاوف لا يتعلق بالتكنولوجيا وحدها، بل بنتائج الخطأ حين يُطبَّق على فئة شديدة الهشاشة. فتصنيف طفل على أنه بالغ — سواء بقرار بشري أو بخوارزمية — يعني عمليًا سحب الحماية والرعاية، ودفعه إلى مسارات سكن غير آمنة، وربما التشرد والاستغلال. وفي سياق اللجوء، حيث الصدمة والتعب وسوء التغذية قد تشوّه الملامح وتربك أي تقدير بصري، تصبح القرارات المعتمدة على “تقدير العمر” نقطة فاصلة قد تغيّر حياة شخص بالكامل.
وترى منصة العرب في بريطانيا AUK أن حماية الأطفال طالبي اللجوء يجب أن تظل أولوية لا تقبل المساومة، وأن أي تحديثات تقنية داخل نظام الهجرة ينبغي أن تُقاس بقدرتها على تقليل الأخطاء لا توسيعها. كما أن إدخال خوارزميات لتقدير العمر دون إطار صارم من الشفافية والمساءلة والرقابة المستقلة، ودون ضمانات قانونية واضحة تمنع تحويل “الاحتمال التقني” إلى قرار مصيري، قد يفاقم المظلومية بدل علاجها.
المصدر: independent
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
