العرب في بريطانيا | بريطانيا تتحول إلى بيئة طاردة لكثير من المسلمين...

1447 رجب 1 | 21 ديسمبر 2025

بريطانيا تتحول إلى بيئة طاردة لكثير من المسلمين البريطانيين

WhatsApp Image 2025-12-19 at 10.23.09
خديجة الشعيال December 19, 2025

قبل خمسة وعشرين عامًا، عندما كنتُ طالبة في مرحلة الـA-level ومهتمّة جدًا بالسياسة، حضرتُ فعاليةً للمجتمع المسلم. في تلك الفعالية، صعد محامٍ إلى المنصة وتحدث بشكل مرتجل عن «قانون الإرهاب البريطاني لعام 2000» الذي كان قد صدر حديثًا.

قال إن هذا القانون يمثل نقطة تحوّل خطيرة: لأنه نقل مكافحة الإرهاب من كونها «تشريعات طارئة» تُستخدم في حالات استثنائية، إلى كونها قانونًا أساسيًا دائمًا في قلب النظام القانوني البريطاني. والأهم من ذلك أنه بدأ يعرّف الإرهاب بطريقة تربطه بـالأيديولوجيا والأفكار، وليس فقط بالحروب والنزاعات.

كان هذا مخيفًا بالنسبة لي، لكنني لاحظت أيضًا ارتباكًا في القاعة. كثيرون لم يستوعبوا وقتها ما الذي قد يترتب على ذلك مستقبلًا — ليس فقط على حرية التعبير، بل على مكانة المسلمين في بريطانيا أيضًا.

فالقانون تضمن قائمة بجماعات «محظورة»، كثيرٌ منها ينشط في العالم الإسلامي، وبعضها له خطاب إسلامي صريح. والسؤال الذي كان يتشكل في الخلفية: إذا صار الإرهاب يُعرّف على أساس «الفكرة/العقيدة»، فهل سيعني ذلك أن أي حركة سياسية للمسلمين يمكن أن تُقرأ كتهديد أيديولوجي؟

بعد سنة: 11 سبتمبر وصعود سؤال “هل لنا مستقبل هنا؟”

بريطانيا تتحول إلى بيئة طاردة لكثير من المسلمين البريطانيين

بعدها بعام واحد فقط وقعت أحداث 11 سبتمبر. وانعكاسها لم يكن سياسيًا فقط، بل كان ملموسًا وحادًا داخل المجتمعات المسلمة حول العالم، وفي بريطانيا تحديدًا.

في لقاءات المسلمين في بريطانيا بدأ يتكرر سؤال مُقلق: “هل لنا مستقبل في هذا البلد؟”

حتى الذين وُلدوا وتربّوا في بريطانيا، وبنوا حياتهم فيها، صاروا يشكون: هل يمكن أن تكون بريطانيا «وطنًا حقيقيًا» للأبناء والأحفاد؟

وكان الخوف أن الدولة — مع تشريعات مكافحة الإرهاب الجديدة — ستتعامل مع «المسلم» بوصفه العدو النموذجي، وأن هذا سيؤدي إلى تحميل الجالية كلها مسؤولية تصرفات قلة، وتوسيع صلاحيات الدولة في المراقبة والقمع، بما يخلق مناخًا من الشك يجعل الحياة صعبة، خصوصًا للمسلمين ذوي الأصول المهاجرة. وذاكرة الإبادة في البوسنة كانت ما تزال قريبة، وهذا زاد القلق.

استراتيجية بعض المؤسسات: “إثبات الولاء”

أمام هذا الواقع، تفاعلت منظمات ونشطاء مسلمون بطرق مختلفة. أحد أهم الاتجاهات كان الاستثمار في سردية الولاء: فكرة أن المسلمين استقروا هنا منذ أجيال، وأن بريطانيا وطنهم، وأن عليهم أن يثبتوا هذا بشكل واضح أمام المجتمع والدولة.

كثير من المؤسسات الإسلامية الكبيرة ركّزت على كسب «الشرعية» عند الرأي العام، أكثر من تركيزها على الدفاع المباشر عن الأفراد والمجتمعات الذين وقعوا تحت الاستهداف.

فبدلًا من التصادم مع المزاج السياسي والإعلامي، حاولت هذه المؤسسات أن تقول للناس:

  • المسلمون جيران طبيعيون مثل غيرهم
  • للإسلام تاريخ طويل في بريطانيا
  • المسلمون خدموا في الجيش
  • للمسلمين أثر اقتصادي إيجابي

كما ظهرت لغة دينية تُستخدم لتأسيس فكرة: أن المسلم في بلد غير مسلم لديه «واجب مدني» يتمثل في احترام قوانين البلاد وأعرافها، وأن التصنيفات القديمة مثل “دار الإسلام ودار الحرب” لم تعد نافعة، ويمكن النظر إلى بريطانيا كـ“دار الشهادة” — بلد يوجد فيه قانون وفرصة لممارسة الدين بأمان نسبي.

ومن هذا المنطلق، دعت هذه المقاربة بعض المسلمين إلى التمسك بالمواطنة البريطانية بشكل قوي — وأحيانًا حصري — بحجة أن بلدان الأصل غالبًا استبدادية وتقمع التدين والمعارضة بلا عدالة أو شفافية.

كان الهدف النهائي لهذه السياسة هو طمأنة المؤسسة السياسية والإعلام اللذين لا يتوقفان عن سؤال المسلمين: “أين ولاؤكم الحقيقي؟”
بمعنى آخر: كان هناك اعتماد على سياسة “التمثيل المحترم” و”التهذيب” و”التطمين”.

بعد عشر سنوات: تضييق على التعبير وتوسّع الدولة الأمنية

بريطانيا تتحول إلى بيئة طاردة لكثير من المسلمين البريطانيين
شرطة

عند الوصول إلى 2010، كانت تحديثات قوانين الإرهاب قد كرّست قيودًا فعلية على الكلام والتعبير، وزادت من قدرات الدولة في المراقبة والاحتجاز بدون تهمة.

وفي عقد 2010 ظهر بشكل واضح موضوع سحب الجنسية على نطاق واسع، بما في ذلك على أساس «الصالح العام». كما أن تقريرًا جديدًا لـRunnymede Trust وReprieve يشير إلى أن هذا الإجراء يطال غالبًا المسلمين من أصول جنوب آسيوية أو شرق أوسطية أو شمال أفريقية.

ومع أن فكرة سحب الجنسية كانت صادمة في البداية، إلا أنها مع الوقت أصبحت شيئًا طبيعيًا ضمن صلاحيات وزارة الداخلية.

كيف تم تهيئة الناس لتقبّل سحب الجنسية؟

تمت تهيئة الرأي العام لتقبّل فكرة سحب الجنسية تدريجيًا عبر طريقة عرض بعض القضايا الكبرى في الإعلام. لاحظتُ أن تضخيم حالات معيّنة وتحويلها إلى قصص “رمزية” ساعد على جعل الإجراءات القاسية تبدو، بمرور الوقت، وكأنها منطقية أو ضرورية.

أبرز مثالين على ذلك كانا: أبو حمزة المصري وشميمة بيغوم.

من خلال المتابعة، رأيتُ كيف استُخدمت ضدّهما قوالب نمطية معادية للمسلمين لتجريدهما من إنسانيتهما في عين الجمهور. فبالنسبة لأبو حمزة، ظهرت عناوين تسخر منه وتقدمه ككائن مخيف وغريب، مثل وصفه بـ“Captain Hook”. أما شميمة بيغوم، فجرى تقديمها بصورة “عروس جهادية” (jihadi bride) — صياغة تُحوّلها إلى شخصية شريرة مكتملة النضج والمسؤولية، رغم تعقيد ظروف قضيتها والجدل حول سنّها وحالتها.

بالنسبة لي، لم تكن هذه اللغة مجرد توصيف إعلامي؛ بل كانت طريقة لصناعة موافقة عامة على إجراءات استثنائية. فسياسات مثل سحب الجنسية أو تقليص ضمانات العدالة كانت ستبدو صادمة وغير مقبولة لو طُبِّقت على فئات أخرى، لأنها تمسّ جوهر سيادة القانون. لكن عندما يُعاد إنتاج “المتهم” كوحش، يصبح تمرير تلك الإجراءات أسهل.

والأخطر من ذلك أن هذا الأسلوب لا يتوقف عند أشخاص محددين: إذ ينعكس على المسلمين عمومًا. فكل مسلم يقع داخل “شبكة الأمن” الواسعة صار يُنظر إليه وكأنه امتداد لتلك الصور “الوحشية”، ما يسهّل تبرير استبعاده أو التشديد عليه، ويؤسس عمليًا لمنطق مواطنة من درجتين: مواطن يُعامل بوصفه “كامل الحقوق”، وآخر يمكن نزع جنسيته أو التشكيك في انتمائه متى تغيّر المزاج السياسي أو الأمني.

اليوم: “الهجرة” كفكرة تنتشر بين مسلمي بريطانيا

بريطانيا تتحول إلى بيئة طاردة لكثير من المسلمين البريطانيين
الهجرة

خلال السنوات الأربع الأخيرة، عملتُ مع زملائي على استكشاف المشهد الرقمي للمسلمين البريطانيين ورسم ملامحه. وخلال هذا العمل لفت انتباهي انتشارٌ ملحوظ لنقاشات تتناول مفهوم “الهجرة/الحِجرة” (hijra) على منصات التواصل.

في هذا السياق، لا تُطرح “الهجرة” بمعناها البسيط كالسفر أو الانتقال العادي، بل تُستَخدم كمفهوم ديني-اجتماعي يشير إلى الخروج من بيئة يشعر فيها المسلم بعداء أو تضييق أو اضطهاد، إلى مكانٍ أو مجتمعٍ يمكنه فيه ممارسة دينه بحرية وأمان أكبر — في استدعاءٍ واضح لهجرة النبي محمد ﷺ وأوائل المسلمين من مكة إلى المدينة.

وما أقرأه خلف هذه النقاشات ليس مجرد فضول فكري، بل إحساس متزايد لدى كثير من المسلمين البريطانيين بأن بريطانيا لم تعد “البيت” الذي تخيّلوه هم أو تخيّله آباؤهم. لذلك لم تعد “خطة الخروج” فكرة بعيدة تُذكَر على سبيل الاحتياط؛ بل باتت تُناقَش وكأنها مسألة “متى” لا “هل”.

لماذا لا يصدم التقرير الجديد المسلمين؟

لهذا السبب تحديدًا، عندما يصدر تقرير يقول أن الأقليات العرقية أكثر عرضة بـ12 مرة من البريطانيين البيض لخطر سحب الجنسية، لا يُقابَل الأمر لدى كثيرين بالصدمة أو الذهول. ما أراه في ردود الفعل هو نوعٌ من القبول المُتعب: إحساس بأن التقرير لا يكشف مفاجأة، بل يؤكد واقعًا عاشته شرائح واسعة وتوقّعته منذ سنوات.

2025: جيل جديد لا يريد سياسة “التطمين”

في عام 2025، أجد أن عددًا كبيرًا من المحتجزين في السجون البريطانية، على خلفية مشاركات يُزعم أنها استهدفت بشكل مباشر شركات سلاح متهمة بتزويد إسرائيل في عدوانها على فلسطين، ينتمون إلى جيلٍ تشكّل وعيه السياسي منذ البداية داخل هذا السياق نفسه: سياق الدولة الأمنية المتضخمة، وتآكل ضمانات العدالة، وترسّخ فكرة المواطنة الهشّة القابلة للتشكيك في أي لحظة.

بالنسبة لهم، فإن التجاوزات القانونية وتعليق ضمانات العدالة الواجبة ليست “حادثة شاذة” أو انحرافًا استثنائيًا — كما بدت لي ولجيلي عندما كنّا نتابع بدايات هذه المسارات في عام 2000 — بل هي جزء من واقعٍ معتاد عاشوه منذ طفولتهم.

كما أن ما يحدث في الولايات المتحدة من مضايقات واعتقالات تعسفية من قبل سلطات الهجرة يعمّق هذا الشعور: أن حق الوصول إلى الإجراءات القانونية العادلة للمسلمين في الغرب قد لا يكون مسألة حقوق راسخة بقدر ما هو رهين المزاج السياسي واعتبارات “الأمن” والبراغماتية.

لهذا أرى هذا الجيل أقل اهتمامًا بإثبات “قبوله” لدى مؤسسةٍ يعتبر أنها استخدمت نزع الإنسانية سياسيًا كأداة. ومن هذه الزاوية، تبدو استراتيجيات جيل الآباء — التمثيل “المحترم”، والتهذيب، وسياسة التطمين — بعيدة جدًا عن واقع اليوم، بل وكأنها تنتمي إلى زمنٍ مختلف تمامًا.

المصدر: ميدل إيست آي


إقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة