لا شيء يتكرر في الحياة سوى أخطائنا
لمّا خَطَطت عنوان مقالتي عن الأمر الذي لا يجهله أحد، استرجعت قصةً من تخُوم الذاكرة، وذلك أنه إبّان حكم الرئيس السوفييتي الأسبق بريجنيف، ألقت الشرطة القبض على شابة توزع منشورات احتجاجية بجوار ضريح فلاديمير لينين -أول رئيس لحكومة روسيا السوفييتية-، ولكن بعد التفتيش تبين أن منشوراتها عبارة عن أوراق فارغة.
وعند استجوابها قالت: لماذا أُجهد نفسي بالكتابة؟ الجميع يعرف.
إذا قلّب المرء صفحات حياته ووجد من بينها أهدافًا طمست وهجها الأيام، أو نظر في تقاسيم صورته وقد خالط الشيب سواد شعره، ثم التفت عن يمينه وشماله وعثر على أكوام من الأمنيات لم ترَ النور، والكثير من “سوف” لم يحن وقته بعد.
تساءلت عن الأحلام التي ما زالت أحلامًا، والآمال والتطلعات التي ما فارقت ورقة التخطيط.
تأملت في البشر عربهم وعجمهم؛ فوجدت أنهم قد اصطفوا إلى فريقين لا ثالث لهما:
قسم تُدهشك ضخامة نِتاجهم، وتتمنى لقاءهم والحديث إليهم، وتقف احترامًا بمرور سيرهم على مسامعك.
وعلى الضفة الأخرى فريق وجودهم وعدمه سواء، لا أحد يسأل عنهم إذا غابوا ولا عندهم ما يُقدمونه إذا حضروا، ينتابك سؤال وحيد: فِيمَ قضوا كل سِنِي حياتهم الفائتة؟
كثير من الاستفهامات راودتني وأنا أتأمل حجم الهُوة والانشطار العظيم بين الفريقين.
قلت بعد توفيق الله: السر في الانضباط، والاستمرارية في فعل الأمر ذاته حتى مع انعدام الشغف هو حجر الزاوية الذي تتمايز فيه الصفوف في منصات التتويج.
ولولا خِلال سنّها الشعر ما درى
بُناة المعالي كيف تُبنى المكارم
في دراسة مطولة أُجريت لمعرفة القاسم المشترك بين الناجحين، وجدوا أنّ أهم عنصر بينهم هو الالتزام الشديد والانضباط الذاتي مع أنفسهم، بتنفيذهم أعمالًا ينأى غيرهم عنها.
ومن جُملة القواسم أيضًا، أن الناجحين أكثر اهتمامًا بالعواقب الطويلة المدى، في حين يطوف غيرهم حول صنم اللذة الفورية والرضا العاجل.
ومنها أن الناجحين ينصبّ تركيزهم على الأنشطة التي تُحقق الأهداف، في حين ينشغل غيرهم بتلك التي تجلب المتعة.
من لم يُسعِفه ذكاؤه أسعفه سعيُه
وحده الملتزم هو السعيد في هذه الحياة، أما من اتخذ إلهه هواه؛ فهو عبدٌ في ثوب حر، يسير بين الناس خاملًا، ضائع القصد، لا يدري كيف يُميت أيامه ولياليه.
الانضباط قنطرة الأعمال، فمن ضبط يومه صفا غده، ومن أحكمت أغلال المماطلة قبضتها على يديه تراكمت الأثقال بين جنبَيه، وفي الأثر: الذنب يوهمك بالحرية حتى تُحاول الإقلاع عنه.
وسترجع يومًا يا ولدي مهزومًا مكسور الخاطر، وستعلم بعد رحيل العمر، بأنك كنت تُطارد خيط دُخان.
في السياق ذاته تحدث الدكتور محمد الحاجي بإيجاز عن فكرة الاستثمار المبكر، سواء في الصحة أو التعليم أو المال… إلخ، إذ يقول: عامل الزمن مهم جدًّا، كلما بدأت مبكرًا تضاعف العائد المركب.
الحظ: فرصة أتت لمستعد
قلت: كل نواميس الكون تُخبرنا أن قمم المجد حَنَت رؤوسها لأولئك الذين تحملوا مشاق الطريق، وكابدوا وعثاء الأهواء.
وهو ما أشار إليه “إيلون ماسك” في لقاء تلفزيوني عند سؤاله عن “أسوأ اختراع في العصر الحديث” فأجاب: المقاطع القصيرة.
يكمل الحاجي: الحياة عبارة عن تراكمات من هذه الأشياء الصغيرة التي تمر في يومنا، وعمرنا بطبيعة الحال هو مجموع هذه الأيام التي قضيناها في تتبع هذه الأشياء الصغيرة.
لا تَحقِرن صغيرًا في مخاصمةٍ
إن البعوضة تُدمي مُقلة الأسدِ
وجِماع ذلك كله قول الصادق المصدوق: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ (أخرجه البخاري).
اقرأ أيضًا:
- الإنسان السام والبيئة السامة: كيف تؤثر العلاقات على حياتك؟
- هل المقاطعة مجدية حقًّا؟
- ما بين السطور.. الحكاية التي لم تروَ
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇
