وكانت هناء تسأل المارة باستمرار للتأكد من أنها تسلك الطريق الصحيح، معتمدةً بشكل كبير على خرائط غوغل، قائلة إنها باتت تضطر لشحن هاتفها باستمرار حتى لا تجد نفسها تائهة في مكان لا تعرفه.
فلسطينية من غزة تشق طريقها إلى لندن… رحلة هناء الجمل نحو بداية جديدة
ديمة خالد
November 16, 2025
كانت هناء الجمل، الطالبة الفلسطينية البالغة من العمر 28 عامًا، متحمّسة لبدء دراستها في جامعة غولدسميثس نهاية الشهر الماضي. لكن قبل بلوغ هذه المرحلة، كان عليها أولاً اجتياز عقبة الوصول إلى الجامعة والاندماج في مدينة ضخمة مثل لندن.
التحرك عبر شبكة المواصلات المعقدة في العاصمة البريطانية للمرة الأولى، خصوصًا داخل مترو لندن، كان تجربة «مربكة»، كما وصفتها لصحيفة The Standard.
خروج استثنائي بعد عامين من العدوان

وبالرغم من أن التوهان في المترو يُعد أول أزمة يعيشها معظم الطلاب الجدد، فإن هذا التحدّي كان بالنسبة لهناء بسيطًا مقارنة بما مرت به قبل وصولها إلى لندن.
فهناء غادرت غزة قبل أيام قليلة فقط من بدء الدراسة، لتغادر خلفها عامين مليئين بالعدوان الإسرائيلي الذي تسبب باستشهاد ما يقارب 70 ألف فلسطيني، ودمار واسع طال المنازل والمجتمع والبنية التحتية.
هناء تعد واحدة من نحو 75 طالبًا فلسطينيًا نجحوا في الخروج من غزة للدراسة في بريطانيا بعد جهود إجلاء منظّمة لحاملي المنح. وقد وصلت إلى لندن ضمن آخر مجموعة ضمّت 17 طالبًا قبل بداية نوفمبر، للالتحاق ببرنامج ماجستير القانون.
شهور من الانتظار و48 ساعة للرحيل
لم تكن الطريق نحو لندن سهلة قط. فقد قضت هناء أشهرًا بين تقديم الطلبات واجتياز امتحانات اللغة الإنجليزية والمقابلات المرئية وانتظار الردود.
وفي 20 أكتوبر، تبلّغت أخيرًا موافقة خروجها من غزة، ومُنحت 48 ساعة فقط لتوديع عائلتها، واضطرت لترك كل شيء خلفها. تقول: «لم يُسمح لي بالخروج سوى بالملابس التي أرتديها وهاتفي وشاحن الهاتف وأوراقي. كان ذلك مُهينًا للغاية».
ورغم أنها بدأت حياة جديدة، إلا أن ذاكرة القصف والدمار ما زالت حاضرة لديها: «أشعر أنني هنا، لكنني لست حاضرة بالكامل».
من تعليم الإنجليزية إلى معركة البقاء

قبل العدوان، كانت هناء تعمل معلمة للغة الإنجليزية في غزة، إلا أن حياتها انقلبت رأسًا على عقب مع بدء القصف الإسرائيلي الذي دمّر الأحياء والمستشفيات والجامعات.
وتحطمت خططها للدراسة في الولايات المتحدة، وتحولت حياتها وحياة الكثيرين إلى صراع يومي لتجنّب القصف والجوع والنزوح.
المساهمة في العمل الإنساني تحت القصف
رغم الخطر، قررت هناء مساعدة مجتمعها، فانضمّت إلى Action for Humanity، وهي منظمة مقرها بريطانيا وتعمل في مناطق الأزمات.
وساهمت هناء في توزيع المساعدات داخل القطاع، وتوثيق الظروف الإنسانية القاسية، متحدثة إلى صحفيين ووسائل إعلام لنقل واقع السكان.
هذا العمل جعلها هدفًا مباشرًا، خصوصًا بعد استشهاد 543 عامل إغاثة في غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، بحسب الأمم المتحدة.
وحصلت مؤخرًا على جائزة الشابة الإنسانية للعام في جوائز AidEx لعام 2025، وقالت إن هذا التكريم يُعد بمثابة اعتراف جماعي بجهود جميع العاملين في الصفوف الأمامية الذين يضحّون من أجل إنقاذ الآخرين.
عقبات امتحانات اللغة ودعم دولي واسع

لكن الإنجازات وحدها لم تكن كافية. فاجتياز متطلبات اللغة الإنجليزية استغرق شهورًا، وهو تحدّ يعاني منه العديد من الطلاب الفلسطينيين.
وتؤكد هناء أنها ما كانت لتصل إلى بريطانيا لولا دعم شخصيات ومؤسسات عدّة، بينها كلية غوديناف، مؤسسة كاي ميسون، مبادرة منح غزة، الصليب الأحمر، Action for Humanity، إضافة إلى مسؤولين بريطانيين.
من بين الداعمين أيضًا كانت النائبة البريطانية ريبيكا لونغ-بيلي، التي أعربت عن سعادتها الكبيرة بوصول هناء إلى لندن بعد أن شاهدت «الركام والدمار» خلفها عبر مكالمة فيديو سابقة.
رحلة العبور من غزة إلى عمّان
بدأت الرحلة الفعلية في الثالثة فجرًا عند المعبر الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة.
بعد ساعات من الانتظار في مراكز الاحتجاز، عبرت هناء أخيرًا حيث التقت بوفد بريطاني وقدّم لها أول وجبة طعام وماء بعد رحلة شاقة.
ثم تابعت طريقها إلى الأردن، حيث رأت للمرة الأولى منذ عامين مدينة عامرة وغير مدمّرة. تقول: «كانت المحال مليئة بالكهرباء والبضائع… الصوت الوحيد كان ضجيج السيارات، لا الانفجارات».
أول رحلة جوية… وبداية فصل جديد
في 27 أكتوبر، وبعد شراء ملابس شتوية وإجراء الفحوصات اللازمة، صعدت هناء إلى الطائرة لأول مرة في حياتها، متأملة الشرق الأوسط وهو يبتعد من نافذتها.
استغرقت رحلتها من غزة إلى غولدسميثس أسبوعًا واحدًا فقط، لكنها كانت مليئة بالمشاعر والتحوّلات.
صدمة الاتساع… والبحث عن الاستقرار الدراسي

الفارق الهائل بين غزة المحتلة ولندن المضيئة كان صادمًا لها: «البنية التحتية، الكهرباء، المواصلات، المساحات… كل ذلك مذهل بالنسبة لي بعد عامين من العيش في منطقة تحت العدوان».
كما واجهت تحديًا إضافيًا في الدراسة، إذ كانت قد فاتتها شهر كامل من المحاضرات. ومع ذلك، تقول إنها شعرت بكثير من «الطيبة» من الناس في لندن.
أمل بالمستقبل ورغبة في التغيير
رغم كل ما واجهته، لا تزال هناء متأملة بمستقبل أكثر إشراقًا. وتقول: «أريد متابعة دراستي كي أكون أكثر تمكينًا، وأُمكّن الآخرين، وأمتلك تأثيرًا يساعد في إحداث تغيير».
وترى منصة العرب في بريطانيا AUK أن قصة هناء الجمل تجسّد معاناة الشعب الفلسطيني تحت العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وتُبرز في الوقت نفسه إرادة الحياة والتعليم لدى جيل كامل يسعى للنجاة وإعادة بناء مستقبله رغم الدمار.
وتؤكد المنصة أن دعم الطلاب الفلسطينيين، وتسهيل وصولهم إلى التعليم، وتمكينهم من بناء حياة آمنة، ووقف إطلاق النار، هو جزء أساسي من مسؤولية المجتمع الدولي، خاصة مع استمرار معاناة المدنيين تحت القصف وغياب أبسط مقومات الحياة.
المصدر: standard
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
نسخ إلى الحافظة
